الوضع الاقتصادي مع السينما وضدها.. والأفلام العشرة الأولى نصفها أميركي

نظرة نقدية على سينما 2009

لقطة شريط أبيض White Ribbon للمخرج ميشيل هنيكي
TT

في الوقت الذي ما زالت فيه السينما الأميركية محافظة على الإيراد الأعلى بين كل صناعات السينما في العالم، بما فيها الهندية والصينية، فإن النظرة الأدق تشي بأن الأمور ليست وردية كما يجب أن تكون. في الأساس، فإن مسألة إنجاز هوليوود لمجمل إيرادي لعام 2009 يقترب من الثمانية بلايين دولار مسجّلة في صالات السينما حول العالم، لا تعني أن عدد روّاد هذه السينما هم أعلى من روّاد السينما الهندية أو الصينية. ما يعنيه فقط، هو أن سعر التذكرة، الصانع لهذا الإيراد الضخم في الدول الغربية وفي عدد من الدول الآسيوية والعربية، أعلى مما هو عليه في دول أخرى مثل الهند وباكستان والصين وحفنة من الدول اللاتينية في القارّة الأميركية.

لكن هوليوود لا تشكو من سعر التذكرة وبل تدرك أنها لن تستطيع أن تحول في المستقبل القريب من ارتفاعه مجدّدا، فكلّما تأثّرت صالات السينما بوضع اقتصادي معيّن اندفعت لرفع الأسعار لأن حصّتها من معظم الأفلام التي تعرضها هي خمسين في المائة من حصيلة «شبّاك التذاكر» في الأسابيع القليلة الأولى ثم ينخفض تدريجيا إلى أربعين في المائة ثم إلى ثلاثين في المائة. حين يقل عن ذلك تطرد الصالة الفيلم من شاشاتها وتستقبل واحدا يستطيع أن يملأ كراسي قاعاتها.

الوضع الاقتصادي الذي طرأ هذا العام نتج عنه قيام «وورنر» في هوليوود بتسريح نحو 300 موظّف وهو الوضع ذاته الذي تسجّل فيه الشركة ذاتها إيرادا يبلغ، حسب أرقامها، ثلاثة مليارات و990 مليون دولار. وهو رقم موضع مقارنة بينها وبين إيرادات شركة «فوكس» التي كانت أعلنت أن أفلامها سجّلت عالميا رقما قريبا جدّا من ذلك المذكور. كذلك فإن الوضع ذاته هو الذي يدفع هوليوود إلى المزيد من الأفلام التي لا يقودها ممثلون، وإذا فعلوا فهم ليسوا ممثلين معروفين.

هذا العام هو بداية نهاية الممثل - النجم إلا إذا ما تقهقر المدّ الذي شهد فشل أفلام لنيكول كيدمان، توم كروز، توم هانكس، جورج كلوني، مات دامون، جينيفر أنيستون، أدام ساندلر، شون بلاك، دنزل واشنطن، جون ترافولتا، مورغان فريمان، جيم كاري، جوليا روبرتس، إيدي مورفي، بروس ويليس، وآخرين.

طبعا نجحت أفلام لميريل ستريب وساندرا بولوك لكن معظم الناجح الآخر كان من بطولة ممثلين غير مشهورين كما الحال في أفلام «ستار ترك» و«قمر جديد» و«ترانسفورمرز 2» و«آثار السهرة» أو The Hangoverالفيلم الكوميدي الذي حقق بضع مئات من ملايين الدولارات حول العالم من دون اسم معروف واحد.

هذا يحدث في الوقت الذي يبدو فيه المشاهدون قد فقدوا الإيمان بشخصيات تستطيع تحريك الوضع السائد. تلك الأخبار المتداولة على شاشات التلفزيون. المخاطر التي باتت الحياة تحف بها من كل صوب. الحروب التي لا نهاية لها والرئاسة الأميركية التي بدت واعدة على نحو لا يزال ينتظر التأكيد، كلها عوامل اجتماعية ونفسية تسهم في توجيه المشاهدين إلى حالة من اللا إيمان ببطل فعلي حتى على صعيد قبول هذا البطل كممثل أوّل. إنه كما لو أن الجمهور قرر أن نجومه المحبوبين أفشلوه. وعدوه بإحلال السلام حول العالم (أو على الأقل في داخل الوطن)، جعلوه يصدّق قواهم وقدراتهم، باعوه أحلاما وردية عايشوها فترة طويلة ثم جاء الوقت الذي تبدّت الحقيقة فإذا بهؤلاء النجوم مجرد بشر غير قادرين على فعل شيء.

كل ذلك يأتي في الوقت نفسه الذي يحط البديل بقسوة غير مسبوقة: روبرت داوني جونيور كان عليه أن يرتدي بذلة حديدية في العام الماضي لكي يبقى على كل شفة ولسان. هذا العام شاهدنا «خلاص ترميناتور» و«ترانسفورمرز 2» يميلان إلى حشد الطاقة البدنية لصالح الشخصيات الحديدية الشريرة. وحوش من عالم الكومبيوتر غرافيكس تحطّم كل ما تنظر إليه أو تقبض عليه. وحين حاول فيلم «بدلاء» (بطولة بروس ويليس) التحذير من مغبّة الاعتماد على التكنولوجيا ومحاربة الروبوتس والتغلّب عليهم أهمله الجمهور الكبير لأن الآلة هي التي باتت أصدق تعبيرا عن السبب الذي يجعل الجيل الجديد والعشريناتي يتسابق إلى صالات السينما على حد سواء.

الحال ليس أفضل حين النظر إلى سينما الأنيماشن، حيث كان الممثلون الصغار أو الكبار الفاشلون وحدهم هم الذين يكترثون للتمثيل بأصواتهم في هذه الأفلام، لكن اليوم بات النجوم يجدون فيها بديلا ملائما أكثر بقاء في صالات السينما مما لو ظهروا بوجوههم في أفلام حية.

كل هذا يلتقي وتتويج التطوير التقني الذي كان عليه أن يُصاحب كل هذا المد من الأفلام غير البشرية (ولا الإنسانية في بعض أبعادها) المتمثّل جيّدا بفيلم «أفاتار» باستثناء أن هذا الفيلم للمخرج جيمس كاميرون، جدير بالذهاب إلى أقصى درجات الاعتماد على التقنيات من أجل إنجازه. إن لم يكن لشيء فبسبب مضمونه الداعي إلى حماية البيئة التي نعيش فيها قبل أن تنهار تحت معاول المزيد من المتغيّرات والذي، من ناحية أخرى، يتناول ما حدث لحضارات روحانية سابقة سقطت تحت معول الهدم المدني الحاصل.

هذا الفيلم الذي ينجز حاليا أطنانا من الإيرادات (نحو 450 مليون دولار في ثلاثة أسابيع للآن) كان في الواقع واحدا من أفلام الخيال العلمي التي تضمّنت مواضيع تبحث عن كيف يمكن أن يعيد الإنسان خطواته لئلا تجرّه الصناعات التكنولوجية والمادية إلى حيث لن يستطيع العودة إذا ما أراد لاحقا. في هذا السبيل شاهدنا «المقاطعة تسعة» الذي يبحث، فيما يبحث، عن العنصرية وليدة ظروف اللا تآخي، «معرفة» الذي يحذّر من نهاية الحياة على الأرض بسبب جهل الإنسان الدائم لتبعية تصرّفاته في عالم بات مشحونا بالتوتّر، «تسعة»، الفيلم الكرتوني الذي يتحدّث فعليا عن إنسان انهزم أمام الآلة فتنتصر له الدمى و«بدلاء» الذي يطلب الجمهور (عبثا) بمراجعة حساباته على نحو ليس بعيد مما حذّر منه أندريه تاركوفسكي في «سولاريس» (1972) ومن قبله «أوديسا الفضاء» (1969) لكن أحدا لم يسمع آنذاك وأحدا لن يسمع اليوم.

وإذا كانت السينما الأميركية بقيت محور المتابعة عالميا هذا العام (وستبقى كذلك لأعوام كثيرة قادمة) فإن هذا لا يعني أن السينمات الأخرى ملغاة. كل ما في الأمر أن على العديد منها الارتباط بالآلة الأميركية ذاتها لكي تستمر وتنتعش كما الحال مع السينما البريطانية التي تعتمد على شريك توزيع أميركي طوال الوقت لكي تنتقل إلى شاشات العالم وكما الحال مع سينمات أوروبية عديدة باتت تنتج إما أفلاما على المنوال الهوليوودي أو تطرح أعمالها الناجحة في مزادات أمام شركات هوليوود لكي تشتري حقوق إعادة صنعها من جديد.

على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من أن العام المنصرم لم يكن أفضل الأعوام سينمائيا، على صعيدي الفن والثقافة، فإن الناقد لا يزال يستطيع الخروج بعدد كبير من الأفلام المهمّة. التالي قائمة لأفضل عشرة أفلام عالمية وأفضل خمسة عربية، ثم أفضل خمسة وثائقية وأفضل فيلمين أنيماشن (الصور المتحركة) علما بأن المزج بين ما هو هوليوودي وما هو عربي ليس سهلا، لكن في نهاية المطاف هو أمر لا بد منه.