جوائز وانتعاش جديد للمسرحيات الغنائية في عاصمة الأنوار

«كليوباترا» و«لحن السعادة» شهدت إقبالا كبيرا في باريس

منظر ليلي للعاصمة الفرنسية («الشرق الأوسط»)
TT

لا يزال الانتعاش الذي يشهده فن المسرحيات الغنائية الفرنسية منذ النجاح الهائل لمسرحية «نوتردام دو باري» مستمرا. فبعد الإقبال الكبير الذي شهدته عروض «الأسد الملك» «موزارت الأوبرا روك»، «لحن السعادة» «كيلوباترا» وغيرها من العروض الفرنسية والمقتبسة، في عطلة أعياد السنة الأخيرة، كافأت حفلة «الإنرجي أورادز» الأخيرة المسرحية الغنائية «موزارت الأوبرا روك» بأربع جوائز: جائزة أفضل فرقة وأفضل أغنية وأفضل مغنية فرنكفونية: صفية أسايدي وأفضل مطرب ناشئ فلورون موتي. الجوائز التي تمنحها هذه الحفلة الفرنسية المهمة والتي تمت بفضل تصويت الجمهور كشفت عن مدى الانتعاش الجديد الذي يشهده هذا اللون الفني في فرنسا. فبعد برودواي الأميركية، وويست إند البريطانية اللذين يحتلان الريادة منذ عقود تحاول باريس بدورها منذ العشرية الأخيرة احتلال مكانة مميزة في هذا المجال بإنتاج عروض أصلية واقتباس أخرى حتى أصبحت هذه المسرحيات جزءا لا يتجزأ من المشهد الفني بعاصمة الأنوار.

غياب الفرنسيين في مجال المسرحيات الغنائية كان كاللعنة التي ظلت تلازمهم طويلا، فمعظم العروض الضخمة التي أنتجت في الماضي وبالرغم من جودتها فإنها قوبلت بالفشل الجماهيري قبل الفني، سواء بسبب سوء اختيار المواضيع أو ضعف إقبال الجمهور على هذا النوع الذي لم يتعودوا عليه بدليل اللّبس الحادث في التسمية نفسها، فبينما تعرف المسرحيات الغنائية عند الأميركيين والبريطانيين بتسمية واحدة هي «الموزيكالس» يختلف الفرنسيون في تسميتها فهي تارة «أوبرا روك» وأخرى «أوبريت» أو «القصة الغنائية» أو «المسرحية المرحة». لكن ذلك لم يمنع عدة نجاحات بارزة أهمها كان المسرحية الغنائية «ستارمانيا» (1979) التي كتبها المؤلف الفرنسي الراحل ميشال برجي والكندي لوك بلاموندون والتي لا تزال أبرز أغانيها «لومند إستون» و«زيغي» تذاع لغاية اليوم رغم مرور ثلاثين سنة على تأليفها، وكانت هذه المسرحية قد سجلت حضور أكثر من 3 ملايين متفرج، كما كان ألبوم أغانيها قد بيع بأكثر من 2.5 مليون نسخة في فرنسا فقط بغض النظر عن النجاح الذي لقيته المسرحية في كندا وباقي الدول المجاورة. إضافة لمسرحية «ماي فلاور» المقتبسة عن قصة أميركية ومن إنتاج الفرنسي تشارلز تلاغار سنة (1975) والتي عرضت الأولى منها أمام الكوستوتشن هول الأميركية بواشنطن بحضور الرئيس الأميركي آنذاك جيرالد فورد وبيع ألبوم أغانيها بأكثر من 300.000 نسخة وكذالك «لي ميزرابل» 1980 و«ذي كاتس» 1989. على أن عودة هذا اللون للساحة الفنية وانتعاشه من جديد لم يكن ممكنا لولا مسرحية «نوتردام دو باري» (1989)، المقتبسة من رائعة فكتور هوغو «البؤساء» والتي شاهدها في ظرف ثلاث سنوات أكثر من 3 ملايين متفرج وبيعت اسطواناتها بأكثر من 8.5 مليون نسخة. النجاح الشعبي والفني الكبير الذي لقيته هذه المسرحية أسهم في تشجيع إنتاجات أخرى وإرساء جو من المصالحة بين الفرنسيين والمسرحيات الغنائية، وخاصة بين أوساط المراهقات والشباب الذين راحوا يقبلون على معاهد الغناء بكثرة، كما شهد الموقع المهتم بجديد هذه المسرحيات: «روغار أون كوليس. كوم» قفزة كبيرة في عدد الزيارات حيث انتقل من 500 زيارة شهرية سنة 1999 إلى 500.000 سنة 2009. إضافة لظهور فئة مهنية قائمة بذاتها تضم كل اختصاصيي هذا الفن وتنظيمهم في هيئات وجمعيات ترعى شؤونهم وتبحث في مشاكلهم.

يقول «ألبير كوهين» منتج عدة مسرحيات غنائية ناجحة مثل «الوصايا العشر» (1.6 مليون متفرج) و«الملك الشمس» (1.7 مليون متفرج): مسرحية «نوتردام دو باري» كانت منعطفا مهما غيّر مسار هذا الفن بفرنسا، قمنا بعدها بتطوير طابعنا الخاص بنا، حيث استلهمنا معظم مواضيعنا من أحداث تاريخية مهمة أو من السيرة الذاتية لشخصيات من صميم ذاكرتنا الجماعية ثم يضيف «هي قصص تتلاءم مع العروض الكبيرة ويمكن أن تمثل في قاعات تسع لـ4000 إلى 6000 متفرج».

وإن كانت الموزيكالس التي تقدم في برودواي (نيويورك) أو في ويست إند (لندن) قد حافظت على طابعها التقليدي منذ عقود طويلة، فإن لا كوميدي موزيكال الفرنسية قد انتهجت طريق العصرنة للوصول إلى جمهور واسع: الإيقاعات السريعة، الحوارات القليلة، ربط الأغاني بعواطف البطل بينما تستعمل في برودواي لتحريك أحداث القصة. يحدث أيضا أن تسند أدوار البطولة لشباب معروفين بمشاركتهم في مسابقات تلفزيونية غنائية كـ«ستار أكاديمي» أو «نوفال ستار» ممن يتمتعون بشعبية سابقة عند جمهور واسع وخاصة الشباب، وغالبا ما تنتهي عروض هؤلاء على صراخ المراهقات اللواتي يتدافعن للحصول على إمضاء البطل أو صورة معه من الهاتف الجوال. ظاهرة شغف الشباب بهذا اللون الفني يفسره جيروم سافاري منتج مسرحية «كباريه»، و«إيرما الهادئة» بما يلي: «إنه مسرح المستقبل أكثر منه مسرح الماضي، فشباب اليوم الذين كبروا على المانجا اليابانية والفيديو كليب تعودوا على القصص الغنائية، حتى أصبحت الحاجة للغناء لديهم أساسية، فهم لا يغنون في الكنائس ولكن أمام التلفاز والكارؤوكي وفي المسرح».

الجمهور الواسع يطال حتى الأطفال الذين خصصت لهم عدة عروض بمناسبة العطل والأعياد: «سندريللا، آليس في بلاد العجائب، دوتي والساحر دوز»، ورغم ارتفاع تكلفة بعض العروض - مسرحية «سكوبيدو» مثلا كلفت مليون يورو - فإن المجال في ازدهار مستمر لدرجة أن بعض المنتجين تخصّصوا فيه، شأن المنتج سارج تبرمان الذي تشكل المسرحيات الغنائية للأطفال نصف نشاطه.

كما تتم الدعاية لهذه المسرحيات بحملات إعلانية ضخمة تركز جّل اهتمامها على ألبوم الأغاني الذي يجند له أشهر مؤلفي وكتاب الأغاني الفرنسية كما يحرص المنتجون على الترويج له عدة أسابيع قبل بدء العرض المسرحي، حيث تمكّن منتجو مسرحية نوتر دام دو باري مثلا من تغطية تكاليف العرض فقط من مبيعات البوم الأغاني حتى قبل بداية العرض المسرحي. رغم هذا تبقى ميزانية المسرحيات الغنائية الفرنسية أكثر تواضعا من نظيرتها الأميركية حيث لا تتعدى 6 ملايين يورو بينما قد تصل إلى 35 مليون دولار بالنسبة لهذه الأخيرة، أما سعر التذكرة الأولى فهو لا يتعدى 60 يورو في باريس بينما يصل إلى 100 دولار في نيويورك.