دي كابريو: أدواري في أفلام سكورسيزي داكنة الملامح

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» : إيرادات شباك التذاكر ليست المؤشر الوحيد على النجاح

ليوناردو دي كابريو في مشهد من فيلم «الجزيرة»
TT

بعد خمسة أيام من عرض «الجزيرة المغلقة» في مهرجان برلين - خارج المسابقة، لا يزال هو أحد أفضل الأفلام التي شاهدها المرء هنا. ووفق معايير كثيرة، فهو الأفضل فعلا. الزواج المثالي بين عالمي النص الروائي والعمل السينمائي. الفيلم الأكثر متانة تقنيا وفنيا من معظم ما تم عرضه هنا. لقطة واحدة من أي من مشاهده فيها من الحرص والحرفية ما تفتقده أفلام كثيرة بكاملها.

إنه مارتن سكورسيزي الذي ينضج كلما جابه تحديا، وكل فيلم من أفلامه الأخيرة هو تحد فني وإنتاجي صعب. عليه أن ينجز السينما التي تحبها هوليوود وتلك التي يحبّها هو ويجد، كما الحال هنا، الصياغة الموفقة في ذلك.

من ناحيته، فإن ليوناردو دي كابريو، الممثل الأول لهذا الفيلم، جزء من العملية بأسرها. إنه ضمانة تجارية وفي الآن نفسه ضمانة فنية. نوع من الأفلام التي لا ينفع فيها إلا ممثل موهبته أكبر من اسمه رغم كبر وأهمية اسمه أيضا. وهي المرة الرابعة التي يمثل فيها دي كابريو تحت إدارة سكورسيزي بعد «عصابات نيويورك» و«الملاح» و«المغادر» وكلها تبدو اليوم مرحلة جديدة لكل من المخرج وممثله. لكن دوره هنا أكثر تعقيدا وتشبعا بحيث من الصعب شرحه. في الأدوار السابقة تحت إدارة سكورسيزي، كانت شخصيات الممثل محددة. نعم داكنة دوما، لكنها مفهومة. هنا ولأول مرة يأخذك الممثل في حوار مع الذات والواقع والفانتازيا ويتركك في حالة تشبه حالته: غير واثق أي شخص هو. وفي مايلي نص الحوار الذي جرى في برلين.

* فيلم آخر مع مارتن سكورسيزي ودور آخر داكن الملامح.. كيف تفسر ذلك؟

- حين يقبل الممثل العمل مع مخرج من قيمة سكورسيزي فإنه يقبل أن يصبح من ملامح أو سمات سينما المخرج ويقبل بشروطه. كل ممثل حر في أن يختار الدور الذي يريده والعمل مع المخرج الذي يريده. أنت تريد أن تعمل مع مخرج من طراز سكورسيزي، إذن أنت توافق على تميزه وتوافق أنك جزء من هذا التميز وجزء من فنه. بالتالي، نعم أدواري كلها التي مثلتها في أفلامه داكنة الملامح. شخصية هوارد هيوز وشخصية الأيرلندي المنتقم وشخصية عالم الجريمة وشخصيتي في هذا الفيلم كلها تحمل دكانة مقصودة لأنها تنتمي إلى نظرة المخرج وعمله وأنا موافق عليها.

* متى قرأت رواية دنيس لوهان التي تم اقتباس الفيلم عنها؟ - قرأتها بعد أن بدأنا العمل على الفيلم. كان السيناريو طور الكتابة حين قرأتها أول مرة وأعجبتني جدا وحين كنت أقرأها كنت أفكر في كيفية ترجمة دور تيدي (الشخصية التي يقوم بها) إلى الشاشة. لكني في الوقت ذاته كنت أنتظر انتهاء السيناريو لأرى كم سيتطابق السيناريو مع الأصل

* وكيف وجدت النتيجة؟

- إذا ما قرأت الرواية ستجد أن السيناريو أمين للرواية لكن بالطبع هناك ضرورات تقتضي التلخيص والتغيير وهذا طبيعي. لكن ما أسعدني أن أجد السيناريو قد حافظ على العلاقة بين الشخصية التي أمثلها وبين الشخصية التي يمثلها مارك روفولو (الذي يؤدي دور شريكه في التحقيقات).

* ربما أيضا الأجواء التي تجعل المشاهد يحتار فيما إذا كنت مريضا أم تحريا.

- صحيح. الفكرة كانت في الحفاظ على هذا السؤال حتى النهاية.. أو هل أقول حتى ما بعد النهاية؟ أخبرني أكثر من شخص أنه خرج بانطباع مفاده أنه لم يكن متأكدا ما إذا كان تيدي مريضا تتم معالجته أم أنها مؤامرة تم استدراجه إليها كما يقول له صديقه.

* وماذا ترجح أنت؟

- أعتقد (يتردد).. دع المشاهد يقرر ذلك بنفسه.

* هذه رابع مرة تمثل في فيلم من إخراج سكورسيزي. هل من اختلاف في العلاقة بين اليوم والأمس؟

- علاقتنا مهنية منذ البداية. تعرف أن الممثل يأتي إلى الفيلم. يقوم بتمثيل دوره ثم يمضي تاركا للمخرج استكمال ما يؤلف ذلك الفيلم. لا يعد مسؤولا إلا إذا كان منتجا مثلا. لكن أحيانا، وقد حدث ذلك معي في مرات سابقة، يتساءل الممثل عن النتيجة في نهاية الطريق. مع مارتن لا يوجد أي داع للتساؤل. تنجز عملك في الفيلم وتمضي وكلك ثقة بأن إسهامك فيه سينضم إلى باقي العوامل التي يتألف منها الفيلم على النحو الذي ترغبه لأن المخرج يريد تأمينه ولأن نظرتك ونظرته واحدة حيال العمل. كما ذكرت أنت جزء من عالم المخرج وتحترم ذلك وتقدره.

* في الوقت الذي نجد فيه عددا كبيرا من الممثلين يتكلون على شخصيات خيالية من الكوميكس أو السوبر هيرو لضمان رواجهم، تختار أنت الطريق الأصعب.. أن تبقى ممثلا في أفلام تقودها الشخصيات في أشكالها الآدمية. هل هذا صعب؟

- لا أدري. لم أواجه نفسي بمثل هذا السؤال من قبل، لكني أعلم أنني أختار ما أريد تمثيله بعناية وأن تمثيل شخصيات الكوميكس لا تعنيني. هذا لا يعني أنني لست معجبا بمن يقوم بها من الزملاء. هناك ممثلون كثيرون جيدون والأكثر هي الخيارات المطروحة هذه الأيام. أما أنا فسعيد باختياراتي رغم أنه قد يكون من الصعب الحفاظ على نجاحات كبيرة من الناحية التجارية. أقصد أن فيلما من النوع الذي تذكره ربما ينجز إيرادات أكثر بعشرات المرات مما ينجزه فيلم لا ينتمي إلى ذلك النوع، لكن هذا ليس مؤشرا وحيدا على النجاح. عمل الممثل وحبه للمهنة التي اختارها وحب الجمهور له مؤشرات أخرى بديلة. في مطلع عهدي كان يمكن لي أن أقول شيئا مختلفا، لكن هذا ما أعتقده الآن.

* تم تأجيل عرض هذا الفيلم منذ أواخر العام الماضي إلى اليوم مما فوت احتمال دخوله مسابقة الأوسكار.. كيف وجدت ذلك؟ - في البداية تساءلنا جميعا عن الحكمة في ذلك، لكن هناك جهة مولت وهي لن تضحي بالفيلم بأي حال. لم يكن قرارها عشوائيا بل نتج بالتأكيد عن اضطرارها إلى ذلك وقد قبلنا جميعا هذا القرار برحابة صدر لأننا نعلم حرص الشركة (باراماونت) على نجاح الفيلم. الآن تذكر الأوسكار؟ نعم. خسر فرصة الأوسكار والجوائز الأخرى لكن في كل سنة هناك أوسكار، وأنا متأكد من أن الفيلم سيدخل ترشيحات العام المقبل.

* تعتقد أنه جدير بالفوز إذن؟

- طبعا.

* حين راجعت لائحة أعمالك المقبلة وجدت أكثر من عشرين مشروعا في مراحل مختلفة. بينها فيلم تم تصويره هو «استهلال».. هل يمكن إيجازه ببضع كلمات؟

- طبعا، إنه فكرة خيالية حول قدرات العقل البشري على الابتكار والإبداع والتنافس الذي قد يقع بين بعض المفكرين في محاولة كل منهم تحقيق فكرة متنازع عليها. لا أستطيع الحديث أكثر من ذلك لأن المخرج يريد إبقاء الفيلم طي الكتمان وأنا لا ألومه.

* كيف كان العمل مع مخرج الفيلم كرستيان نولان؟

- كما كنت أتمنى. إنه مخرج آخر أردت دائما العمل معه.