«أفاتار» ينتظر تتويج الأوسكار

من الحسن بن الهيثم إلى جيمس كاميرون

TT

لا يزال فيلم «أفاتار» متصدرا الإيرادات في العالم بملياري دولار، ومن المنتظر أن يصبح هو الأعلى في شباك التذاكر في العالم العربي أيضا، حيث يعرض الفيلم الآن في مصر ولبنان وأكثر من دولة خليجية، والغريب أن العرض تتصدره دائما لافتة «كامل العدد» على مدى تجاوز 6 أسابيع وبإيرادات لم يسبق أن حققها أي فيلم أجنبي طبقا لما يؤكده موزعو الأفلام في مصر على سبيل المثال. أحدث هذا الفيلم حالة من الترقب لدى الجمهور لمشاهدة أفلام الأبعاد الثلاثة.. في مصر لم تكن قبل عام فقط دور العرض مهيأة لاستقبال هذه الأفلام، وكانت تعرض بنسخ ثنائية الأبعاد.. الآن زاد العدد إلى 7 شاشات، وخلال الأشهر القادمة سوف تزيد إلى عشر شاشات.. أتصور أن أغلب دول العالم العربي التي لا تعرف هذه التقنية سوف تنشئ الشاشات ليزيد أيضا عددها وتصبح مع الزمن هي المسيطرة على الحالة السينمائية.

يظل التقدم العلمي أحد المحورين الرئيسيين اللذين تستند إليهما السينما في تقدمها، والمحور الآخر هو الإبداع.. منذ بداية السينما في عام 1895 على يد الأخوين لوميير، لويس وأوغست، في فرنسا والتطور مرتهن بفكر يحمله المبدع وآلة تساعده على تحقيق أحلامه! والفن السينمائي يعتمد على الضوء وعلى المنظور، ولقد أحدث العلامة العربي الحسن بن الهيثم إنجازات، بل ثورة في هذا العلم هي التي ارتكن إليها كل التقدم الحادث في السينما، والذي وصل الآن إلى الذروة مع جيمس كاميرون بفيلمه بتقنية 3D (الأبعاد الثلاثة).

أول تعريف لاسم السينما في اللغة العربية كان هو «الخيالة»، وهي كلمة مشتقة من «الخيال»، وحتى يتحقق الخيال مرئيا ينبغي أن يملك الفنان آلة، وإذا كان الأخوين لوميير قد بدآ التجربة فإنهما استندا إلى حقائق علمية متعلقة بأن الصورة الثنائية إذا تحركت بمعدل 16 كادر في الثانية تتلقاها العين باعتبارها صورة متحركة، ولهذا كان ينبغي قبل دخول الصوت للشريط السينمائي أن تحقق آلة العرض هذا الغرض وأن تحافظ على هذا المعدل، وبعد دخول الصوت عام 1927 ازداد المعدل إلى 24 كادر في الثانية حتى تتوافق سرعة شريط الصوت مع الصورة.. كان دخول الصوت بمثابة الثورة الأولى في السينما، بعدها تغير توجه الإخراج السينمائي، وكان الاعتماد الأساسي على حركة الممثل الأدائية للتعبير عن غياب الصوت، بالإضافة إلى كتابة التعليق لإيصال المعنى، لتكثيف كل ذلك، إلا أن الجمهور كان يتابع الشريط المرئي والمسموع وأصبحت المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية أحد أهم أسلحة المخرج في التعبير.

الألوان في منتصف الثلاثينات جاءت خطوة أو قفزة أبعد، حيث إن السينما في النهاية تقدم الواقع الذي نعيشه، والواقع ملوّن وليس أبيض وأسود، وهكذا كان اللون حميما جدا بالسينما كفنّ، لكي تقلص المسافة بينها وبين الواقع، وهكذا أصبح اللون يشكل 90% من الأفلام السينمائية في العالم كله.. كانت هناك تجارب للتمرد على الإطار السينمائي مثل سينما سكوب، ولكنها لم تتحول إلى ثورة تؤدي إلى تغيير النمط.. هذه المرة مع الأبعاد الثلاثية «3D» نحن بصدد ثورة حقيقية استندت إلى تكنولوجيا، حيث يتم تصوير نفس اللقطة بكاميرتين لإيجاد عمق للمنظور مع شاشة خاصة، وقبل ذلك دار عرض قادرة على تحقيق ذلك باستخدام تقنية الديجيتال، ثم نظارة يرتديها رواد السينما.

في الخمسينات ومع سيطرة التليفزيون والخوف من إحجام الجمهور عن الذهاب إلى السينما بدأت محاولات بدائية لتحقيق هذه التقنية، وكان الجمهور يصاب بدوار ولا يتحقق الإحساس بالتجسيم، ولكن في السنوات الأخيرة باتت هذه التقنية مضمونة النجاح.

جيمس كاميرون في فيلمه «أفاتار» يمزج ما بين الرسوم المتحركة والأشخاص، ويقدم فيلمه في الزمن القادم من خلال غزو أميركي لكوكب آخر يمثلون شعبا من الأفاتاريين.. اختار المخرج بطلا كسيحا من جنود البحرية الأميركية، فقدَ قدرته على الحركة في أثناء المعركة. وفكرة الفيلم قائمة على أن لدى البشر تقنية تجعلهم قادرين على زرع جاسوس مستنسخ من هذا الجندي يحركونه في التوقيت المناسب.. هذا المستنسخ، وكأنه يتحرك بالريموت كنترول يتحكمون فيه من الأرض، به كل مشاعر الأفاتاريين.. أهل الأرض يريدون الاستيلاء على هذا الكوكب لوجود معدن نفيس في باطن هذه الأرض البكر، في نفس الوقت شعب «أفاتار» لديه خصوصية أنه مملكة يحكمها الملك المحبوب من شعبه.. هم يقدمون أبعادا إنسانية لنا جميعا، يرفضون الدموية، ولهذا عندما تهاجم مجموعة من الكائنات الحيوانية المستنسخ الأرضي وتكاد تقضي عليه تنقذه ابنة الملك، ولكنها تندم لأنها لجأت إلى القتل إنقاذا له.. في البداية كانت هي تريد أن تقتله باعتباره غريبا، ولكن إشارة من إحدى الحشرات الضوئية التي يتبارك بها أفراد القبيلة تجعلها تغير المؤشر، وهكذا تقرر إنقاذه بدلا من قتله.

من بين الملامح التي يحرص عليها جيمس كاميرون إضفاء الجو الأسطوري على الحياة داخل هذا الكوكب، حيث إن لديهم شجرة مباركة يلجأون إليها وتضمن لهم الحماية.. وجد المخرج الحل في استخدام لغة التخاطب، حيث جعل عددا محدودا جدا من أفراد هذا الكوكب يجيدون قليلا من الإنجليزية، بينما لهم لغتهم الخاصة التي يتحدثون بها في ما بينهم، والمبرر الدرامي لإجادة الإنجليزية مقبول فنيا لأنهم تعرضوا من قبل لغزوات سابقة، ولهذا أصبح قادتهم يجيدون بعض الإنجليزية.. إننا نرى قبيلة من الشجعان. نعم، هناك من يخشى مواجهة قوات الأرض، ولكن الأغلبية لديهم قناعة بقدرتهم على الصمود.. قوة الأرض بكل عنفها وقوة الكوكب المتواضعة على الصمود والمقاومة.. لأول مرة يقف المشاهد مؤازرا للقوة الفضائية النبيلة ضد أميركا وعنفها وتسلطها.

دائما دأبت الأفلام السينمائية على أن تقدم غزاة من الفضاء يأتون إلى الأرض، حيث نرى قوة غاشمة تريد إبادة الحياة البشرية.. هذه المرة سكان الأرض هم الذين يريدون إبادة المسالمين من كوكب آخر، وهكذا نستشعر بأن هذه «التيمة» الدرامية وكأنها تقدم نوعا من الترديد لقصص نعيشها على أرض الواقع مثل قتل وإبادة الهنود الحمر لصالح الجنس الأبيض أو غزو أميركا لأفغانستان والعراق واحتلال إسرائيل لفلسطين والوحشية الإسرائيلية في ضرب غزة.. كلها تنويعات دموية نعيشها ونكتوي بنيرانها. أليس الغزو الأميركي للعراق وراءه السيطرة على بترول الخليج، وهو ما يساوي هذا المعدن النفيس الذي يبحثون عنه؟

الأسطورة مع الواقع ثم الزمن القديم يرنو إلى المستقبل ليصنع جيمس كاميرون حلمه الذي صار ملحمته «أفاتار»، حيث ظل عشرة أعوام وهو يسعى لتحقيق هذه التحفة الإبداعية بعد فيلمه «تيتانيك» الحاصل على 11 جائزة أوسكار عام 97، و«أفاتار» أيضا مرشح للأوسكار هذا العام بـ9 فروع، وهو الأقرب لكي يتوج يوم 7 مارس (آذار) بجوائز أفضل فيلم وأفضل مخرج ومونتاج وتصوير ومؤثرات بصرية وسمعية وماكياج.

كان على كاميرون أن ينتظر كل هذه السنوات حتى تقدمت التكنولوجيا وسمحت بتقنية البعد الثالث وبميزانيات ضخمة ترصد للفيلم تحقق «أفاتار»، حيث كانت تقنية التجسيم عاملا رئيسيا لتحقيق مصداقية الفيلم، ليؤكد أن الثورة الثالثة سوف تغير تماما وجه السينما في العالم كله. يقولون إنه خلال خمس سنوات سوف تصبح كل الأفلام خاضعة لتقنية الـ«3D». أتصورها أبعد من ذلك.. كما أنني أيضا أرى أن هذه النوعية من الأفلام سوف يزداد معدل انتشارها، لكنها لن تحيل الأفلام المصورة بالتقنية العادية ذات البعدين طولا وعرضا بلا عمق إلى فعل ماضٍ لتصبح مجرد استثناء، ولكن فقط أرى أن السينما المجسمة في طريقها لكي تتوازى مع أفلام السينما التقليدية، ويبقى لنا كعرب أن نفخر رغم أننا لم نستطع حتى الآن تقديم فيلم مجسم، ولكن لدينا توجد تجارب حاليا في مصر لتقديم أول أفلام الأبعاد الثلاثة، ومن الممكن أن نرى محاولات أيضا خليجية في هذا المجال، ولكني أتصورها لا تزال بعيدة.. كان لنا السبق في علوم الصورة والضوء وفن السينما، لا يمكن أن ننسى ما قدمه الحسن بن الهيثم الذي لولاه ما تمكن جيمس كاميرون من صناعة «أفاتار».

[email protected]