عبد الهادي الصباغ: 4 أسباب أثرت على الدراما السورية.. وكمّ الأعمال الخليجية خفض الإنتاج المحلي

الفنان السوري عبد الهادي الصباغ («الشرق الأوسط»)
TT

في منتصف سبعينات القرن الماضي ظهر ذلك الممثل السوري الشاب مع الفنان المخضرم دريد لحام في مسرحيته الشهيرة «غربة»، وهو يجسد دور معلم المدرسة المثقف، الذي يريد تعليم أهالي قرية غربة، وتحدى زعيمها البيك. ولاقى هذا الممثل الشاب في وقتها اهتمام المتابعين والنقاد الذين توقعوا له مستقبلا فنيا متميزا، وهذا بالفعل ما تحقق له، فقد برز عبد الهادي الصباغ في ما بعد كنجم سوري تألق في تجسيد الكثير من الشخصيات التي أداها في أعمال تلفزيونية متنوعة، اجتماعية، معاصرة وتاريخية، وكوميدية.

وفي السينما ورغم قلة الإنتاج السينمائي السوري فقد كان الصباغ حاضرا بقوة في أهم ما أنتجته مؤسسة السينما السورية من أفلام روائية طويلة. ويستعد حاليا لتصوير عدد من الأعمال للموسم القادم، وفي الحوار التالي من دمشق يتحدث الفنان السوري عبد الهادي الصباغ مع «الشرق الأوسط»، عن العديد من القضايا الفنية فإلى تفاصيل الحوار:

* كيف تنظر إلى موجة دراما البيئة الشامية ومشاركتك بها وأنت ابن هذه البيئة؟

- شاركت في عمل واحد وهو مسلسل «جرن الشاويش»، وللأسف لم يأخذ شهرة كغيره من هذه الأعمال بسبب نصه الضعيف، ولذلك لم يجد فرصا كبيرة لعرضه على الفضائيات. وعرض علي المشاركة في الجزء الخامس من مسلسل «باب الحارة»، الذي سيعرض في رمضان هذا العام، ولكن اعتذرت لعدم موافقتي على الدور والشخصية التي سأجسدها؛ كونها لا تتناسب وقناعاتي، وعادة اختيار الممثلين لأداء الأدوار في أعمال البيئة الشامية يعود إلى خيارات المخرجين والمنتجين على الرغم من أن هناك ممثلين شاركوا في هذه الأعمال وليس لهم علاقة بهذه البيئة ولا يعرفون تفاصيلها، ومع ذلك كان لهم مشاركات كثيرة في دراما البيئة الشامية، وتبقى وجهة نظر المخرجين.

* ما أسباب نجاح مثل هذه الأعمال؟ وكيف يمكن المحافظة على تألقها؟

- أنا لا أستطيع تحديد وحصر أسباب نجاحها، ولكن أفهم هنا أن عملا اجتماعيا أو تاريخيا نجح أو لم ينجح فهذا أعرفه، وأعتقد أننا في العالم العربي افتقدنا مثل هذه القيم والأخلاقيات التي تتحدث عنها هذه الأعمال، وتوجد رغبة لدى المشاهدين ليطلعوا على كيف كان يعيش أجدادهم والقيم التي كانوا حريصين عليها، إضافة إلى وجود عوالم في هذه الأعمال ذات طابع تراثي شامي أحبها الناس، وطبيعة العلاقات بين الناس والجيران بعضهم ببعض، والتي تختلف حاليا بشكل كبير، فالحارة كانت الأساس والناس يعرف بعضهم بعضا، والبيت يجاور البيت الآخر، وكان يخاف بعضهم على بعض، كل هذه العادات افتقدناها في العصر الحديث، ولذلك تقديمها دراميا جذب المشاهدين إليها ومن كافة أطياف وفئات المجتمع. أما كيفية المحافظة على تألق هذه الأعمال فهذه مهمة الكتاب الدراميين، وحتى لا يقعوا بمطب التكرار في هذه العلاقات والسيناريوهات، يجب أن لا تبقى قصص هذه الأعمال محصورة بأحاديث النسوان وثرثراتهم، يجب أن لا تبقى محصورة ضمن هذا الإطار، خصوصا أن البيئة الشامية يمكنها أن تقدم الكثير من القصص الدرامية مثلها مثل الأعمال التاريخية والاجتماعية المعاصرة فمشاكل الإنسان وصراعاته كانت موجودة في هذه البيئة كما هي موجودة حاليا أو في التاريخ البعيد.

* هناك من يخشى على دراما البيئة الشامية من الانقراض كما حصل مع موجة الفانتازيا؟

- لا أعتقد، فهناك فرق بين النموذجين، وعمر نوع الدراما الشامية أكبر من الفانتازيا، ويتحمل فترة زمنية أطول، كونه يقدم دراما من فترة زمنية قريبة ولن تنتهي كما انتهت الفانتازيا.

* تجربتك الإنتاجية كممثل في الأساس، ألم تؤثر على مسيرتك الدرامية، خصوصا مع خوف بعض الممثلين من خوض التجربة الإنتاجية حتى لا يفقدوا زملاءهم كما صرح البعض منهم؟

- قرار إدارتي لشركة إنتاجية ليس وليد الساعة، فأنا تربطني منذ سنوات بعيدة علاقة جيدة بالمخرج هيثم حقي وبفيصل مرعي، ونحن بدأنا مع انطلاق القطاع الخاص في مجال الإنتاج التلفزيوني السوري، ولذلك لدي مساهمات في الإنتاج قديمة، ومنها كان استشاريا لانتقاء النص الجيد دون أن أكون ممولا أو صاحب شركة إنتاجية، حيث كنا نمهد الأساس لتقديم العمل التلفزيوني الجيد، ومنها اختيار الممثلين والنص، ولكن أن أخسر زملائي بسبب تجربتي في إدارة الإنتاج ففي كل عمل هناك خسارة وربح، ولكن حتى أنفذ عملا أحبه فعلي أن أنتقي نصا دراميا جيدا، وأن آتي بالمخرج الملائم لهذا النوع من المسلسلات، وانتقاء الممثلين الأكفأ ليؤدوا هذا النوع من الدراما، وكذلك اختيار الموسيقي لينفذ الموسيقى التصويرية للعمل، هذا كله يحقق لي متعة، وهذا أعتبره ربحا لي، ولكنه سبب لي خسارة شخصية، فهناك شركات إنتاجية لم تعد تشركني في أعمالها كممثل، والسبب كما يقولون أن لدي شركة إنتاجية. وأستغرب هنا هذا التبرير، فأنا في الموسم الماضي لم تقدم شركتي سوى عمل واحد، فهل من المعقول أن أشارك في مسلسل واحد وأجلس طيلة العام دون عمل؟!.. ولا ينتهي الأمر هنا فقط، بل هناك عتب من الكثير من الزملاء الذين لم أشركهم في أعمال شركتي الإنتاجية و(يزعلون) مني، رغم أن الاختيار هنا ليس ضمن إمكاناتي، حيث نقدم عملا واحدا فقط، ولن أستطيع إشراك كل زملائي وأصدقائي، ولذلك أقول لك بصدق إن تجربتي الإنتاجية أضرت بي كممثل وبعلاقاتي مع بعض الزملاء.

* هناك من يرى أن دخول الممثلين على خط الإنتاج كرّس الشللية في الدراما السورية، ما رأيك في ذلك؟

- أنا لست مع هذا الرأي، فلو نظرت إلى مشاركات الممثلين فهناك من شارك في الموسم الماضي بستة أعمال، فأين هي الشللية؟ فلو كان هناك شللية فيجب أن يظهر الممثل في عمل واحد وشلة عمل واحد وليس في ست شلل، والشركات هنا تتعامل مع معظم الممثلين في أكثر أعمالها، فلا توجد شللية هنا، فهؤلاء مطلوبون لكل الشركات، وهذا يدحض مقولة أن كل شركة إنتاجية لها شلة من الممثلين تشركهم هم فقط في أعمالها. خذ مثلا في الأعمال التي قدمتها في السنوات الأخيرة مثل «يوم ممطر» و«النرجس» و«طريق النحل»، كان هناك تنوع في الممثلين وطيف واسع من نجوم الدراما السورية، ولم نعتمد على نجم واحد في هذا الأعمال.

* الدراما السورية انخفض إنتاجها في الموسم الماضي إلى النصف تقريبا، وهناك من يعزو السبب إلى الأزمة الاقتصادية العالمية.

- برأيي إن هناك أكثر من سبب لانخفاض عجلة الإنتاج الدرامي السوري، ومنها الأزمة الاقتصادية العالمية التي انعكست بشكل أو بآخر على المحطات التلفزيونية بسبب نقص الإعلانات، وبالتالي انعكست علينا، والسبب الثاني برأيي هو الكم الإنتاجي الخليجي، وهذا حقهم المشروع في أن يقدموا أعمالا كثيرة من المسلسلات الخليجية، والسبب الثالث أن هناك بعض المحطات اتخذت قرارا في شهر رمضان الماضي أنها لن تعرض على شاشتها إلا الأعمال الخليجية، وهذا أثر على تسويق الأعمال السورية وعلى الإنتاج بالأساس، حيث خاف المنتج السوري هنا من عدم المغامرة في إنتاج عمل ليس لديه تعهد من محطات تلفزيونية لشرائه، والسبب الرابع أن الدراما التركية المدبلجة أثرت إلى حد ما على الإنتاج السوري، والمعروف أن نجاح العمل التركي قام على تراكم نجاح الدراما السورية، فهو قد قطف من خلال اللهجة التي نستخدمها في الدراما السورية نجاح هذه الأعمال، وبرأيي لو أن هذه الأعمال التركية دبلجت في بلد آخر أو باللغة العربية الفصحى فلن تحقق النجاح التي حققته، فنجاحها متكئ على نجاح الدراما السورية، فمثلا بدول المغرب العربي قالوا لا نريد أعمالا سورية، فلدينا مثل هذه الأعمال، وتبين بعد ذلك أن لديهم أعمالا تركية معتقدين أنها أعمال سورية، ودبلجة الأعمال أمر سيحصل بالواقع إن دبلج بلهجتنا أو بغيرها، وهناك أعمال حتى غير تركية تدبلج مثل أعمال إسبانية وغيرها، وهذا حق مشروع، لا يمكن تأطيرها بإطار شهرة ممثل على حساب ممثل قدم صوته وغير ذلك من الأمور، ولا يمكن أن تقول لمنتج يبحث عن مصدر ربح جيد ويبحث عن أحسن صيغة ليبيع إنتاجه: لا تدبلج لأنك تؤذي الدراما السورية، فهذه شركات خاصة تنفذ أعمالا لا يمكن أن تطبق عليها قانون منع مثلا لكي لا تدبلج، ولذلك هناك أكثر من سبب أدى إلى تدني الإنتاج السوري وليس فقط في الموسم الماضي، بل حتى للمواسم القادمة. ولا يوجد حلول سوى المحافظة على سوية الأعمال السورية المقدمة، وأن يبقى التنافس الصحي قائما بين القائمين على الدراما السورية، فهو يحسن من جودتها، وعلى القطاع الإنتاجي العام أن يقدم أعمالا جيدة، خصوصا أنه في السنوات السابقة كان 90 في المائة من أعمال القطاع العام لا تسوق ولا تشاهد أحيانا، وكل مرة نسمع أن هناك نوايا جيدة لإنتاج أعمال مميزة ولكن لا يحصل ذلك، ولذلك المطلوب أن يكون هناك جدية في التعامل مع الدراما في التلفزيون السوري، فمن خلال انتقاء النصوص والمخرجين والممثلين في السابق نلاحظ أن ما يقدم أعمال ليست بالسوية المطلوبة.

* هل لديك أعمال خارج سورية؟

- لدي عمل مصري ومن خلال شركة إنتاج أردنية، عمل في مصر كان من المفروض أن يصور العام الماضي ولكنه تأجل للعام الحالي، وسأشارك فيه من خلال شخصيتي ولهجتي السورية.

* كيف تنظر إلى تجربة الممثلين السوريين مع الدراما المصرية؟

- برأيي الوضع عادي جدا وطبيعي أن يوجدوا في مصر، وهم موجودون أيضا في الأعمال السورية، وأنا لست مع القائلين عن مشاركتهم إنها مؤامرة على الدراما السورية لسحب نجومها منها، ومن حق الممثل السوري أن يبحث عن انتشار أكثر.

* بعد تجربتك الفنية الطويلة نسبيا، هل تحلم بتجسيد شخصية ما لم تتحقق بعد؟

- لا، فليس لدي هذا الهاجس، خصوصا في مجال الأعمال التاريخية، لأنني ببساطة أرى نفسي في الأعمال الاجتماعية المعاصرة التي لها علاقة بواقعنا وأحلامنا وبرغباتنا وبتحسين واقعنا الاقتصادي بانكساراتنا، وكإنسان يعيش في العصر الحالي وفي القرن الواحد والعشرين، هذا النمط من الأعمال أرغب بالتمثيل فيه وأشعر أنه هام ومطلوب من قبل المشاهدين.

* هل يمكن أن نشاهدك مخرجا لعمل تلفزيوني؟

- لا، لسبب بسيط، أنني لن أخرج أفضل من المخرجين السوريين، ولو كنت سأخرج أحسن منهم فسأكون مخرجا، فلماذا أصير مخرجا وأعمل في الصف الثاني أو الثالث مثلا؟ لا داعي لذلك، وأنا جبان في موضوع خوض أي تجربة إخراجية، أخاف كثيرا في الإقدام على مثل هذه الخطوة.