ساكنو «الأولمب» يحبون ويعشقون ويتزوجون وينتقمون!

«بريسي جاكسون» سارق الصاعقة

هيلينا كارتر برأس غير طبيعي في «أليس في أرض العجائب»
TT

لا يتوقف الخيال الأدبي عند حدود.. الكلمة ليس لها سقف يحدها، فهي تخترق الواقع ليتفاعل عقل القارئ مع الكلمة المكتوبة، ويرسم هو ملامح الصورة بكل مفرداتها وتفاصيلها، وباتت السينما الآن قادرة على أن تحلق بهذا الخيال لتتجاوز كل الآفاق. خيال الكلمات عندما يتم تجسيده بالصورة يذهب إلى عالم أبعد كثيرا، عالم أسطوري نصدقه، لأن للسينما سحرا خاصا ينطلق إلى أبعد الحدود.. وهكذا تستطيع أن تقرأ فيلم «بريسي جاكسون والأولمبيون سارق الصاعقة» (Precy Jackson Olympians The lighting Thief).. الفيلم كتب قصته المؤلف «ريك بوردان» وهو الأكثر مبيعا كعمل أدبي، وهذا ما دفع السينما لتقديمها في فيلم سينمائي مثلما سبق أن قدمت السينما أيضا «Harry Potter».. القصة تقدم الأبطال في سن الثانية عشرة، ولكن المخرج «كريس كولومبس» الذي أخرج أيضا الجزءين الأول والثاني من «Harry potter» وجد أن الشريحة العمرية ينبغي أن تصل بالأبطال إلى سن السابعة عشرة، حيث إن هذا يؤدي إلى زيادة الروح الجماهيرية عندما يقبل الشباب على الفيلم، وكانت القصة الأصلية تقدمهم أصغر من ذلك بخمس سنوات. تتناول الأحداث تلك الطفرات الخيالية التي تنشأ عند التزاوج بين الآلهة والبشر، ويدخل إلى عالم آلهة الإغريق، ويحاول الفيلم أن يضع حالة متوسطة بين البشر الذين يحملون في دمائهم جزءا من الآلهة، فهم نتاج علاقات تمت بين هؤلاء الآلهة والبشر، حيث تصبح للآلهة في تلك اللحظات طبيعة بشرية، وبالطبع فإن المولود أيضا تظل بداخله قوى كامنة هو لا يستطيع أن يكتشفها.. كما نرى أيضا قوى أخرى خارقة تجمع بين الإنسان والحصان، أو بين الإنسان والعنزة، حيث يصبح الإنسان في هذه الحالة لديه تكوين مشترك بين الجنسين.. لا شك أن تجارب الاستنساخ التي يجري خلالها اللعب بالجينات تؤدي إلى تخوف ما قد يصبح السبب الرئيسي وراء تطلع الخيال لهذا الاختلاط بين البشر والحيوانات، حتى ولو كانت تلك التجارب بعيدة الآن عن التحقق، إلا أن الخيال دائما يذهب أبعد بكثير من الواقع، أو بتعبير أدق يتصور الواقع القادم.. حيث نرى دائما حصانا طائرا يجمع بين سرعة الحصان على الأرض وقوة النسر في الطيران، هذه الحالة من الجمع بين المتناقضات تبدو في أحيان كثيرة وهي تحمل نوعا من الرغبة الداخلية لدى الناس في الخروج عن الواقع إلى آفاق أرحب بخيال أكثر جنوحا.. ويبقى الحديث عن أنصاف الآلهة مثل بطل الفيلم الذي أدى دوره «لوجان ليبرمان»، ويحرص المخرج على أن يذهب بنا إلى حالة نرى فيها كل هؤلاء الذين هم نتاج مشترك بين الآلهة والبشر أو بين الحيوانات والبشر في الملجأ، والغرض من ذلك هو أن تلعب الصورة دورها ونحن نتابع مدرسة يلتحق فيها أنصاف الآلهة كل منهم لديه قوة خارقة، كل هؤلاء الأقوياء يمارسون تدريبا على تهذيب هذه القوة وأيضا استثمارها في الاتجاه الصحيح.. الفيلم يقدم أطيافا متعددة، ويحاول أن يمزج بين البشر والآلهة في المشاعر، وهكذا نرى «إله البحار» الذي يتزوج من أم بطل الفيلم، حيث نكتشف جانبا إنسانيا له عندما يحب أم بطل الفيلم ويتزوجها، ثم يضطر لمغادرة الأرض ليعود مرة أخرى للسماء، لكنه يضرب مثلا في الإيثار، فهو مضطر لأن يترك الأرض ويعود للسماء تنفيذا لأمر صارم من كبير الآلهة «زيوس»، ونتابع هذا المشهد بين الأب وابنه خاصة عندما نرى اللقاء بين إله البحار وابنه وهو يعتب عليه لماذا لم يسأل عنه وتركه طفلا، حيث إن طبيعته الإلهية لا تسمح له بالمكوث في الأرض أو حتى بالعودة إليها بين الحين والآخر، وهذه الطبيعة نفسه هي التي أدت إلى أن يهجر إله البحار أم «بريسي جاكسون» والعودة مرة أخرى إلى آلهة الأولمب خاضعا لإرادة «زيوس».. الفيلم يقدم أيضا تيمة القوة المطلقة والعلم المطلق، ودائما ما يحرص على أن يظل هناك هامش ما من التشكك في قدرة هذه الشخصيات الأسطورية، فهي ليست قوة مطلقة لكنها مع الجميع بمن فيهم «زيوس» تنطوي على ضعف ما.. مثلا أن بطل الفيلم المتهم بسرقة الصاعقة ليس هو السارق، ونكتشف أن الاتهام باطل، حيث إن هناك بالفعل سارقا للصاعقة يؤدي دور نصف إله شرير، يضعها خلف درع يمنحها للبطل، ونكتشف بالصدفة أنه سارق الصاعقة الحقيقي.. في رحلة الخيال الجامح نراه بقوة أثناء بحثه عن أمه لإنقاذها وإعادتها إلى عالم البشر من خلال رحلة للعالم السفلي أيضا، عندما بدأ في استخدام قوة الرعد والبرق في الدفاع عن نفسه وإنقاذ أمه.. الفيلم يتناول القوة المفرطة، وكيف أنها من الممكن أن تصبح إما نارا أو نورا، فهي تضيء لكنها أيضا قد تحرق وتقتل وتصعق.

ورغم حالة الفيلم الخيالية الأسطورية والجادة بطبيعة الحال، فإنه لم يتوقف عن البحث عن ملامح كوميدية، مثلا صديق البطل العنزة وهو يدافع عنه بتلك العصا، أو وهو ينطلق في لحظات كعنزة ثم عندما ينبت له في نهاية الفيلم قرن صغير يضعه في مكانة أعلى وكأنها ترقية له من مجرد عنزة إلى خروف لها قرون!! كذلك كنا نتساءل طوال أحداث الفيلم لماذا توافق أمه على الزواج من هذا الرجل المقزز الذي ارتبطت به بعد إنجابها «بريسي جاكسون»، الغليظ الذي نراه في بداية الفيلم وهو يعاملها بقسوة أمام ابنها؟!.. وتأتي الإجابة، بسبب أن رائحته المنفرة كانت هي الحماية التي وفرها دون أن يقصد إلى ابنها، لأن الابن مطلوب القبض عليه من خلال الآلهة في الأولمب، ويستطيعون تتبعه من خلال الرائحة، لكن وجود رائحة نفاذة هي رائحة الزوج كانت هي طوق النجاة الذي سمح له بالحياة. حل كوميدي ضاحك لكنه يؤكد على معنى التضحية والإيثار الذي تناوله المخرج.. وعندما يسرقون أمه ويحبسونها في العالم السفلي يتولى هو مسؤولية إنقاذها مضحيا بنفسه ووالده الإله أيضا ضحى بنفسه وابتعد تنفيذا لأمر من «زيوس» حفاظا على حياة ابنه.. إنه فيلم يتناول قيمة التضحية في الصداقة والأمومة والأبوة والحب، ولو كانوا آلهة أو نصف آلهة يعشقون ويحبون ويغضبون وأحيانا ينتقمون. لقد تطور الخيال السينمائي وبات قادرا على أن يتجاوز كل قصص الخيال التي كنا نقرأها ونصنع لها صورا.. باتت السينما ببساطة تحيل هذا الخيال إلى عالم سحري يذهب بنا بعيدا أبعد حتى من خيالنا!!