ومضة ساحرة في دنيا الأبعاد الثلاثة

«أليس في بلاد العجائب»

TT

يطرح فيلم «أليس في بلاد العجائب» للمخرج تيم بيرتون أكثر من سؤال داخل وخارج الفيلم كعمل سينمائي.

الإيرادات التي وصل إليها هذا الفيلم الثلاثي الأبعاد تؤكد على تصدره عرش الأرقام، لتواصل بذلك أفلام الـ3D فرض وجودها على الساحة السينمائية.

عندما افتتح مهرجان «كان» دورته السابقة بفيلم «UP» ثلاثي الأبعاد لأول مرة كان يبدو وكأنه يدشن هذا الاتجاه، مما أدى إلى أن الكثير من دور العرض بدأت في الاستعداد لاستقبال هذا النوع من الأفلام، مع تغيير بالطبع في تقنية العرض لتتواءم مع هذا الوافد الجديد. ونلاحظ مثلا أن عالمنا العربي يتقدم بخطى واضحة في هذا الاتجاه، سواء في دول الخليج أو مصر ولبنان، حيث إن عدد شاشات العرض الصالحة لاستقبال هذه النوعية خلال العام الماضي فقط تضاعف.

ما يطرحه الفيلم أيضا هو تقديم قصة شهيرة بأكثر من زاوية، وكلها تستند إلى فكر الكاتب لويس كارول بزوايا سينمائية متعددة (Alice›s Adventures in Wonderland).

الفتاة «أليس» في هذا العصر المتخم بالوسائل الحديثة تعاني من فقدانها التواصل مع الناس في كل جوانب الحياة لأنها تشكو في ما يبدو من الملل، ولهذا كان لا بد أن تبحث عن ثورة داخلية تخرجها من تلك الحالة لتبتعد من خلالها عن كل ما ألفته. ولهذا تقتحم جحر الأرنب خفيف الظل سريع الحركة رشيق الخطوة لتبدأ حياة أخرى تحت سطح الأرض تعيش من خلالها في أجواء مغايرة لما ألفناه في عالم البشر.

أفلام الأطفال لها قواعد، وهي أنها تدخل في معركة الخيال مع جمهور أغلبه لديه مخزون ضخم جدا من الحكايات مرتبط به، ولهذا تجنح تلك الأفلام في الخيال لتتجاوز خيال الطفل، وهو صراع صعب، ليس كما يعتقد البعض أنه محسوم من البداية، لأن معارك الخيال هي الأصعب دائما.

الاستعانة بنجم مثل جوني ديب يبدو أيضا أحد الأسلحة التي لجأ إليها المخرج تيم بيرتون، وكان سبق وأن تعاون معه أيضا في فيلم ثنائي الأبعاد للأطفال وهو «تشارلي ومصنع الشيكولاته». هذا النجم مثل عدد آخر، أذكر منهم جيم كاري على سبيل المثال، تستطيع أن تتأكد أن بينهم وبين الأطفال جسرا من التواصل. إنها التعبيرات التلقائية وبقايا الطفولة التي لا يزالون يحتفظون ببكارتها، ولهذا يتواصلون في أفلام الأطفال بقدر ما يتواصل معهم الأطفال.

أحداث الفيلم تبدأ بنقطة انطلاق فتاة في مقتبل المراهقة تقدم إليها عريس في مثل عمرها. خلال ذلك نرى تنويعات مختلفة تكشف عن رياء هذا العالم الأرستقراطي، وبخفة ظل نرى العمة العجوز التي فاتها قطار الزواج وهي لا تزال تنتظر العريس، معتقدة أن العشرات يبحثون عنها ويطلبون ودها ويدها.

في نفس اللحظة التي نرى فيها عريس المستقبل جاثيا على ركبتيه أمام «أليس» طالبا منها أن توافق على الخطوبة، ثم نلاحظ حشرة وهي تحط على كتف العريس يطردها، ثم نرى العروس وقد تركت كل ذلك ترفض دبلة العريس وتنطلق في أثر أرنب لتبدأ في رحلتها تحت الأرض بقيادة هذا الأرنب الذكي خفيف الظل.

وننتقل إلى تلك المملكة التي تتنازعها شقيقتان، الطيّبة والشريرة. الملكة الشريرة تؤدي دورها هيلينا بونهام كارتر، أما الملكة الطيبة البيضاء أدت دورها آن هاذاواي.

لتجسيد الشر لجأ المخرج إلى وضع رأس غير طبيعي على جسد هيلينا كارتر في هذا العالم تعيش «أليس» التي أدت دورها ميافا سيكوفسكا تنتقل في عالمين متناقضين، وهكذا نشاهد «أليس» مرة وقد صارت قزمة داخل براد شاي، أو وهي أعلى قبعة جوني ديب، ومرة تتجاوز السقف. نحن نتعاطف مع الملكة البيضاء التي لا تريد القتال مع الشقيقة الحمراء. يعمد المخرج بالطبع أن يقدم لنا الملكة الحمراء وهي تحمل كل بذور الحقد والغيرة الموجهة ضد شقيقتها الرقيقة المسالمة، بل وضد «أليس»، على عكس الملكة البيضاء..

في الرحلة نعيش مع جوني ديب صانع القبعات في لحظات تبدو فيها ميافا سيكوفسكا مجرد دمية في يده يضعها على القبعة السحرية التي يطير بها، وفي لحظة أخرى تتحول القبعة إلى درع واقية. تكبر «أليس» أو يصغر حجمها ونظل في الحالتين نشعر بالإشفاق عليها، فهي عندما يزداد حجمها لا نجدها أمامنا عملاقة تخيف الآخرين، بل تظل بحاجة دائمة إلى إشفاقنا عليها، فنحن لا نكف عن التعاطف معها. تنحاز بالطبع «أليس» إلى الملكة المسالمة البيضاء بينما تنجو من إيذاء الملكة الحمراء. وتتصارع الجيوش بين الفريقين، وينتصر الخير وتعود «أليس» إلى أرض الواقع وكأننا بصدد ومضة مسروقة من الزمن لأنها تعود مرة أخرى إلى حفل العرس وكأنه لم يمرّ كل هذا الزمن.

نضجت «أليس» كثيرا في هذه الرحلة. قبل أن تبدأ كانت تريد أن تكون نفسها، لا يجبرها أحد على اختيار شيء لا تريده، ترفض الزيف والطقوس الشكلية التي تمارسها الطبقة الأرستقراطية التي تنحدر منها. «أليس» تعود ناضجة بعد أن تنقل إلى الجمهور تلك الحالة من السعادة والنضوج أيضا. مزج المخرج تيم بيرتون بين فن الكارتون والعنصر البشري لنرى أمامنا حالة من الهارمونية الإبداعية، كذلك نتعايش مع الحيوانات بتلك الصفات البشرية من تضحية أو انتهازية ومن ضعف وقوة. الخيال يحمل واقعية والواقع دائما ما يتيح الفرصة لكي نغذي الخيال.

رحلة «أليس» تؤكد أن الخطوة التي تحيل الأفلام إلى الأبعاد الثلاثية قادمة بقوة لأنها تستند إلى رغبة تزداد معدلاتها داخل مشاعر الجمهور، وإذا كان «أفاتار» خيالا علميا و«أليس» فيلما للأطفال، فإن هذا لا يعني أن سينما الأبعاد الثلاثة لن تقتحم كل المجالات وليس فقط سينما الخيال العلمي والأطفال، بل إنها ستؤدي إلى رغبة في إعادة مشاهدة عدد من الأفلام القديمة بأبعاد ثلاثية مثلما حدث عندما دخل اللون إلى السينما، تم تلوين عدد من أفلام الأبيض والأسود وأعيد عرضها ملونة، وهكذا سيعاد تقديم عدد من الأفلام القديمة بعد معالجتها علميا لتتحول إلى أبعاد ثلاثية، وهذا هو ما أعلنه جيمس كاميرون مع فيلمه «تايتانيك» الذي عرض قبل 13 عاما ليعيده بأبعاد ثلاثة بعد نحو عامين، لنعيش معها رحلة أخرى مع الأفلام ثلاثية الأبعاد.

[email protected]