الموزعون الموسيقيون يستحدثون لغة جديدة في الألحان

أسماء جديدة أزاحت الرعيل القديم

المايسترو عبدو منذر
TT

اختلفت في الآونة الأخيرة خيارات المطربين اللبنانيين بالنسبة للعاملين في مجال توزيع الموسيقى. فظهرت أسماء جديدة على الساحة الفنية أزاحت الرعيل القديم منهم، وساهمت إلى حد ما في تحويلهم إلى شبه عاطلين عن العمل.

ويعود السبب الرئيسي لتسلق تلك الأسماء سلم الألحان الجديدة وغزوها إلى اعتمادها «تركيبة» موسيقية مغايرة تماما عن التي سبق واعتمدها من سبقهم في هذا المجال، والمعروفة بالـProducing والمقتبسة من زملائهم في أوروبا والولايات الأميركية وإنجلترا. وترتكز هذه الطريقة على تركيب أنواع معينة من الإيقاعات الموسيقية، وتستخدم لذلك آلات عزف تهيمن عليها تقنية الـTechno التي تشبه شخصية شباب اليوم، كما يصفها المايسترو عبدو منذر. وتعتمد على تركيب الجمل الموسيقية أكثر من تأليفها وتغيّب إلى حد ما تلك التي يرتكز عليها علم التوزيع الموسيقي كالـAccord والـFugue والـContre Champs وهي اللغة المعروفة في هذا العلم.

ومن بين الأسماء الجديدة التي برزت مؤخرا في مجال التوزيع الموسيقي: أوسين وعمر صباغ ونقولا شبلي وباسم رزق وداني حلو ووليد المسيح ومارك عبد النور. وقد اختارهم نجوم معروفون أمثال راغب علامة وملحم زين ونوال الزغبي وآلين خلف وميريام فارس ليتماشوا من خلالهم مع التوزيع الموسيقي التكنولوجي.

ويؤكد المايسترو عبدو منذر أن هذه الموجة ورغم حداثتها لاقت تهافتا ملحوظا من قبل المغنين اللبنانيين والعرب معا، لأنها تواكب زمن التكنولوجيا الذي نعيشه من جهة، ولأنها لونت الألحان الشرقية بطعم جديد كان بحاجة إليه من جهة أخرى. وأضاف: «بغض النظر عما إذا كانت هذه الموجة صحية أو العكس، فإنه يجب أن لا ننكر تأثر جيل بأكمله بها مما يشير إلى استمراريتها لسنوات عدة قد تفوق العشرين عاما». ورأى منذر أن هذه الطريقة في التوزيع الموسيقي من شأنها أن تحدث تغييرا في شكل هوية اللحن وليس في الهوية نفسها، والدليل على ذلك نجاحها في نقل أغان تربينا عليها أمثال «أبو الزلف» و«نسم علينا الهوا» إلى المقلب الآخر دون تشويهها أو الإنقاص من قيمتها الفنية.

والمعروف أن التوزيع الموسيقي في الماضي القريب كان يعتمد على تأليف الجملة الموسيقية و«اللازمة» فتدخل اللحن في العمق. أما اليوم فتحولت إلى جمل مركبة توضع على التوالي الواحدة إلى جانب الأخرى ليس أكثر.

ومن الموزعين الموسيقيين الذي برعوا في كتابة الجملة الموسيقية وشكلوا يومها قفزة نوعية في عالم التوزيع الموسيقي ككل، جان ماري رياشي وهادي شرارة وناصر الأسعد، فألفوا ثلاثيا مشهورا، وتركوا بصمة مميزة في الأغنية العربية عامة واللبنانية خاصة، وقطفوا ثمار النجاح مع أسماء لامعة في عالم الغناء أمثال اليسار ووائل كفوري وفضل شاكر وكارول سماحة وهيفاء وهبي ونانسي عجرم.

إلا أن الموزع طوني سابا الذي عرف بإجادته لغة الإيقاع بشكل عام فما زال يحاول الحفاظ على توزيعه الموسيقي الحديث مضيفا إليه موضة «التكنو» الرائجة حاليا.

ومعروف أن أدوات العزف التي تستخدم عادة في التوزيع الموسيقي هي الدف والعود والرق والكمان والغيتار والقانون إضافة إلى التشيللو والناي في بعض الأحيان. وقد غابت في أسلوب التوزيع الموسيقي الجديد فصارت غير واضحة تماما للمستمع في زمن التنفيذ الموسيقي المتبع حاليا.

كما أن الأغاني الطربية القديمة التي أداها عمالقة الغناء أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ. فكانت تعتمد على اللحن نفسه وليس على التوزيع الموسيقي. التغيير بدأ مع الرحابنة الذين استعانوا بموسيقيين وعازفين من الغرب وأحيانا من لبنان أمثال الموسيقي «جاكوجيان» لإحداث انقلاب نوعي برز في أغاني فيروز التي ما زالت تردد حتى اليوم، وإن كانوا أبقوها في إطار اللحن فكانت تنبع منه لتصب فيه.

ويتساءل البعض عن معنى التوزيع الموسيقي تطبيقيا، فيقول جان ماري رياشي: «إنه وبكل بساطة يشبه أدوات التجميل (الماكياج) التي تستعملها المرأة لإبراز مواقع الجمال لديها. وهذه هي مهمة الموزع الموسيقي الذي يحاول جاهدا من خلال دراسته وضع جمالية اللحن على مسمع من الجميع فيضيف إليه ما يساهم في تلوينه وإحيائه».