«الشراكسة» فيلم يروي قصة اندماج ثقافتين من خلال قصة حب

المخرج قندور: استكمال القصة من خلال جزأين يرويان تاريخ الأردن من وجهة نظر شركسية

هند ونارت (سحر بشارة وعزمات يبكوف) في أحد مشاهد الفيلم («الشرق الأوسط»)
TT

يحاول مخرج فيلم «الشراكسة» محيي الدين قندور الذي بدء عرضه في العاصمة الأردنية عمان، أن يوصل رسالة مفادها أن الحوار الهادئ والصداقة والثقة يمكن من خلالها الوصول إلى نقاط تفاهم مشتركة بين الحضارات في ظل صراع الحضارات الحالي وما يتبعه من آلام ومآس بين الشعوب، ويؤكد أنه كان هناك قادة حكماء باستطاعتهم نزع فتيل التوتر وحل أي مشكلات أو عقبات تواجههم في الحياة وهذا ينطبق على حوار الحضارات والأديان بين شعوب العالم.

ويقول المخرج العالمي قندور، وهو من أصل شركسي عمل بالسينما في هوليوود في السبعينات من القرن الماضي، إن هذه التجربة الأولى له في الأردن من خلال هذا الفيلم، و«إذا نجح الفيلم فإنه سيستكمل القصة في جزأين يحمل كل جزء عنوانا مختلفا عن الآخر يروي فيهما قصة قدوم العائلة المالكة الأردنية وتأسيس الإمارة الأردنية، ودور الشراكسة في الدولة الأردنية الحديثة، كما أن الجزء الثالث سيروي دور الأردن في الدفاع عن القدس ومعركة باب الواد في حرب عام 1948».

وأشار إلى أن العملين سيتم حشد الطاقات الفنية والعربية والعالمية لإنتاجهما كي تكون القصة كاملة لتحكي دور الشركس في بناء المجتمع الأردني، وكذلك تسليط الضوء على حقبة من تاريخ الأردن من وجهة نظر شركسية.

وأضاف أن الفيلم أدخل فيه مؤثرات صوتية وتقنيات حديثة من ناحية الإضاءة كما أدخل المخرج فيه رياضة الفروسية وحركات أكروباتية ساعدت المخرج في إدخال الحضور لأجواء الكاوبوي الأميركي، ويبدو أن تأثر المخرج بالمدرسة الإخراجية الأميركية أعطى الحضور مساحة واسعة من المناظر والمطاردات من خلال مسير القطار في الصحراء وتأمين الحماية له من الفرسان في زمن الحكم العثماني.

واستطاع المخرج من خلال البناء الشركسي الذي أقيم على ضفاف سيل الزرقاء في منطقة جرش تقديم حياة القرية الشركسية بكل تفاصيلها ومكوناتها التي بنت من المواد الأولية من الطين والقصل والقصب والأدوات التراثية الأخرى مكانا لزريبة الأغنام والطابون والمطبخ وأدواته وأوانيه النحاسية التي تستخدم لنقل الأشياء والمحاصيل والأعلاف وغيرها.

كما أظهر المخرج في الفيلم تقنية تصميم الملابس سواء البدوية العربية بكل تفاصيلها من العباءة والدشداشة والكوفية بألوانها السوداء غيرها إضافة إلى الملابس الشركسية التراثية من الفستان الشركسي الذي عادة ما يصنع يدويا ويحاك بالإبرة وخيوط الحرير إضافة إلى الطربوش أو ما يسمى باللغة الشركسية القلبق وكذلك هناك التساقو والباقوة وغيرها من الملابس التراثية إضافة إلى القامة، أي السيف الشركسي.

والفيلم يحكي قصة الشركس الذين وصلوا إلى الأردن عام 1887 وساهموا في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلاد وهو أول فيلم يروي قصة حضور واستقرار الشراكسة واندماج ثقافتين غريبتين عن بعضهما بشكل كامل.

الفيلم من إنتاج «شركة قندور للإنتاج السينمائي» وقد رصدت نحو 1.6 مليون دولار ويشارك فيه نجوم من الأردن والقفقاز ولا يندرج الفيلم تحت الأفلام التاريخية حيث إنه يروي قصة حب يتم من خلالها عرض الأحداث التاريخية.

والمعروف أن أوائل الشراكسة وصلوا إلى الأردن قادمين من بلاد القفقاز بعد أن لجأوا إلى الدولة العثمانية هربا من الاضطهاد في روسيا ثم توالت الهجرات بشكل غير منتظم.

ويقول مخرج الفيلم محيي الدين قندور إن القصة التي يجري الكشف عنها هي الشركس ولكن الهدف الجلي لأي وسيط تلفزيوني أو فيلم هو بطبيعة الحال التسلية والمعرفة وهذا جانب حرصت عليه، وتبدأ القصة بأن يقوم القائم مقام الوالي العثماني باستدعاء تيمور، أحد وجهاء الشابسوغ الذين استقروا مسبقا في عمان، ليخبره بأن مجموعة جديدة من المهاجرين الشراكسة قد أرسلت من إسطنبول وأنهم يمكن أن يصلوا في وقت قريب جدا من دمشق بالقطار. المشكلة التي يريد أن يبحثها مع تيمور هي المكان الذي سيسكن فيه هؤلاء القادمون الجدد.

وكان تيمور قد أبرم اتفاقا مع قبيلة بني صخر على ألا يتجاوز رأس العين نفسه وهكذا تم توطين الشابسوغ الأصليين في أمكنة أبعد نزولا في مجرى السيل بعد المدرج الروماني.

ويقترح القائم مقام الوالي بعض الأراضي الأميرية (الميري) إلى الشمال أو في الأودية الواقعة بعد منطقة البلقاء، لكن تيمور يصر على أن المهاجرين سيحتاجون إلى الماء لأنهم سيرغبون في الزراعة وإنتاج غذائهم. إن منطقة الأزرق أو جرش بعيدتان جدا، ولا تخدمان السياسة العثمانية، التي تقضي بتوطينهم قريبا من الخط الحديدي الحجازي، ليعملوا كحماة له، أو يعملوا في تمديد الخط باتجاه الحدود السعودية. البديل الوحيد المتبقي لتيمور هو إقناع أصدقائه الجدد بني صخر بقبول استقرارهم في منطقة رأس العين نفسها.

ويصل المهاجرون بالقطار ويقوم تيمور وبعض من أصدقائه باستقبال المهاجرين الجدد وتتم استضافتهم بين العائلات الشابسوغ المختلفة بينما يقوم هو بإيجاد موقع لاستقرارهم.

أحد القادمين الجدد هو فتى يافع (نارت) يعجب به تيمور ويقرر أن يدربه على شؤون القيادة ويصطحبه معه حينما يذهب لمقابلة شيوخ بني صخر وأثناء وجوده هناك، يشاهد هذا الفتى صبية بدوية جميلة (هند)، ويتطور بين الروحين الفتيتين تجاذب فوري وهو لا يدرك أنها ابنة الشيخ نفسه.

وتتطور التعقيدات الاجتماعية، بعضها مضحك لأن نارت لا يفقه من اللغة العربية أي شيء والتواصل صعب بالإشارة وبعض الكلمات القليلة، ويبدأ المراهقان الشابان في الالتقاء سرا. لكن سرا مثل هذا لا يمكن الحفاظ عليه لوقت طويل، وعندما يكتشف شقيق هند هذه العلاقة، يبدأ في اختلاق المشكلات بين الشراكسة والقبائل المحلية، كذلك فإن عائلة الفتى تعارض العلاقة كلية لأنها تدرك حجم الفروقات الثقافية بين الشعبين، وما يمكن أن يسبب هذا الأمر من مشكلات مع البدو.

تتطور القصة لتكشف عن مقارنات بين الثقافتين وصعوبات الحياة اليومية في كلا المجتمعين. يتم بحث القيم الكونية والتعرف عليها، تجري المشاركة في المصالح والقيم المشتركة حتى يتم التوصل إلى تقارب بين هاتين الثقافتين لتحقيق شراكة سلمية منتجة، تنشأ لتشكل العمود الفقري للمجتمع المستقبلي للأردن الحديث. لقد أحضر المخرج قندور المصورين والفنيين من روسيا وألمانيا وقام على تشييد قريتين من الطين والقصل على ضفاف سيل الزرقاء بالقرب من سد الملك طلال في محافظة جرش واستعان بمؤسسة الخط الحجازي الأردني وتم استئجار قطار بخاري وتصوير مشاهد من الفيلم في إحدى المحطات على الطريق الصحراوي. ويشترك في هذا الفيلم مجموعة من ممثلين شراكسة من القفقاز، ويلعب دور البطولة عزمات يبكوف ومحيي الدين كوماخوف وآخرون، بالإضافة إلى الممثلين الأردنيين محمد العبادي، وسحر بشارة، ومحمد الضمور، وأشرف أباظة، وإبراهيم أبو الخير، ورفعت النجار، وباسلة علي، وجميل براهمة.