وودي ألن يتشابه في مدن مختلفة

كان ابن نيويورك وأصبح ابن لندن

المخرج الأميركي وودي ألن
TT

وودي ألن ليس غريبا عن هذا المهرجان، فقد حضر عدة دورات له قبل وبعد تركه نيويورك واستقراره أولا في باريس ثم في لندن. فيلمه الجديد «ستقابلين شخصا غريبا طويلا داكنا»، الذي عرضه المهرجان خارج المسابقة، كوميديا عاطفية أخرى من أعمال المخرج ومن بين أكثرها مرحا. منواله هنا هو التعاطي مع شخصيات عادية لا داكنة ولا غريبة في ذات المنوال من الأحاسيس والمواقف العاطفية التي سادت معظم أفلامه منذ خمس وعشرين سنة وإلى اليوم: الشخصية الأولى تحب الشخصية الثانية لكن الشخصية الثانية فجأة ما تقع في حب شخصية ثالثة تعيش مع شخصية رابعة واقعة في حب الشخصية الأولى. ليس هذا الترتيب نفسه في فيلم ألن الأخير لكنه قريب منه، وحين سألناه في مهرجان كان عن السر في ذلك قال: «هذا لا يزال أفضل من أن تخلو قصص الحب من هذه التناقضات. لو أن الشخصية (أ) تحب الشخصية (ب)، والشخصية (ب) تحب الشخصية (أ)، لما احتجنا فيلما».

* لكن هل تجد منوالا روتينيا واحدا في هذا الشأن؟

- يرد قائلا، وعلى وجهه ابتسامة خفيفة: «أجد تشابها بالطبع لكن كل فيلم يختلف عن الآخر. للشخصيات التي أقدمها هنا مواقف واتجاهات في الحياة مختلفة عن تلك التي في أفلام أخرى. هناك ثيمة أعمل عليها تؤمّن هذا التشابه، لكن الشخصيات ذاتها دائما ما تأتي بجديد تضيفه. عقلي يعمل على ملاحظة جوانب جديدة لم أتطرق إليها في أفلامي السابقة حتى ولو كانت قائمة على تلك الخطوط العاطفية المتشابكة، بل وبسببها». على الرغم من ذلك ففي هذا الفيلم زاوية جديدة يطل منها المخرج على شخصياته: «صحيح.. تتعامل هذه الشخصيات هنا مع أحلامها وطموحاتها، وأكاد أقول فانتازياتها أكثر مما تتعامل مع واقعها».

* هذا يبدو تناقضا كاملا مع وجهة أعمال مايك لي مثلا.. هل الواقعية شيء تتجنبه دائما في أعمالك؟

- أعتقد أنني لا أكترث لما فيه الكفاية أن أرصد الواقع، هذا ليس موقفا ضده، لكني نشأت كما تعلم كوميديا أميركيا، وآخر ما في جعبة هاتان الصفتان. الواقعية منهج مختلف طبعا عن منهجي، لكن من يقول إن ما أسرده يلتقي أو لا يلتقي مع الحقيقة؟ كل ما أقوم به هو استخدام السرد الروائي لمعالجتها. لكن الفارق أحيانا ليس شاسعا كما يبدو لي.

* لكن في الإطار العام هناك ذات البحث في الشخصيات والحياة العامة للناس. هل توافق؟

- أوافق بتردد. الشخصيات التي تتحدث عنها في الأفلام الأخرى هي من واقع الحياة. شخصياتي هي ليست نموذجية تماما. أحيانا ما يكون بينها الطبيب والممثل والرسام والموسيقار.

* لماذا توقفت عن التمثيل؟

- لا أعتقد أن أيا من أفلامي كمخرج يحتاجني كممثل، لكن حين أجد المادة الصحيحة فسوف أقوم بالتمثيل من جديد.

* كيف يختلف وجودك في لندن عن وجودك في نيويورك؟ وكيف ينعكس هذا الاختلاف في أفلامك؟

- لندن ونيويورك وأكثر من مدينة كبيرة أخرى تلتقي في صفات عامة كثيرة. أقول وفي بالي أن الشوارع والسيارات والمباني قد تختلف في من يصنعها أحيانا، كذلك اللغة أو اللهجات. لكن المدينة بمفهومها العام هي ذاتها. هي - إذا أردت - المضاد لـ«غير المدين» وهذا ما يجعلها بالمواصفات الخاصة بها. أنا ابن المدينة التي كان اسمها نيويورك في سنواتي السابقة والآن ابن لندن. على صعيد الحكايات أحيانا ما يبدو لي أن ما يحدث هنا يحدث هناك والعكس. لكن التفاصيل لا تقل أهمية وهي التي تمنح الفيلم خصائصه. كما أن العنوان يشي بأن مصدره عرافة تتنبأ بمستقبل السائل، فإن الفيلم يحمل ملامح من التنبؤات بخصوص شخصياته. لا أحد منها يأتي بجديد، ولو أن شخصية أنطوني هوبكنز أكبر بقليل من أن تلعب دور من تقاوم رياح السنين بتصرفات في نهاية أمرها طائشة.

* كيف كان العمل مع أنطوني هوبكنز وناعومي ووتس. إنجليزي وأميركية؟

- يقول ضاحكا: «حالما يقف كل ممثل أمام الكاميرا فإن الهويات القومية تختفي. الجميع يتساوون» ثم وبجدية بادية: «أنطوني هوبكنز مثال على الانضباط ومدرسة في الأداء، ولا أقول ذلك توددا، فالفيلم انتهى، وسواء عملنا معا في فيلم لاحق أو لا فإن الحقيقة يجب أن تُعلن. إنه من أفضل المواهب الكبيرة حاليا. ناعومي تفاجئني. سابقا حين شاهدتها في بضعة أفلام أدركت أن لديها الكثير مما يمكن لها أن تعطيه إذا ما وجدت النص المناسب وكانت في بالي وأنا أكتب هذا الفيلم».

* كثيرون ينتقدون أن الشخصيات التي في أفلامك - تتصرف كما تتصرف أنت - ليس لديها ذوات خاصة بها؟

- ماذا أقول: إنه فيلم من إخراج وودي ألن. أليس كذلك؟ ما تقوله صحيح. قرأت ذلك في الماضي، لكنني لم أعد أقرؤه منذ عدة سنوات. ربما أكون تخليت عن هذه العادة أو نفض النقاد أيديهم مني.