العرب غائبون.. لكنهم موجودون في الأفلام

تتناولهم أفلام «كارلوس» و«اشتراكية فيلم» و«طريق أيرلندي» و«لعبة عادلة»

مخرج فيلم «لعبة عادلة» دوغلاس ليام مع النجمتين ناومي واتس (يسار) ووليراز شارهي (رويترز)
TT

ليس صعبا إيجاز ما احتواه يوم أمس من شؤون وشجون خلال اليوم العاشر من الدورة الثالثة والستين من مهرجان كان السينمائي الدولي. لقد ارتفع مستوى النقاش وتعدد بسبب عرض فيلم «طريق أيرلندي» للبريطاني كن لوتش وفيلم «كارلوس» للفرنسي أوليفييه أساياس الذي شهد عرضه خارج المسابقة بإصرار من المدير الفني تييري فريمو. هذا القرار فتح معركة مع الرئيس الأسبق جيل جاكوب الذي لا يزال يعمل في الإدارة العامة للمهرجان على أساس رفض الضغط التجاري الذي مارسته قناة «بلوس» ورفض إدخال فيلم تلفزيوني المنشأ والعرض إلى أعمال مهرجان عُرف طوال حياته بأنه سينمائي صرف يمثل السينمائيين ويتوجه إليهم.

لكن هناك مسائل أخرى يُماط عنها اللثام هنا.

بين فيلمي «طريق أيرلندي» و«كارلوس» علاقة مهمة، كذلك بين هذين الفيلمين والفيلم الأميركي الذي عرض أمس الخميس «لعبة عادلة»، وبين هذه الثلاثة وفيلم جان - لوك غودار «اشتراكية فيلم». هذا الجامع المشترك أن الأفلام الأربعة تتحدث عن موضوعات عربية تفترش الأرض العريضة بين الماضي (كما في «كارلوس» و«اشتراكية فيلم») والحاضر (كما في «طريق أيرلندي» و«لعبة عادلة»).

وعلى الرغم من خلو الساحة في «كان» من أي فيلم عربي، إلا أن هذه الأفلام تحفل بالمسائل التي تخصنا على نحو أو آخر: «طريق أيرلندي» و«لعبة عادلة» يستمدان موضوعهما مما حفلت به الحرب العراقية من طروحات جاهزة، «كارلوس» عن تاريخ علاقة الرأس المدبر لأعتى العمليات الإرهابية في السبعينات بالعالم العربي وشخصياته التي ساعدته حينا وانقلبت عليه فيما بعد، و«اشتراكية فيلم» عن فلسطين وتاريخ القضية البعيد مع وقوف سريع على مواضيع اعتماد أوروبا على النفط العربي وعلاقة مصر بحضارتها القديمة والتساؤل عن الحضارة الحالية.

عبر هذه الأفلام يعكس المخرجون اهتمامهم الكبير بالوضع الراهن في العالم العربي وخارجه، أو بالأحرى خارجه أولا لأن هؤلاء المخرجين يعيشون في الخارج ويرون انعكاسات الوضع وتهديداته. وليس صحيحا أن المهرجان تجنب الأفلام ذات الطروحات السياسية، ولا يستطيع حتى لو أراد لأنه يعلم أنه إذ يريد أيضا عرض أعمال ذات مسائل مختلفة وبعيدة، فإن المسائل الجوهرية التي تتحكم في هذا العالم أكثر من ملحة.

والموضوع العربي ليس الموضوع السياسي الوحيد المطروح، الجانب الاقتصادي من هذا الوضع متوفر في الفيلم الوثائقي الأميركي «شغل من الداخل» لتشارلز فرغسون الذي جلب الممثل مات دامون للتعليق، كما هو موجود في فيلم أولي?ر ستون «وول ستريت: المال لا ينام»، الذي، وكما أسلفنا في رسالة سابقة، يتناول روائيا ما حدث للشارع الاقتصادي الأول في العالم وإلى أي مدى يتدخل الجشع ليعطل مسيرة الحياة الاقتصادية بأسرها.

وشاهدناه أيضا في فيلم أليخاندرو غونزاليس إياريتو «جميل» ولو على جانب بعيد عن لغة الأرقام؛ إذ يدور الفيلم حول المهاجرين اللاجئين للعمل من دون تراخيص وما يتسبب به ذلك من أوضاع إنسانية مؤلمة ومزرية.

في أعقابه، وليل يوم الأربعاء، تم عرض فيلم إيطالي بعنوان «لا نوسترا فيتا» أو «حياتنا» للمخرج الإيطالي الذي يعمل منذ عشرين سنة ولا يزال دون مستوى الاكتشاف، دانيال لوشيتي. الفيلم عاطفي - كوميدي مع جوانب درامية صرفة كما لو أنه أراد تأمين كل خط رجعة ممكنة. يبدأ كنكتة رديئة لكنه يتحسن قليلا مع الوقت. وما يعنينا هنا هو أنه يدور، جانبيا على الأقل، حول وضع المهاجرين العاملين من دون رخص في حقل البناء الآتين من رومانيا (أساسا) وشمال أفريقيا.

على عكس فيلم إياريتو، لا يذرف المخرج الدمع على أوضاع المهاجرين، وربما هذا ليس مطلوبا لو أن الفيلم جيد، أما وأنه من تلك التي يتساءل المرء كيف تسللت إلى المسابقة، فإن المرء لا بد له أن يتساءل عن الغاية من الاكتفاء بالعرض دون التحليل. هذا قبل أن يأتيه حل الفيلم للمسألة كلها: لكي تنجز مشاريعك المعمارية في إيطاليا عليك بأبناء بلدك. وكما يقول الفيلم، هؤلاء العمال ربما كانوا خارج النقابات لكنهم يعملون بجد بل يأتون من عوائل مشتركة ومن بينهم النساء اللواتي سيبقين بجانب أزواجهن ويطبخن للجميع السباغيتي واللازانيا.