طارق الشناوي

TT

تستطيع أن ترى الموهبة وهي تتفجر أمامك في اللقاءات الأولى عندما تعلن عن نفسها مع الطلة الأولى ومن هؤلاء محمد سعد، وأنا أعتبره واحدا من هؤلاء الموهوبين الذين تستطيع أن تلمح بريقه. ومنذ الوهلة الأولى لاحظت ذلك عندما شاهدته في الفوازير قبل 15 عاما، وكان ملفتا بأسلوب كوميدي خفيف في الفوازير التي قدمها هو وصلاح عبد الله ونيللي كريم واسمها فوازير «تياترو»، لم تكن في مستوى لائق فنيا، إلا أنها في حدودها الدنيا أشارت إلى نجم كوميدي قادم. وقبل ذلك قدمه المخرج محمد فاضل في مسلسل «وما زال النيل يجري» وإنعام محمد علي في «الطريق إلى إيلات» وكان رائعا في دوره الثانوي. أتذكر أن بداية علاقته بالسينما بدأت في فيلم لعبت بطولته فيفي عبده اسمه «امرأة وخمسة رجال» إخراج علاء كريم، وكان سعد هو أحد الرجال الخمسة، أدى دور زوج ضعيف الإرادة لعبه بقدر كبير من الإبداع على الرغم من ضآلة عدد مشاهده. إلا أن النقطة الفارقة في مشواره هي تلك التي أدى فيها شخصية «اللمبي» في فيلم «الناظر» 1999.

الفيلم كتبه أحمد عبد الله وأخرجه شريف عرفة ولعب بطولته علاء ولي الدين. كل شيء في هذا الفيلم كان مصنوعا من أجل تدشين علاء ولي الدين بطلا جماهيريا، خاصة أنه قبلها بعام واحد كان قد حقق إيرادات مرتفعة في فيلم «عبود على الحدود» إلا أن «شريف عرفة» وضع بجواره في «الناظر» أكثر من مشروع لنجم كوميدي قادم مثل أحمد حلمي ومحمد سعد.

التقط سعد مفردات شخصية «اللمبي» وعرضها على شريف. ووجد فيها شريف بحسه الفني ملمحا كوميديا جديدا، ولهذا وافق على تلك الإضافات التي صنعها سعد وهكذا نبتت شخصية «اللمبي». إنه الكوميديان الإيجابي الجريء القادر على أن يدخل إلى أي معركة لا يجري بعيدا عنها مثلما تعودنا من نجوم الكوميديا بداية من إسماعيل يس، ولكن «اللمبي» يقتحم، فهو قادر على أن يدخل إليها حتى لو ناله الكثير من الضرب. ولولا أن شريف مخرج يجيد تقديم أفكاره ولا يسمح بأي تدخلات من النجوم ما كان من الممكن أن يحظى محمد سعد بتلك المساحة على الشاشة، خاصة مع تواجد علاء ولي الدين كبطل للفيلم ولكن «عرفة» أطلق أيضا من الصفوف الخلفية «اللمبي» محمد سعد!!.

استمرت مسيرة سعد حيث لعب بطولة مشتركة مع أحمد حلمي في فيلم «55 إسعاف» عام 2001 إخراج مجدي الهواري، ثم انطلق بطلا مطلقا في «اللمبي» عام 2002 مع نفس الكاتب أحمد عبد الله والمخرج وائل إحسان وكان معه في أدوار هامة كل من «عبلة كامل» و«حسن حسني» و«حلا شيحة». حقق «اللمبي» إيرادات وصلت وقتها إلى 5 ملايين دولار وكان رقما غير مسبوق في دنيا الإيرادات. وأطاح بعرش هنيدي الذي كان قد اعتلاه قبلها بخمس سنوات مع فيلمه «إسماعيلية رايح جاي» تحديدا عام 1997.

كان هنيدي هو الملك المتوج الذي غير ملامح الكوميديا بل ومواصفات النجومية في مصر ليتم استبدال جيل كامل وليس مجرد نجم، وهكذا تتابع على الخريطة السينمائية عدد من النجوم الجدد ولم يستطع الصمود من الجيل السابق سوى عادل إمام ليس في المركز الأول الذي تتابع عليه أكثر من نجم جديد لكن عادل ظلت له مكانته في دائرة نجوم الأرقام.

انطلق سعد من نجاح رقمي إلى آخر تستطيع أن ترى أفلامه «اللي بالي بالك»، «عوكل»، «بوحة» وهي ترتفع في معدلات الشباك. ثم وصل مع الجمهور إلى مرحلة التشبع لأنه لم يغادر محطة «اللمبي». الإيرادات منذ 2006 شهدت تراجعا بداية من «كتكوت» واستمرت في الهبوط مع «كركر» 2007 ثم تراجعت أكثر وأكثر مع «بوشكاش» 2008 واضطر للغياب القسري عام 2009 ليعود هذا العام مع «اللمبي 8 جيجا».

لماذا نتحدث عن الأرقام وليس عن المستوى الفني؟! لأننا تحديدا مع محمد سعد لا نقيس موهبته بحالة الفيلم، ولأن كل هذه الأفلام باستثناء «اللي بالي بالك» غاب عنها تماما دور المخرج وروح السينما وظهرت على السطح فقط سطوة النجم. فرض محمد سعد سيطرته تماما على كل مفردات الفيلم إلى درجة أنه كان يؤدي في هذه الأفلام شخصيتين ثم زادها إلى ثلاث ووصل بعد ذلك إلى ست شخصيات ليملأ الشاشة تماما وهو لا يعترف بأن هناك منطقا دراميا ملزما وليس لديه أدنى ثقة بأن من الممكن أن يقف بجواره فنانون آخرون يؤدون أدوارا تساهم أيضا في تحقيق الضحك فهو يعتبر أن محمد سعد هو متعهد الضحك الوحيد في أي عمل فني يلعب بطولته.

عندما غاب سعد عام 2009 يبدو أنه كانت لديه حسبة أخرى وهي أن الاشتياق له لمدة عام سوف يدفع الجمهور للدخول مجددا إلى دار العرض. وقع اختيار سعد على فكرة تقترب من الخيال العلمي (مع افتقارها إلى العلم) تتحدث عن عالم قام بزراعة شريحة داخل إنسان يفقد الذاكرة. هذا الجزء من الفكرة يقترب مع شخصية أخرى قدمها سعد في «اللي بالي بالك» عندما وضع مخ آخر لشخص فقد الحياة فصارت لديه شخصية مغايرة.. الفكرة أيضا تتناول زوجا وزوجة متحابين ولكن من الناحية العلمية لا يستطيعان الإنجاب، وكل منهما لو تزوج من آخر يستطيع الإنجاب.

شاركته في البطولة مي عز الدين التي سبق أن لعبت أمامه بطولة فيلمه «بوحة».. الفكرة السينمائية التي كتبها أيضا محمد سعد إنسانية جدا ولكن المخرج أشرف فايق لم يتعمق في تفاصيلها وأيضا السيناريو الذي كتبه نادر صلاح الدين لم يمنحها ألقا ولم يجهد نفسه كثيرا في خلق مواقف بها أدنى حدود الابتكار.. لعب السيناريو فقط على أي مساحة يتواجد فيها سعد تؤدي إلى الضحك وحيث إن الشريحة داخل ذراع سعد تمنحه قدرة استثنائية على قراءة تفاصيل حياة أي إنسان يقابله، وهكذا يستطيع أن يحصل على البراءة في كل القضايا التي تسند إليه ويتحول من صعلوك إلى ملياردير، بينما العالم الذي وضع له الشريحة يحاول أن يستغله كفأر تجارب ويقدمه للناس، وهو يذكرنا بمسرحية «انتهى الدرس يا غبي» التي كتبها لينين الرملي ولعب بطولتها محمد صبحي قبل نحو 30 عاما.. ولكن سعد في النهاية ينزع الشريحة ويعود صعلوكا مرة أخرى؟!.

في الفيلم توجد مساحة وعلى غير العادة منحها سعد إلى مي عز الدين ولكن افتقدت مي من يوجهها وهكذا رأيناها تؤدي دورها بقدر من الافتعال على اعتبار أن هذا هو الضحك وتلك هي الكوميديا ولم يسفر الأمر عن شيء.. حسن حسني ليس لديه دور (ولكن عدد من المشاهد) لنرى ماكياجا صارخا على وجهه بلا دور ليؤديه وكأنه جاء إلى الفيلم فقط لكي يمنحه بعض بركاته.. لا يستخدم المخرج أي مفردات سينمائية هو فقط يتيح للنجم أن يملي إرادته على الجميع ليعبث في تفاصيل أحداث الفيلم كما يحلو له.

قد تجد في الفيلم بعض ضحكات أفضل حالا مثلا مما شاهدناه من قبل في أفلامه الثلاثة الأخيرة «كتكوت»، «كركر»، «بوشكاش» ولكنها تتضاءل كثيرا عن الأربعة الأولى التي سبقتها «اللمبي»، «اللي بالي بالك»، «عوكل»، «بوحة».. إلا أن الأهم هو أن محمد سعد استسلم تماما لإرادة شخصية «اللمبي» وصار أسيرا قانعا بتلك الشخصية فهو الذي صنع «اللمبي» والغريب أننا نكتشف أنها قيدته تماما وأعاقته عن الحركة وبعد أن صنعها اغتالته فنيا وبددت طاقته فهو لم يدرك أنه قد انتهى عمرها الافتراضي فلم يستطع أن يتجاوزها.

محمد سعد حقيقة يمتلك موهبة الممثل الكوميديان إلا أنه يخشى المغامرة يفضل أن يلعب في المضمون. ولهذا لا يغير من شخصية «اللمبي» وما نراه مجرد تنويعات على نفس التيمة يكررها معتقدا أنه سوف يثير الضحك لدى جمهوره ولا يدري أن الضحك قد صار بمثابة إشفاق على النجم الذي يسقط ويهوي من فيلم إلى آخر.. لا يثق أيضا سعد في أن هناك مخرجا ينبغي أن يسمح له بالتعبير وهكذا يختفي تماما دور المخرج أشرف فايق ولا يتعامل سعد إلا مع عدد محدود من المخرجين الذين يلبون فقط طلباته.. أما السيناريست نادر صلاح الدين فهو لم يفعل شيئا سوى الإذعان للنجم.. لا تصوير ولا مونتاج ولا موسيقى ولا زاوية للرؤية.. على الرغم من أن الفكرة التي التقطها سعد كان من الممكن أن تسمح بإضافة أخرى ولمحة إبداعية لو أن هناك سيناريو وهناك أيضا مخرج.. سعد لا يريد أن يصدق أن الناس منذ أربع سنوات بعد أن تشبعت تماما بشخصية «اللمبي» تريد أن تقول له «يا سعد.. العب غيرها» أو «العب بعيد»!!.

[email protected]