إدخال آلات غربية على عرض للإنشاد الصوفي يثير حفيظة الجماهير والنقاد

العرض احتضنه المسرح الأثري بقرطاج

مشهد من عرض الحضرة 2010 الذي شهده مسرح قرطاج منتصف الشهر الحالي («الشرق الأوسط»)
TT

عرض التونسي الفاضل الجزيري الحضرة سنة 1991 وكانت مليئة بمشاهد الإنشاد التقليدية المعتمدة على الأصوات الجيدة وعلى مجموعة من مكونات العرض التقليدي من بخور وشموع ومن فرق إنشاد دينية متخصصة مما جعل العرض في حينه يعيد التونسيين إلى الأجواء الدينية الصميمة على الرغم من الطابع العصري الذي قدمه الجزيري خلال ذاك العرض..

نفس المخرج أعاد عرض الحضرة 2010 في تصور مختلف ضم 146 من الشبان بين منشدين وموسيقيين وراقصين، والمخرج نفسه أوضح أن الحضرة 2010 تعتمد إخراجا جماليا وتقنيات إلكترونية متطورة لتصوير الإنشاد الصوفي وتعتمد على شبان يشتغلون في مجالات فنية متنوعة تشمل الرقص والمسرح والموسيقى. كما سيتم الاعتماد على إيقاعات إلكترونية وآلات موسيقية مختلفة ترافق الإنشاد والابتهالات. هذه التغييرات الطارئة على عرض الحضرة رفضها الجمهور الحاضر في المسرح الأثري بقرطاج والمقدر بنحو سبعة آلاف متفرج، وطالب مخرج العمل بالرجوع إلى الحضرة التي عرضها سنة 1991. قسم آخر من الجماهير طالب إدارة المهرجان بهتافات عالية بإرجاع ثمن التذاكر التي اقتطعها. هل كان المخرج الفاضل الجزيري على صواب حين أدخل أنماطا موسيقية عديدة من كل حدب وصوب على عمل فني لا يقبل إدخال الآلات الغربية عليه، وإن كانت المسألة ضرورية فبمقدار معين؟ وهل يمكن لموسيقى «الجاز» و«الهيب هوب» و«التانغو» و«الفلامينغو» أن تمتزج بالأناشيد الصوفية وتتعايش معها؟ وهل لأن النقر على البندير وأداء الأغاني الدينية التونسية والعربية المعروفة والاعتماد على الرقصات العفوية بعيدا عن التصاميم الجاهزة، كل هذا له فعل السحر على المنصتين للأغاني الدينية التراثية الخالدة؟ وهل يمكن الاعتماد على آلات موسيقية غربية مثل «الباتريه» و«القيتار باص» و«الساكسفون» و«البيانو» لأداء أغان دينية؟

هذه الأسئلة تكررت مع عرض «الحضرة 2010» للفاضل الجزيري التي جاءت «في حلة جديدة خارجة عن المألوف» وجعلت معظم الذين تابعوا العرض يشعرون بالكثير من الامتعاض كما شنت الصحافة التونسية حملة شعواء على العرض واتهمت صاحبه بالاعتداء على الموروث الثقافي التونسي بدعوى التطوير والتعصير والتهذيب.

الناقد الثقافي عبد السلام السميراني قال «قد يكون العرض سابقا لأوانه وبالتالي الحضرة الافتراضية أو ربما حضرة 2050 لتواكب العصرنة والمتغيرات ليغادر جمهور 2010 وفي نفسه شيء من المرارة. أنه كان يمني النفس بحضرة 2010 التي تحاكي الأصالة والهوية والتشبث بالموروث الثقافي».

وقال الناقد الصحافي محسن الزغلامي: يبدو أن عرض الحضرة في نظر الجمهور كان فاشلا وهجينا وبلا روح ولا معنى إلى درجة أن البعض جعل يصفر وينادي في أكثر من مرة محتجا «الحضرة يا جزيري. الحضرة يا جزيري» وكان لسان حاله يقول: ما هذا العبث وما علاقة هذا الذي نراه ونتفرج عليه ونسمعه بالإنشاد الديني الصوفي الطرقي في جوهره الروحي الأصيل والخام والمقدس؟. الناقد الثقافي حسن بن أحمد علق على العرض قائلا« جاءت النسخة الجديدة مشوهة ومشوشة حيث اختلطت الأمور بالاعتماد على البهرج والرقص والحركات البهلوانية الزائدة واستغلال الفتيات والراقصات استغلالا أفسد الفرجة، فالفاضل الجزيري شوه الحضرة والجمهور انقلب عليه.

وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التي عرفها العرض فإن بعض المتابعين للمشهد الثقافي التونسي اعتبروا عرض الحضرة مقبولا وأن الجزيري عمد إلى إحداث قطيعة فنية وجمالية مع الرؤية القديمة أو السائدة لعرض الحضرة لسنة 1999، ولكن الجزيري أوغل في التجديد فأحضر آلة المزود (آلة نفخية شعبية تكاد تكون نقيضا للإنشاد الديني) إضافة إلى نغمات «الصالحي» الراقصة بل وكذلك بعض الألحان الشرقية. وربما بعرضه ذاك أراد أن يحدث قطيعة مع التصور النمطي في التعامل مع التراث كما عبر عن ذلك أحد النقاد، فمنذ الربع الأول من القرن الماضي تطورت الأغنية الدينية والإنشاد في تونس، لينتقل الحال من الارتجال والتطريب والتخدير إلى التعبير والتأثير.