«ياسمين عبد العزيز» هل تعيد للمرأة نجوميتها المفقودة؟!

«الثلاثة يشتغلونها» يخترق الحائط الصلد

TT

كان يبدو أن شباك التذاكر في حالة خصام حاد مع نجمات السينما من هذا الجيل، إلا أن هناك ولا شك في الصورة محاولات دؤوبة لاختراق هذا الحائط الصلد. استطاعت ياسمين عبد العزيز في الموسم الصيفي أن تقفز كثيرا من الخطوات للجمهور بفيلم «الثلاثة يشتغلونها» بعد أن قدمت في الصيف الماضي «الدادة دودي».

في «الثلاثة يشتغلونها» ستعثر على روح الأفلام الكوميدية، التي تجدها في عدد محدود جدا، وهي تلك التي ترتكن إلى قدر من الانضباط الدرامي، وأيضا الخيال والقدرة على خلق الموقف الضاحك بلا أي افتعال. تبدأ التترات بمشهد رسوم متحركة، تمهد لنا حالة الفيلم، التي يبدو فيها حضور الأطفال يشكل ملمحا مؤثرا، وكأنها تدعونا كمشاهدين للعودة إلى زمن الطفولة. استطاعت «ياسمين» أن تعثر على مفتاح أداء الشخصية بحالة من الآلية، وكأنها أقرب إلى الإنسان المتحرك، ارتبطت ياسمين في كل مراحل أدائها المتباينة طوال أحداث الفيلم بتلك الآلية التي تتوافق مع بناء الشخصية.

نسج يوسف معاطي مشاهد فيلمه برؤية علمية تنتقد أسلوب التدريس في مصر، الذي يجعل الحفظ هو الوسيلة المثلى لتحديد مستوى الطالب، وهكذا شاهدنا ياسمين التي أدت دور الطالبة نجيبة، ماكينة تتحرك على قدمين، وليست إنسانا يحب ويلعب ولديه مرونة وقادر على التغلب على المواقف الصعبة ومواجهة الحياة، ليس فقط كما يريدون لها في البيت والمدرسة، مجرد آلة صماء، لا تعرف سوى حفظ المقرر الدراسي.

تحصل نجيبة على 101 من 100، وهو رقم كثيرا ما تكرر في السنوات الأخيرة في مصر، ويثير ضحك أساتذة التعليم في العالم كله، حيث إن هناك علاقة حسابية بين البسط والمقام، ولا يمكن أن يتفوق البسط على المقام. أي إن الأصل في الدرجة هو الحكم على مستوى التلميذ، فكيف ترتفع الدرجة أكثر من التقييم؟ ولهذا تظل الدرجة النهائية إحدى الحالات الاستثنائية، أما أن يحصل طالب على درجة أعلى من الدرجة النهائية فإننا نصبح بصدد حالة تتجاوز أي منطق. وهكذا جاء المشهد التالي بعد أن حققت هذا الرقم في الثانوية العامة لنراها في حوار تلفزيوني تبدو فيه مجرد كائن بلا روح، فهي لا تشاهد في التلفزيون إلا القناة التعليمية المتخصصة، ولا تحفظ الكتب الدراسية فقط، إنما تحفظ التعليمات أيضا، التي كانت تطبع على أغلفة الكتب، أشبه بالإرشادات المدرسية، واضطرت لحفظها من كتب أبيها القديمة كي تستعين بها وهي تجيب على أسئلة مقدمي البرامج التلفزيونية للتأكيد على أنها لا تعرف شيئا سوى الحفظ.

بناء السيناريو يتحرك وفقا للمتغيرات الثلاثة، التي تؤثر في البطلة وتعبر في الوقت نفسه عن اختيارات ثلاثة. تذهب للجامعة، ووالدها صلاح عبد الله يريدها أن تصبح رئيسة الجامعة. هذا هو الحلم. ولهذا يقدم لنا المخرج علي إدريس مشهدا، نرى في العمق قبة الجامعة، وهو يصدر لابنته حلم أن تتوحد معها، ونجح المخرج في أن يخلق بالصورة لدينا هذا الإحساس، بدلا من أن تتطلع في هذا العمر إلى القمر مثلا، وهي تتأمله، أو تعيش قصة حب، ولو من طرف واحد، كأي مراهقة. بينما الأم التي أدت دورها هالة فاخر لا تريد منها سوى أن تعثر على العريس. أول من تلتقيه هو الطالب دائم الرسوب أمير المصري. ياسمين تعتمد على نفسها ماديا بعد أن يتم الاستغناء عن والدها في المصنع الذي يعمل فيه، ولهذا توافق إدارة المدرسة على تعيينها كمدرسة ابتدائي. ومن خلال هذه العلاقة تصبح الرؤية الدرامية أمام الكاتب، التي يقدمها بأسلوب هندسي، هو أن نرى المشهد الواحد من خلال أربعة أوجه للرؤية. الأولى مع زملائها في الكلية، ثم الرؤية الثانية مع التلاميذ في المدرسة، ثم الثالثة مع أسرتها، التي تتكون من والدها صلاح عبد الله، وأمها هالة فاخر، والرؤية الرابعة في قسم الشرطة، من خلال الضابط الذي أدى دوره محمد لطفي. سلوكها مع الأطفال انعكاس لحالتها الاجتماعية والنفسية والعاطفية أيضا. في البداية نراها في الفصل أثناء التدريس وهي تمسك بالخرزانة، ترهب بها التلاميذ وتجبرهم على حفظ المنهج كاملا، وتجبرهم على ألا يمارسوا شيئا سوى الحفظ فقط، فهم ينبغي أن يصبحوا صدى لها. عندما تقع في الحب، وتجد أمامها أن الطريق الوحيد لكي تكسب قلب حبيبها أن تصبح أكثر عصرية، فتغير من ملابسها وأسلوبها وتتحول إلى شابة - روشة بلغة هذا الزمان - وتحيل التلاميذ في الفصل إلى نفس الإيقاع، وهكذا تتبدل ملابسهم وكلماتهم وأسلوبهم في الحصة. وتكتشف الخديعة، عندما يستولي الطالب الذي تتعلق به عاطفيا «أمير المصري» على ورقة إجابتها وينسبها لنفسه، فترسب هي وينجح هو. ولا ينسى الكاتب أيضا في إطار هذه العلاقة الهندسية أن يقدم لنا ضابط الشرطة محمد لطفي، الذي عليه أن يكتب محضر اتهامها الأول بالتعدي على أفراد الشلة. ونرى الضابط في البداية متشددا، وبعد أن يتلقى مكالمة من شخصية مؤثرة يفرج عنهم، بينما كانت ياسمين قد دخلت إلى حجرة الحجز، لتتعرف على بعض «الساقطات». ويبدو الفيلم في جزأيه التاليين يتحرك طبقا لهذا القانون الهندسي الصارم.

القسم الثاني من السيناريو يجري في نفس الاتجاهات، ويفضح فيه من يتاجرون بالسياسة، لكن الفيلم من دون داع يوجه انتقادا لاذعا لشباب 6 أبريل ويطلق عليهم شباب 6 فبراير، وهم الذين قاموا بوقفة احتجاجية قبل عامين أدت إلى اعتقال عدد منهم، ويسمي الجماعة الرافضة باسم «خنقتونا». البطل هذه المرة هو نضال الشافعي، الشاعر الذي يتاجر بشعارات الوطنية بحجة الحرص على حقوق الأمة، وهو مجرد بوق يردد كلمات جوفاء ويكتب شعرا بلا معنى، أي مجرد همهمات، تربط بين فلسطين والبطاطين، أي قافية والسلام.

وكم تمنيت ألا يقدم الكاتب تلك التنويعة الدرامية، لأن ظاهرة النضوج السياسي لدى الشباب في وجهها الحقيقي تعبر عن وعي وتغير في المسار الفكري، لم يكن هذا يحدث في الماضي، صاروا الآن يتفاعلون أكثر مع الحياة بعيدا عن فكرة التنميط السياسي، وشباب 6 أبريل الذين سخر منهم «معاطي» لديهم حقيقة هذا النضوج السياسي، أيضا لم ينس السيناريو أن يقدم رد الفعل، سواء في قسم الشرطة أو مع التلاميذ في المدرسة، الذين صاروا يضعون على أعناقهم الكوفية الفلسطينية، ويتهمون آباءهم بالفاشية.

المقطع الثالث والأخير يتمثل في الاتجاه الديني المتزمت، وهو يأتي كرد فعل للإحباط، وهكذا نرى «ياسمين»، وهي تلتقي مع الداعية، الذي أدى دوره «شادي خلف»، يوضح من خلال السيناريو تحول الدعاة إلى حقل «البيزنس»، وهم يتاجرون لتحقيق مزيد من الأموال.

المراحل الثلاث التي مرت بها «ياسمين» هي بالتأكيد مرفوضة بسبب جنوحها وتطرفها، تخرج منها وهي حريصة على ألا تفقد نفسها، فتضع كل طاقتها من أجل التلاميذ، الذين يحصلون على المركز الأول، بينما هي تصبح بالضرورة المعلمة المثالية، وتعود إلى الجامعة بعد أن يسقط الوزير قرار فصلها. ولا ينسى الفيلم أن يقدم لها مفاجأة في المشاهد الأخيرة، وهي هذا المعيد الوسيم، الذي أدى دوره كضيف شرف الفيلم أحمد عز، وكأنه مكافأة للبطلة، ويطمئن أيضا الجمهور عليها، قبل أن يغادر صالة السينما بقوله إنها سوف تتزوج من فتى أحلامها.

الفيلم تألق فيه بوضوح المخرج علي إدريس، الذي شاهدنا له قبل 9 سنوات فيلمه الأول «أصحاب ولا بيزنس» وقدم مع عادل إمام ثلاثة أفلام، أهمها «عريس من جهة أمنية». هذه المرة كان المخرج أكثر تحررا، فلا يوجد نجم يحدد الرؤية أو يقيدها، لأنه من الواضح أن ياسمين التزمت أفكار المخرج، حتى في اختيارها مفتاح الأداء. أجاد المخرج قيادة الأطفال في الفيلم، فقدموا مشاهد رائعة، وقطعا لو لم تكن لدى المخرج تلك القدرة على قيادة ممثليه لما كان من الممكن أن نرى كل هذا، بعيدا عن هيمنة المخرج الذي يضع الأطفال في حالة من الأداء التلقائي، وليس اصطناع الأداء، وهو خيط رفيع جدا، كذلك فإن المخرج لديه قدرة على خلق الجو العام، والاحتفاظ بتدفق الإيقاع. من الأدوار الجيدة أيضا في هذا الفيلم رجاء الجداوي الناظرة، ولطفي لبيب وكيل الوزارة.

النجوم الجدد الثلاثة الذين تبادلوا مقاطع الفيلم أجادوا في أدوارهم. ياسمين عبد العزيز طاقة متفجرة، تبدو كأنها قابلة للاشتعال الفني إذا وجدت الدور الملائم، هذا الفيلم خطوة أبعد لها على طريق البطولة النسائية بعد فيلمها الأول «الدادة دودي». ومن العناصر المميزة في الفيلم موسيقى «تامر كروان»، التي كانت تتوافق في خفة ظلها مع روح الفيلم، ومونتاج ماجد مجدي، وتصوير أحمد عبد العزيز. إنه فيلم يبعث على الاطمئنان، ويؤكد أن الكوميديا بينها وبين التهريج مسافة شاسعة، ويؤكد أن المرأة قادرة على أن تتصدر البطولة لو وجدت النص والمخرج. فقدم يوسف معاطي أفضل سيناريو له في السنوات الأخيرة، فهو أكثر الكتاب الذين تصدروا مشهد الكوميديا في السينما المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة، هذه المرة كان في حالة ألق، علي إدريس امتلك حريته فقدم أفضل رؤية كوميدية، شاهدتها له بين كل أفلامه التسعة السابقة.

[email protected]