هل تحيل النساء الهزيمة انتصارا؟!

النجمات قادمات

TT

هل تعود المرأة إلى الصدارة السينمائية على الأفيشات والتترات، بعد أن ظلت تتوارى طوال أكثر من 25 عاما خلف البطل الرجل؟

في أفلام الصيف التي عرضت خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، شاهدنا المرأة بطلة في فيلمين: «بنتين من مصر»، إخراج محمد أمين، وبطولة زينة وصبا مبارك.. وفيلم «الثلاثة يشتغلونها»، إخراج علي إدريس، وبطولة ياسمين عبد العزيز.

الأرقام، بالطبع، التي حققها الفيلمان لا تعني على الإطلاق أن هناك ثورة قادمة، فلم ترصد إيرادات الشباك حركة غير عادية في الإقبال الجماهيري على الفيلمين، وفي الوقت نفسه لم تحدث مقاطعة من الجمهور، ولكني وجدت حالة من القبول بين الجمهور وبطلات الفيلمين، ولهذا من الممكن أن نطلق عليها إرهاصات تغيير أو شروع في ثورة.

لماذا نذكر الأرقام ونحن بصدد أفلام سينمائية؟ الإجابة.. أننا نتحدث عن حركة سينمائية لا يحركها سوى مؤشر واحد هو الأرقام. عندما عرض قبل 13 عاما فيلم «إسماعيلية رايح جاي»، إخراج «كريم ضياء الدين»، وبطولة «محمد فؤاد» و«محمد هنيدي» اتجهت، على الفور، شركات الإنتاج إلى «محمد هنيدي» وإلى كل جيله من شباب الكوميديا أو المضحكين الجدد، كما دأبنا على أن نطلق عليهم وقتها. ورغم أن اسم «هنيدي» على التترات جاء تاليا لكل من «محمد فؤاد» و«خالد النبوي» فإن شركات الإنتاج اعتبرت أن القوة الرقمية الضاربة هو «هنيدي»، وذلك لأن إيرادات هذا الفيلم ارتفعت بنسبة مضاعفة، بالقياس لأعلى إيرادات في السوق وقتها، حيث كان «عادل إمام» يحقق مليونا وربع المليون دولار، بينما الإيرادات وصلت في هذا الفيلم إلى قرابة 3 ملايين دولار. ولهذا أعلنت ثورة المضحكين الجدد ودشنت أسماء نجوم الكوميديا، أمثال أحمد آدم، والراحل علاء ولي الدين، وأشرف عبد الباقي، وهاني رمزي، ومحمد سعد، وأحمد حلمي، حتى وصلنا إلى أحمد مكي. كل هؤلاء من الممكن أن نعتبرهم توابع الزلزال الرقمي الذي أحدثه فيلم «إسماعيلية رايح جاي».

لسنا هنا بصدد تحليل هذه الظاهرة، ما لها وما عليها، هذه بالتأكيد قصة أخرى تستحق مقالا آخر، ولكن صاحب هذا التغيير صعود أيضا للنجوم «الجانات» أمثال أحمد السقا، وكريم عبد العزيز، هاني سلامة، مصطفى شعبان، أحمد عز، خالد صالح، خالد الصاوي، آسر ياسين، عمرو سعد.

وفي المقابل أين المرأة؟ أفيشات المرأة عادت على استحياء في هذا الصيف، وسوف تستمر أيضا، ومع استمرار عروض الأفلام المصرية في العيد، سوف تنضم للمسيرة منى زكي بفيلمها «أسوار القمر»، إخراج «طارق العريان» وهي البطلة المحورية.

يجب أن نلاحظ أن الأفلام التي أسندت للمرأة، وكانت هي قوة الجذب الرئيسية لم تحقق للنساء النصر المبين الذي ترقبناه جميعا، بل وتمنيناه أيضا، إلا أن كل ذلك مرتبط، خاصة في السنوات الأخيرة بأن سطوة النجم الرجل على مقدرات الفيلم أدت إلى أن المرأة باتت ترتضي بأن تصبح مثل الوردة في عروة الجاكتة، بالنسبة للنجم بطل الفيلم، ومن الممكن بالطبع أن تتخلص من الوردة، وتترك العروة بلا وردة ولا تتأثر البدلة. أتذكر أنني كتبت هذا الرأي قبل نحو 10 سنوات، عندما كنا نراهن وقتها على أن حنان ترك ومنى زكي سوف تعتليان عرش السينما النسائية، ثم بدأتا تقبلان أدوارا صغيرة هامشية، ولم يعد أحد يكتب لهما أدوارا مهمة. وعلى الجانب الآخر لم تقل أي منهما لا، لكل ما يعرض عليها، بعدها حنان ترك تبنت هذا الرأي وقررت ألا تمثل إلا أدوارا محورية، ولكنها سريعا ما تحجبت وانقطعت علاقتها بالسينما، ولم نعد نراها إلا فقط بطلة لأحد مسلسلات شهر رمضان. يجب أن نعترف أن نجمات السينما الحاليات، أمثال منى زكي، هند صبري، ياسمين عبد العزيز، منة شلبي، مي عز الدين، داليا البحيري، نور، بسمة، زينة، وغيرهن استلمن الراية من الجيل السابق منكسة لأن جيل يسرا وليلى وإلهام، لم يتحقق كنجمات شباك، وأغلب الأفلام لعب بطولتها النجوم أمثال عادل ونور وزكي ومحمود، وكانت النساء دائما أقرب إلى سنيدة، على عكس جيل فاتن حمامة، ماجدة، هند، شادية، سميرة، سعاد، نادية. فكانت الشاشة تعرف في تلك السنوات، التي أطلقوا عليها العصر الذهبي، نوعا من التوازن بين المرأة والرجل، والقسمة عادلة بينهن وبين جيل رشدي أباظة وكمال الشناوي وفريد شوقي وشكري سرحان وأحمد مظهر، الأكثر من ذلك أن أسماء أغلب النجمات كانت تسبق أسماء الرجال على الأفيشات، حتى النجمات اللائي لم يحققن نجاحا لافتا في الشباك، أمثال ليلى فوزي وزهرة العلا، فلقد كانت القاعدة هي أن المرأة يأتي اسمها سابقا على الرجل، فيما عدا المطربين فقط أمثال فريد وفوزي وعبد الحليم، فقد سبقوا النجمات، وهذا هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

ثم تغير وجه الشاشة منذ الثمانينات ولم يصمد سوى اسمي نادية الجندي ونبيلة عبيد، وكانت فقط تصنع لهما الأفلام، مثل النجوم الرجال، وفي كل أفلامهما سبقتا الرجال على الأفيش، وكانت الأفلام تكتب من أجلهما، وهما تختاران الأبطال المشاركين. إلا أنه مع النصف الثاني من التسعينات، وتحديدا قبل نحو 13 سنة، تضاءل وجودهما سينمائيا. حاولت نبيلة أن تجد مجالا للوجود بين الحين والآخر، ولكن بلا حضور في شباك التذاكر، بينما نادية الجندي منذ آخر أفلامها «الرغبة» في 2002 وهي خارج الخريطة السينمائية. حاولت منى زكي في أكثر من فيلم لعبت بطولته مثل «من نظرة عين» أن تؤكد حق المرأة في البطولة، وكانت تحرص عندما تلعب بطولة مشتركة مع نجم على ألا يتصدر هو بمفرده الأفيش، فهي لها أيضا مساحتها على الأفيش، وداخل دراما الفيلم، سواء كان معها أحمد السقا أو كريم عبد العزيز، مثل فيلم «تيمور وشفيقة» الأقرب إلى البطولة المشتركة، مع ملاحظة أن اسمي منى والسقا اقتسما الأفيشات والتترات. وتكرر الأمر مثلا في فيلم «أولاد العم» وكانت البطولة ثلاثية، كريم عبد العزيز، منى زكي، شريف منير، ثم عرض لها العام الماضي «احكي يا شهرزاد» ليسري نصر الله، من بطولتها، واسمها كان يتصدر الفيلم، وفي عيد الفطر سيعرض «أسوار القمر» وهي البطلة المحورية مع عمرو سعد وآسر ياسين. أيضا فإن يسري نصر الله يعد فيلما اسمه «مركز التجارة العالمي» من بطولة منة شلبي.

المحاولات لم تتوقف لكن النتائج لم تتحقق جماهيريا، فلم يستطيع شباك التذاكر أن يسفر عن قفزة حقيقية لأي نجمة، ولكن لا ننكر محاولات منى زكي، هند صبري، زينة، صبا مبارك، ياسمين عبد العزيز.

لو تأملنا على عجالة الأفلام في السنوات العشر الأخيرة لصناعة بطلة سينمائية لها شباك تذاكر، سنجد أن عبلة كامل كانت المشروع الأول لشركات الإنتاج، كبطلة يقطع الجمهور من أجلها تذكرة الدخول لدور العرض. شاهدناها في أفلام مثل «كلم ماما» عام 2003 واستمرت المحاولات مع أفلام مثل «خالتي فرنسا» 2004 وشاركتها البطولة منى زكي، ثم «عودة الندلة»، وبعد ذلك «بلطية العايمة» في 2008. الإيرادات لم تكن على قدر التوقعات، ولكنها من المؤكد لم تكن تؤدي لتحقيق خسارة، إلا أن الإيرادات أيضا لم يكن لها القوة التي تؤدي لاستمرار الرهان على عبلة كامل، ولهذا اختفت من على خريطة البطولة، وصار الرهان عليها خلال آخر عامين في أدوار أقل حجما.

مي عز الدين حققت في فيلم «أيظن» الذي عرض قبل ثلاث سنوات إيرادات مرتفعة وشعروا بأنها من الممكن أن تنجح في تحقيق إيرادات، وجاء فيلمها التالي «شيكامارا» بفشل ذريع في الشباك، ولهذا عادت مرة أخرى للمربع رقم واحد تكتفي بمشاركة تامر حسني، العام الماضي اشتركت في «عمر وسلمى 2» وهذا العام مع محمد سعد في «اللمبي 8 غيغا»، وأتصور أن الرهان عليها كبطلة صار الآن محفوفا بالمخاطر.

هند صبري صاحبة موهبة حقيقية، جاءت للقاهرة من تونس بطلة، وذلك عام 2002، عندما لعبت بطولة فيلم «مذكرات مراهقة»، إخراج «إيناس الدغيدي»، ثم «مواطن ومخبر وحرامي»، إخراج داود عبد السيد، ولعبت مثلا عام 2008 بطولة فيلم «جنينة الأسماك»، إخراج يسري نصر الله، وهي ورقة رابحة فنيا إلا أن نجومية شباك التذاكر لم تتحقق حتى الآن، وكان لها أكثر من بطولة نسائية مشتركة في «أحلى الأوقات» مع منة شلبي وحنان ترك.. «بنات وسط البلد» مع منة شلبي.

ولكن يظل أن نجوم الشباك من هذا الجيل لا يرحبون عادة بالوقوف في دور أقل حجما أو متساو مع النجمات، ولهذا مثلا اعتذر أكثر من نجم عن مشاركة منى زكي فيلمها «أسوار القمر» وكان آخر المعتذرين هو شريف منير، الذي كان لديه أكثر من تحفظ على المساحة، وعلى أسلوب كتابة اسمه، بينما قبل النجمان الجديدان آسر ياسين وعمرو سعد، مشاركة منى لأنهما لا يزالان في بداية طريق النجومية. أيضا ياسمين عبد العزيز شهدت عشرات من الاعتذارات في فيلمها «الدادة دودي» واضطرت في النهاية لأن تقبل أن يشاركها عدد من الوجوه الجديدة، مثل نضال الشافعي، وأمير المصري، وشادي خلف، وسامح حسين.

المعركة التي تخوضها النساء الآن أراها بالفعل شرسة.. لا تعرف سوى نتيجة واحدة، نكون أو لا نكون، وذلك على طريقة وليم شكسبير في «هاملت».. وليس مطلوبا من النجمات أن تنتظر موقفا مؤيدا من نجوم جيلهن الذين ساندوهن في البداية ووافقوا على الوقوف أمامهن في أدوار صغيرة لن يوافق النجوم أبدا على ذلك فلا أحد يعتبرها رد جميل، هن وافقن في الماضي على تقديم أدوار صغيرة بجوار النجوم، لأن هذا كان وقتها المتاح أمامهن. الآن على النجمات أن يثبتن للنجوم من خلال شباك التذاكر أنهم سوف يخسرون الكثير لو لم يقفوا بجانبهن، حتى لو اضطروا لقبول أدوار ليست بطولة.

إن المعادلة السينمائية تبحث أولا عن النجم أو النجمة الذي يملك مظلة جماهيرية. وعلى النجمات إثبات أنهن يمتلكن هذه المظلة.

[email protected]