الفيلم الفرنسي «الإيطالي» يتناول العنصرية ومشكلة الاندماج

TT

يقول كاد ميراد بطل فيلم «الإيطالي» الذي عرض مؤخرا في الصالات الفرنسية، إنه حين بدأ العمل التلفزيوني لأول مرة في عام 1990 في فرنسا لم يكن يفكر لحظة في تغيير اسمه الأصلي من قدور مراد إلى كاد ميراد. الفتى المسلم ذو الجذور الجزائرية، وأثناء وجوده في القناة الأولى الفرنسية، في بدايات عمله السينمائي سمع بعض التأفف من عدد من العاملين والمخرجين في القناة حول اسمه وأصوله، رغم أنه ولد في فرنسا ووالدته تعيش فيها منذ عام 1950، أي منذ ما قبل استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962 مثل الكثير من الجزائريين.

وقتها قرر قدور أن يغير اسمه أو على الأقل يحرف في اسمه لكي لا يبقى دائما يلعب أدوار الفتى العربي في الأفلام التي يدخل فيها. كان يكره ذلك ولا يزال. هذا الفيلم الذي لعبه مؤخرا استثناء، ربما لأنه قرر أخيرا إبراز بعض من معاناته الشخصية مع العنصرية.

يروي الفيلم قصة شاب عربي يعمل في معرض للسيارات الإيطالية في مدينة نيس الجنوبية. الفتى الذي يعيش وحيدا في نيس يخفي اسمه وأصوله العربية ويدعي أن أصوله إيطالية واسمه دينو، ولكي تكتمل حبكته فإنه يلبس الصليب في رقبته ويتحدث الفرنسية بلكنة إيطالية، كما أنه يتحدث بضع كلمات إيطالية لكي يبعد أي شك يحوم حوله. وفي إجازته الأسبوعية يزور أهله بالقرب من مدينة مرسيليا التي تعج بمواطنين من أصول مغاربية وجزائرية تحديدا. لكن مفارقة تحدث في القصة.

يمرض والد دينو قبل أن يهل شهر رمضان بأيام. يدخل المستشفى ويطلب من ابنه الكبير مراد أن يصوم عنه شهر رمضان لأنه غير قادر على صيام الشهر ولا يمكنه أن لا يصوم لأن هذا فرض واجب فرضه الإسلام على كل المسلمين، ولذلك فهو يطلب منه أن يصوم عنه الشهر.

دينو لا يعرف شيئا عن رمضان، لم يصُمه في حياته، لا يعرف عن الإسلام شيئا أيضا كغيره من أبناء المهاجرين في فرنسا. وتبدأ المفارقات في عمله وحياته ومع صديقته الفرنسية التي لم يحلُ لها دعوته إلى منزل أهلها ليتعرفوا عليه إلا في رمضان. المحصلة أنه ينكشف وتنكشف قصته وإخفاؤه لأصوله، يترك العمل وتتركه صديقته، يخسر كل شيء ولا يبقى معه شيء. يذهب إلى بيت العائلة لكنه لا يدخله، بل يذهب إلى مقهى، وبعد ذلك يجد نفسه في مقر للبوليس الفرنسي. الشرطة تعتقد أنه جاء من الجزائر حديثا كغيره من الذين يأتون خلسة. يعيدونه إلى الجزائر، وهناك أيضا يتعرض للسجن ولا يعرف أحد هويته إلا حين يحضر والده لأخذه لتتغير حياته بعدها. كل هذا السيناريو يحصل في قالب درامي جميل وخفيف، يظهر من ضمن ما يظهر معاناة المهاجرين مع أسمائهم في فرنسا، ليس بسبب الإرهاب وليس بسبب مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، بل بسبب العنصرية المتغلغلة داخل المجتمع الفرنسي.

قد تكون هذه القصة عادية في بلد آخر، شخص مدّعٍ ينتحل شخصية أخرى غير شخصيته الحقيقية للهرب من مرار العنصرية القميئة والنظرة الدونية. لكن في فرنسا، هي قصة الكثير من الناس، الذين بسبب ما يواجهونه في حياتهم اليومية يغيرون أصولهم وأسماءهم من أجل تحقيق الذوبان الكامل في المجتمع الذي لا ينظر إليهم سوى على أنهم غرباء. والفيلم الذي يأخذ من قصة كاد ميراد الشخصية بعض الأحداث، ويكاد يكون فيلما شخصيا، هو فيلم عن هذه المعاناة التي يصل عدد أبطالها إلى عدة ملايين، وهم عدد المسلمين من أصول مغاربية في فرنسا.