السينما والحرب الأفغانية

من الفيلم المرتقب «قتل جوهري»
TT

بوجود فيلم يرزي سكوليموفسكي الجديد «قتل جوهري»، ممثلا بولندا والمجر والنرويج وآيرلندا في عمل مشترك واحد، تبرز القضية الأفغانية إلى العلن الرسمي في هذا المهرجان الذي لا يقل «جوهرية» عن عنوان فيلم سكوليموفسكي الجديد. فهو يتحدث عن أحد مجاهدي طالبان بعد أن ألقي القبض عليه وتم إحضاره إلى بلد أوروبي غير محدد للتحقيق معه. لكنه يستغل حادثة طريق ليهرب إلى أرض لا يعرفها وفي أعقابه المطاردون الساعون إلى أحد حلين: إعادة إلقاء القبض عليه أو قتله.

لكن على الرغم من أن الفيلم يطرح وضعا يذكر بوضع أكبر، وموضوعا يعبر عن قضية، فإنه واحد من الأفلام الجادة القليلة التي خرجت عن الموضوع الأفغاني، على صعيد السينما الروائية، منذ خروج القوات الروسية ودخول تلك الأميركية، كل لغاية مختلفة في المبررات على الأقل.

لإيضاح هذه النقطة، أنجزت السينما نحو 185 عملا سينمائيا وتلفزيونيا، يرد فيها ذكر الحرب الدائرة هناك منذ عام 2001، من بينها 73 فيلما وثائقيا. أما على الصعيد الدرامي فإن أقل من ربع هذا الرقم من الأفلام يتعامل فعليا مع الموضوع الأفغاني أو يجعله خطا مهما على نحو ثانوي أو رئيسي في الحبكة المقدمة.

المخرج البريطاني مايكل وينتربوتوم طرح الموضوع الأفغاني في ثلاثة أفلام «في هذا العالم» (2002)، بعده تناول الموضوع ذاته في فيلمه التسجيلي «الطريق إلى غوانتانامو» والثالث «قلب كبير» المأخوذ (أيضا) عن قصة واقعية عالجها المخرج روائيا.

ضمن أعمال العامين الأخيرين على سبيل المثال تطرق «إخوة» لجيم شريدان إلى تلك الحرب عبر مشاهد لمجند أميركي ينجو بنفسه من الاعتقال الأفغاني. الفيلم ذاته مأخوذ عن فيلم دنماركي عمره الآن أربع سنوات أخرجته سوزان باير. لكن في حين أن فيلمها أكثر حدة (وأقل جودة أسلوبية) فإن العكس صحيح بالنسبة لفيلم جيم شريدان الذي لم يرد تسجيل موقف حاد واكتفى بالمعالجة العاطفية.

ثم هناك «أسود كحملان» لروبرت رد فورد (2007) وهذا كان أكثر جدية من أي فيلم هوليوودي آخر تطرق إلى الموضوع ولم ينل نجاحا، كما نتابع المجريات.

بالنسبة للوثائقي فإن فيلم مايكل مور «فهرنهايت 9/11» يقفز إلى المقدمة، لكن الواقع أن السينما الوثائقية حملت الموضوع الأفغاني لمسافات أبعد بكثير مما فعلت الروائية. أحد هذه الأفلام (وآخر فيلم شاهدته قبل توجهي إلى فينيسيا) هو لمخرجه تيم هترينغتون الذي أمضى أكثر من عام يصاحب القوات الأميركية في واحد من أخطر المواقع في أفغانستان. المخرج، كونه يتعامل مع إنتاج وفرته مؤسسة «ناشيونال جيوغرافيك» فإنه يهتم بنقل البيئة القاسية التي يتعامل معها المقاتلون دامجا بينها وبين السياسة الخارجية التي أودت بهؤلاء الجنود إلى تلك الحرب.

على عكسه يأتي «المعسكر فيكتوري.. أفغانستان» لمخرجته كارول دزينجر التي تؤم جوانب مختلفة من بينها التعايش بين الأميركيين والأفغانيين في المعسكر المذكور وانفصال كل فريق عن الآخر في الوقت ذاته. لكن من أفضل ما هو متاح على أسطوانات حاليا هو فيلم روبرت غرينوولد «أفغانستان.. إعادة تفكير» (2009). غرينوولد أحد أكثر مخرجي الأفلام الوثائقية تركيزا على ما يدور حول العالم من منظور أميركي، وهو دائم الانتقاد سواء أكان موضوعه الحرب في العراق كما فعل في فيلمه التسجيلي الذي فنّد، قبل سواه، سنة 2004 الخلفيات التي أدت إلى قيام الولايات المتحدة باحتلال العراق (Uncovered: The War on Iraq)، والمبررات التي سيقت لذلك، والتي، حسب الفيلم على الأقل، لم تكن سوى أكاذيب أعدت ورتبت سلفا للتخلص من نظام حكم وإحلال سواه.

فيلمه الجديد يتعامل ومواضيع كثيرة. أهم جوانبه هو البحث المستفيض الذي قام به المخرج وفريق عمله لجمع الحقائق حول القوة التي يواجهها الجيش الأميركي في أفغانستان وحول الطبيعة الفعلية لتلك الحرب، ولماذا من الصعب إحراز نصر فعلي على حركة تعيش ضمن بيئاتها وقوانينها وتعتمد على فهم مختلف لماهية الحرب ولماذا تقوم به.