«البجعة السوداء».. فيلم داكن عن النفس البشرية يفتتح المسابقة

فيلم

TT

خطورة أن يعمد المخرج إلى فيلم لا يؤسس شخصياته خلال تقديمها، ولا يمنحها أي وجود قبل بدء الفيلم، تتجلى في العمل الجديد للمخرج الأميركي دارن أرونوفسكي «البجعة السوداء» الذي افتتح المسابقة الرسمية للدورة الجديدة من مهرجان فينيسيا.

إنها خطورة كون المتابع غالبا لا يستطيع التوقف عن طرح الأسئلة حول هذه الشخصيات: من أين أتت؟ ما هي خلفياتها؟ لماذا هي هكذا؟ ما سبب تصرّفاتها على هذا النحو؟ ومع أن «البجعة السوداء» يجيب بالقطارة عن بعض هذه الأسئلة، فإن مشاهده يبقى من بدايته وحتى نهايته يبحث، ضمنيا، عن السبب الذي من أجله تعيش هذه الشخصيات حياتها على هذا النحو. هذا بالإضافة إلى أسئلة أخرى من النوع الذي يخرج من صلب العلاقات والمفارقات الواردة التي لا يجيب عنها الفيلم أيضا. من بينها، وبل أهمها، لماذا كل شخصيات هذا الفيلم داكنة ومُتعَبة ومعظمها يتصرف بسوء نية؟ يتحدث «البجعة السوداء» عن نينا سايرز (نتالي بورتمان) التي نتعرف عليها وهي تؤدي رقص الباليه في قاعة التدريب. عيناها سريعا ما تقعان على الفرصة التي يتيحها المخرج توماس (الفرنسي فنسنت كاسل) ليروي لها حين يعلن للجميع أنه سيختار من بين الراقصات من يعتقد أنها ستنجح في تأدية دور البجعة الشريرة بجانب تأديتها دور البجعة الطيبة (أو البيضاء). نينا، التي تعيش مع والدتها في شقة كبيرة في نيويورك (لكننا لا نفهم عمل الأم أو كيف يتدبّران معيشتهما) تريد هذا الدور، وتوماس يخبرها بأنها تجيد أداء دور البجعة البيضاء ولديها التقنيات اللازمة كلّها، لكنه يريدها إذا ما أدت دور البجعة السوداء، أن تختلف وأن تحرر نفسها من برودتها وبل كبتها. ويقترح عليها الانفتاح العاطفي على الغير، ويحاول تقبيلها من دون أن نعرف إذا كانت هذه المحاولة عاطفية من جانبه أم استراتيجية فنية يهدف من خلالها إلى تغييرها حسب الوجهة التي يريد.. في كل الأحوال، فإن رغبتها في استحواذ الدور ليست وحيدة. عمليا كل المحيطات بها يرغبن في ذلك، وبعضهن لن يحتجن لنصب شباك وفخاخ لكي تفشل نينا في تحقيق غايتها. حين يقع اختيار المخرج عليها تواصل نينا الجهود في سبيل الإتقان، كما يواصل توماس جهوده في سبيل أن يراها تستخدم تقنيات مختلفة لكل الدورين. أن تصبح غاوية ومغرية وشريرة حين تؤدي الشق الأسود من الشخصية.. صفات لا تتمتع بها نينا مطلقا وعليها أن تبدأ محاولاتها خارج مكان التدريب لكي تتغير وهي لن تتغير للأفضل، كما تنص أحداث الفيلم اللاحقة، بل للأسوأ وبمعونة راقصة منضمة إلى الفرقة حديثا اسمها ليلي (ميلا كونيس) التي لديها أجندتها الخاصة بها. هذا التردي لنينا يترك أمامنا شخصية على استعداد لفعل أي شيء في سبيل الفوز. بذلك هي ليست أفضل حالا من غريماتها، بينهن واحدة طردها توماس وأخرى تنعت نينا، حين ينتشر خبر اختيارها، بأنها عاهرة. لكن هنا يبرز وضع لا يعمل لصالح الفيلم: إذا كانت كل شخصيات الفيلم تتصرف بحسد وبغيرة وبشر دفين أو برغبة في السيطرة (كما الحال مع والدة نينا وتؤديها باربرا هيرشي).

على السطح، يدرك أرونوفسكي ما يريد جلبه للعين: حركات الكاميرا، مشاهد الرقص، الأجواء العامة، الديكورات، التصوير المعتم معظم الوقت، وهذا كله يسجل للفيلم. فقط لو أنه رداء فوق موضوع أكثر عاطفية وأقل تماثلا مع ديكوراته وتصميماته الفنية المائلة إلى الدكانة بدورها.