الملكة «نادية الجندي».. «نازلي» سابقا!!

TT

قبل عامين استطاع مسلسل «الملك فاروق» أن يحتل أعلى درجات المشاهدة على كل الفضائيات العربية.. وأثار المسلسل وقتها الكثير من المجادلات الفنية والأدبية والسياسية، إلا أنه في نهاية الأمر امتلك وجدان الناس من خلال النص الذي كتبته لميس جابر، والرؤية الإخراجية لحاتم علي والأداء الذي تميز به نجومه «تيم حسن» الملك و«عزت أبو عوف» حسنين باشا و«وفاء عامر» الملكة نازلي و«صلاح عبد الله» النحاس باشا.. والنجاح عادة يدفع الآخرين لمحاولة تكراره وكأنه في هذه الحالة أشبه بزلزال وما يأتي بعده هو توابعه.. وهكذا نرى مسلسل «ملكة في المنفى» الذي ارتكن إلى شخصية محورية وهي الملكة «نازلي» وكأنه إحدى توابع نجاح زلزال مسلسل «الملك فاروق» صحيح أن حياة نازلي تسبق فاروق في العمر بنحو 20 عاما فهي أمه وزوجة والده الملك فؤاد، وصحيح أيضا أنها عاشت بعده نحو 20 عاما أخرى إلا أن السنوات المشتركة التي نشب فيها الصراع بين الملك فاروق وأمه الملكة منذ عام 1936 عند اعتلائه العرش حتى عام 1952 عند قيام الثورة كانت هي ذروة الصراع الدرامي في حياة فاروق وأيضا نازلي، لهذا فإن التاريخ الذي شاهدناه قبل عامين في مسلسل «الملك فاروق» نعيد رؤيته مرة أخرى فكيف نستطيع أن نفلت من المقارنة.

الشاشة التي شاهدناها قبل عامين لا أتصور أنها غادرتنا لا نزال نتذكر الكثير من لمحات مسلسل «فاروق».. ولكن دعونا نوجه أنظارنا أولا إلى مسلسل «ملكة في المنفى» الذي يعد التجربة الأولى للإعلامية راوية راشد في كتابة السيناريو والحوار حيث إنها تفرغت عدة أعوام لدراسة حياة الملكة نازلي وأصدرتها في كتاب قبل أن تحيله إلى سيناريو، ولم تكن هي وحدها التي استوقفتها حياة نازلي، فلقد أصدر الكاتب الصحافي صلاح عيسى كتاب «البرنسيسة والأفندي» يتناول أيضا حياة نازلي، وكان الصراع على أشده حول من يقدم قبل الآخر المسلسل ورشحت نيكول سابا لمسلسل «البرنسيسة» والمخرج جمال عبد الحميد بدأ في إعداد النص الذي صاغه مصطفى محرم، وكان من المستحيل أن نرى على الشاشات العربية مسلسلين عن نفس الشخصية، ونجح منتج «ملكة في المنفى».. إسماعيل كتكت وهو بالمناسبة كان أيضا منتج «الملك فاروق» في أن يسوق مسلسله أولا ولهذا توقف المشروع الآخر أو تأجل لأجل غير مسمى ليحتل «ملكة في المنفى» كل المساحات الفضائية الممكنة هذا العام!! إسناد دور نازلي إلى نادية الجندي لم يكن هو الاختيار الأول، ولكن تتابعت قبله أسماء مثل نجلاء فتحي، ويسرا، ولبلبة حتى استقر الرأي على نادية الجندي بعد اعتذار نجلاء ويسرا، ورجح المنتج كفة نادية الجندي على اعتبار أنها قد غابت في العام الماضي عن الشاشة الصغيرة، كان الرهان على نادية، من وجهة نظري، الخطأ الأول أو ربما كان الخطأ الاستراتيجي الذي تولدت بعده كل الأخطاء بل قل الخطايا الأخرى!! نادية بطبعها لديها أسلوب خاص في التمثيل حيث تسبق الشخصية الدرامية.. من خلال ما يربو على 60 فيلما قدمتها للشاشة الكبيرة تستطيع أن ترى فيها نادية الجندي قد رسخت صورة ذهنية من خلال هذه الأفلام مهما تعددت الشخصيات التي تؤديها سيدة أعمال أو ممرضة أو امرأة فقيرة شريفة أو امرأة ثرية منحرفة إلا أنها دائما ما تسبق الشخصية الدرامية، ومن الممكن أن نجد تنويعات على هذا النوع من الممثلين عربيا ودوليا.. على المستوى المحلي مثلا عادل إمام ودريد لحام وعالميا سلفستر ستالون وجيم كاري، فأنت تشاهد الممثل الذي تعرفه من خلال تراكم الأعمال الفنية، ولهذا فإن هؤلاء النجوم في العادة لا يقدمون شخصيات تاريخية، سواء من العصور القديمة أو المعاصرة، وذلك لأن فن أداء الشخصية التاريخية التي لها ظل من الواقع على الفنان المؤدي أن يذوب تماما في تفاصيل تلك الشخصية إلى أن تصبح هي صاحبة الإرادة العليا وتخفت تماما في هذه الحالة تعبيرات اللمحات الخاصة التي نعرفها عن الفنان والتي صارت تشكل له تفرده بين الآخرين.. إن نجومية الفنانين الذين تطغى شخصيتهم على الدور تلعب في هذه الحالة دورا عكسيا لو استعدنا للدلالة على ذلك واحدا من أشهر الشخصيات العالمية التي قدمت في فيلم سينمائي مثل «غاندي» الذي أدى دوره بن كينغسلي لم يكن كينغسلي وقتها من المشاهير عندما لعب دور الزعيم الهندي وحصد الأوسكار قبل نحو عشرين عاما فلقد ذاب تماما في «غاندي» ولم نر بن كينغسلي، بل إن العكس قد صار صحيحا، وهو أن الجمهور من بعدها صار يرى في الأعمال الأخرى التي أداها بن كينغسلي «غاندي» أكثر من بن كينغسلي، كلما أدى هذا الفنان المبدع دورا في فيلم سينمائي كان الناس يبحثون عن غاندي أو يشاهدون شذرات منه أو على أقل تقدير يتهيأ لهم ذلك.. مثلا أحمد زكي مؤهل لأداء شخصيات تاريخية مثل عبد الناصر والسادات وحليم.. عادل إمام غير مؤهل لهذا النوع من فن الأداء لأنك في العادة سوف ترى عادل إمام ولن ترى الشخصية التي يؤديها.. أحمد زكي كان قادرا على أن يختفي تماما أو بنسبة كبيرة وراء الشخصية التاريخية التي يؤديها.. من الممكن أن يتكرر هذا أيضا مع يحيى الفخراني رغم أنه لم يتوجه إلى هذا النوع من فن الأداء طوال تاريخه.. تيم حسن الممثل السوري نجح حتى الآن في تقمص شخصيتين هما الملك فاروق ونزار قباني!! شخصية نازلي ثرية دراميا ولا أوافق على الآراء التي نشرت مؤخرا وهي ترى أن نازلي لا تستحق لأن هناك مأخذا على سلوكها الشخصي مثل علاقتها المتوترة بابنها الملك فاروق ثم علاقتها بحسنين باشا الذي انتهى به الأمر إلى طلاق زوجته لطيفة والزواج العرفي منها ثم ما تردد بعد ذلك عن تنصرها وتنصر ابنتها في أميركا.. قد يحكم البعض على هذا بمنظور أخلاقي يرفض تماما هذا السلوك، ولكن قانون الدراما له أحكام أخرى، هذه الشخصية التي تراها مدانة أخلاقيا تملك مقومات درامية تؤهلها لكي تصبح هي الأكثر مواءمة لتقدم في الأعمال الفنية.. مثلا حياة أشهر قاتلتين في مصر «ريا وسكينة» أو السفاح محمود أمين أو المغتصبين الذين انتهكوا عرض فتاة في حي شهير بمصر، وهو المعادي، بالتأكيد شخصيات مدانة أخلاقيا ولكنهم يرتكزون إلى قوة درامية.. وهكذا يصبح اختيار شخصية نازلي مهما كانت هناك تحفظات عليها عامل جذب، ولكن اختيار نازلي في نفس الوقت طرح مقارنة بين العملين، خاصة أن فاروق لا يزال في الأذهان، ولم تكن للحقيقة نادية الجندي هي فقط التي وقعت تحت قيد قانون المقارنة مع وفاء عامر التي لعبت دور نازلي في مسلسل «فاروق»، ولكن حسنين باشا وهو شخصية محورية بالتأكيد في حياة نازلي، والملك فاروق أداه بأستاذية عزت أبو عوف، بينما ظهر خافتا عندما قدمه كمال أبو ريه في «ملكة في المنفى».. «الملك فاروق» تيم حسن كان ملفتا ومبهرا، ولكن الممثل الجديد الذي لعب دور الملك تراجع بالتأكيد خطوات أثرت على العمل الفني.. كما أن الحالة الفنية، أقصد بها الشاشة، رأيتها فقيرة مع «ملكة في المنفى»، كان لدى حاتم علي في «الملك فاروق» قدرة على أن يقدم تكوينا فنيا أكثر جاذبية وشريط صوت سواء من خلال الموسيقى التصويرية أو المؤثرات أكثر إمتاعا، بينما محمد زهير رجب المخرج السوري تراجعت لديه كثيرا أي لمحات إبداعية من الممكن أن تعثر عليها حتى بعد أن ساعده المخرج المصري وائل فهمي عبد الحميد.. أيضا السيناريو الذي صاغته لميس جابر بحرفية عالية في «الملك فاروق» لا يقارن بسيناريو راوية راشد، وهو أول تجاربها الدرامية.. الحوار في مسلسل «نازلي» كان له الدور الأكبر في أحيان كثيرة كان يبدو وكأن هدفه فقط تقديم المعلومة، ولكنه يفتقد الجاذبية الدرامية، وبالتأكيد فإن هذه الأخطاء مسؤول عنها المخرج.. إن الأحداث سوف تتصاعد أكثر في الثلث الأخير من المسلسل بعد مقتل حسنين باشا عام 1946 وهجرة نازلي إلى أميركا واعتناقها الديانة المسيحية، رغم أن هناك من ينفي حدوث ذلك، مؤكدا أن ابنتها فقط هي التي اعتنقت المسيحية ثم رحيلها عام 1978 حيث عاشت الملكة 84 عاما لاقت في أيامها الأخيرة الكثير من المتاعب النفسية والاقتصادية والعاطفية ودفنت طبقا لرغبتها في أميركا!! اختيار مسلسل الملكة «نازلي» أراه رهانا خاسرا منذ البداية، وكانت الطامة الكبرى عندما تمت الاستعانة بنادية الجندي بطلة باعتبارها هي طوق النجاة للمسلسل الذي سوف ينقذ العمل الفني، ولكن حتى الآن لعبت نادية الجندي دورا عكسيا لأنها كانت مشغولة بأداء دور «نادية الجندي» أقصد الشخصية الذهنية التي صدرتها لنا نادية الجندي طوال رحلتها السينمائية، بينما لم نر حتى كتابة هذه السطور الملكة نازلي!! [email protected]