عيد.. بأي أفلام عدت يا عيد؟!

«أولاد البلد».. ذروة الإسفاف الفني

TT

في الماضي كانت أفلام العيد تشهد ذروة الصراع السينمائي. أعني بالماضي قبل 13 عاما؛ حيث كانت تتسابق أفلام يلعب بطولتها نجوم شباك أمثال عادل إمام، ونادية الجندي، ومحمود عبد العزيز، وأحمد زكي، ونبيلة عبيد. الآن صار موسم العيد هو بمثابة بواقي أفلام الصيف، كل فيلم غير قادر على المنافسة مع الأفلام التي لعب بطولتها نجوم الشباك في الصيف كان مصيرها هو العرض في العيد، وكأنها بلغة كرة القدم «دوري المظاليم»!! عرضت هذا العيد أربعة أفلام وهي «أولاد البلد»، «سمير وشهير وبهير»، «عائلة ميكي»، و«الرجل الغامض بسلامته». استطاع أن يحصد الإيرادات الأعلى في العيد فيلم «أولاد البلد» بتلك التوليفة «السبكية»، نسبة إلى محمد السبكي منتج الفيلم الذي دأب على أن يصنع هذه النوعيات من الأفلام، حيث يضع كل الحكايات والمفردات والشخصيات الممكنة وغير الممكنة في مثل هذه الأحوال، مثل الراقصة والبلطجي والمطربة والمطرب والفتوة والعاجز جنسيا. كل ما يمكن أن يعثر عليه حتى يصل به الأمر قبل نهاية الأحداث إلى أن يتوجه في النهاية إلى الله ليصلي في الجامع ويطلب المغفرة، بينما الراقصة تتوقف عن الرقص عارية وتواصل الرقص بجلباب شرعي.. هل هناك هدف ما أو حتى هل هناك قصة سينمائية من الممكن متابعتها؟ الواقع أنه لا يوجد سوى إفيهات أغلب الظن أنه قد شارك في صنعها عدد من النجوم الذين لعبوا بطولة الفيلم مثل محمد لطفي، سليمان عيد، رامي غيط، أحمد راتب، سعد الصغير. كل على حسب مقدرته، بأن يضيف شيئا مما يمكن أن يضحك الناس!! تبدأ الأحداث لحظة خروج محمد لطفي من السجن، ونعرف فيما بعد أن مثله الأعلى هو فريد شوقي، ولهذا يضع صورته في منزله ويجري معه حوارا من طرف واحد عن الفتونة، وهو في نفس الوقت على علاقة حب ومشروع زواج مع الراقصة دينا، بينما لا يعرف أنها تعمل راقصة.. شقيق دينا علاء مرسي يتزوج النساء اللاتي يعملن لحسابه.. سعد الصغير عامل حرفي، وبينما الوجه الجديد رامي غيط عازف عود، أو يعتقد أنه عازف ومطرب، فإن صوته يخاصم كل الأعراف الفنية ويعلم شقيقته إنجي وجدان وجيرانه أصول الغناء.

تتخلل الأحداث كل المواقف التي من الممكن أن يلهث وراءها الجمهور، مثل كرة القدم، لم ينس الفيلم أن يضع جملة حوار تتناول ما حدث في مباراة «أم درمان» التي أدت إلى تصدع العلاقات السياسية بين مصر والجزائر، ويذكر أن من بين المشجعين الذين آزروا الفريق المصري سعد الصغير وفردوس عبد المجيد، بدلا من عبد الحميد. أيضا لا ينسى سليمان عيد الذي يؤدي دور حانوتي أن يشيع جنازة كبير مشجعي الزمالك، وتصبح الفرصة مهيأة لإقامة جنازة تجمع بين جمهور الفريقين بالزي الكروي الشهير لكل منهما، والنعش يغطيه زي الزمالك، وتنتهي إلى إطلاق كل الإفيهات على فريق الزمالك التي تؤكد خسارته الفادحة أمام الأهلي، وأنه قد صار نكتة بين الفرق. وبالطبع فإن أغلب الجماهير من مشجعي الأهلي، فهو فريق الأغلبية في مصر، ولهذا ينحاز إليه القسط الأكبر من جمهور السينما أيضا.

ومع ذلك لم ينس لزوم تحلية البضاعة، أقصد «شعوطة» البضاعة، أي جعلها أكثر سخونة، أن يضع خطا سياسيا يؤديه أحمد راتب الذي يريد أن يصبح عضوا في مجلس الشعب، ويلجأ إلى أبناء حارته ليؤازروه في الانتخابات، وتنجح الخطة بالفعل ويصل بفضل أبناء دائرته تحت قبة البرلمان، ونكتشف أنه يتاجر في الممنوعات ويريد الحصانة من مجلس الشعب للتغطية على نشاطه الإجرامي، وينتهي الفيلم بثورة غضب يعلنها أولاد البلد.. يذهب للجامع ونراه أكثر من مرة يطلب المغفرة من الله، بعد أن قتلت إحدى زوجاته التي تعمل لحسابه، وذلك بعد أن اعتدى عليها أحد الزبائن بالضرب بالسكين. بينما «دينا» تكتفي بالرقص بالجلباب، ومحمد لطفي يستعد للزواج منها، وتنجح خطة سليمان عيد في استعادة رجولته بعد أن غير مهنة الحانوتي التي كانت تحول دون إكماله العلاقة كلما تذكر صراخ أهل المتوفى. وهكذا يتحول إلى التشجيع الكروي ويرتدي قميص أحد اللاعبين المشهورين.

لا شيء في هذا الفيلم من الممكن أن تراه، سوى أنه يلهث وراء الإفيهات التي من الممكن أن تثير الضحك وباستخدام أي وسيلة ممكنة.. لم يقدم المخرج إسماعيل فاروق أي لمحة لها علاقة باختراع السينما التي عرفها العالم قبل نحو 115 عاما!! دائما الأعياد مرتبطة بتلك التوليفة التي يقدمها المنتج محمد السبكي لجمهوره، ولا يمكن سوى أن تنسب الفيلم في هذه الحالة إلى منتجه، مثل فيلم «علي الطرب بالتلاتة» الذي شارك فيه أيضا سعد الصغير ودينا، فالأمر لا يمكن أن يتجاوز سوى نفس الحالة من مطرب وراقصة وعدد من أولاد البلد. الغريب أن التلفزيون كان يذيع طوال شهر رمضان واحدا من المسلسلات التي تتناول أيضا أولاد البلد باسم «الحارة»، وهو من أفضل المسلسلات التي عرضت في السنوات الأخيرة، ولكننا بالفعل كنا نشاهد الحارة بكل شخوصها المتعارف عليها، أما هذه المرة فإن المخرج إسماعيل فاروق يستدعي من الذاكرة كل ما يعتقد أنها الحارة، وفي مثل هذه الأحوال لن تعثر على شيء ولن يتبقى شيء في الذاكرة، ويظل السؤال: لماذا يقبل الجمهور على هذه النوعية من الأفلام؟! أحرص دائما على أن أذهب إلى دور العرض الشعبية التي تستقبل الأفلام في العيد، وتفتح أمامها الباب ووجدت بالفعل زحاما أدى إلى تدخل رجال الشرطة حتى لا تحدث تجاوزات قد تؤدي إلى التحرش الجنسي، مثلما حدث قبل عامين في وسط مدينة القاهرة.. كانت دار العرض لديها خمس شاشات مختلفة الاتساع ولديها ثلاثة أفلام من بين الأربعة المعروضة في العيد، الاثنان الآخران هما «الراجل الغامض بسلامته» إخراج محسن أحمد، وبطولة هاني رمزي، والثاني «عائلة ميكي» إخراج أكرم فريد وبطولة لبلبة.. دار العرض لا تعرف سوى تطبيق شعار «اللي تكسب به العب به» وهكذا كان الجمهور، وأغلبه من الشباب، قد توجه إلى «أولاد البلد» فقرر صاحب الدار أن يفتح له أربع شاشات من بين خمس، وشاشة واحدة لـ«الرجل الغامض»، بينما ألغى عرض «عائلة ميكي».

جمهور العيد له مواصفات غير تقليدية، لأنه جمهور موسمي وليس جمهورا دائما يذهب إلى دور العرض، هو يدخل إلى دار السينما طوال العام ضاربا كل القواعد المتعارف عليها، فهو قبل أن يبدأ عرض الشريط يصفق ويغني، وبمجرد أن يشاهد أيا من المشاركين في الفيلم يصفق، وبعد أن يستمع إلى أي كلمة تجري على لسان أحد الأبطال يضحك، سواء كان ما يسمعه يستحق الضحك أم الرثاء. أراد المنتج أن يضع في فيلمه كل شيء. وهكذا رأينا في هذه الحارة كل المتناقضات ولكننا لم نر أي شيء له علاقة بالسينما!! [email protected]