فنانو مصر: عودة «عيد الفن» تدفع الحركة الفنية إلى الأفضل

بعد أن اقترح الرئيس مبارك إحياءه مرة أخرى

TT

استقبل الفنانون المصريون اقتراح الرئيس المصري حسني مبارك بعودة الاحتفال بـ«عيد الفن» بترحاب شديد، آملين أن يدفع هذا الاحتفال بالحركة الفنية إلى الأفضل، وأن يكون بمثابة تكريم لجيل الفنانين الكبار الذين يستحقون هذا التكريم على عطائهم المشرف وهم لا يزالون على قيد الحياة.

كان الرئيس مبارك قد اقترح عودة الاحتفالية الفنية المتوقفة منذ عهد الرئيس أنور السادات خلال استقباله الفنان المصري الكوميدي طلعت زكريا مؤخرا، حيث كلفه بالتنسيق مع نقيب الفنانين الدكتور أشرف زكي ووزير الثقافة فاروق حسني للاحتفاء بكبار الفنانين خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وليكون الاحتفال به تقليدا سنويا في نفس الموعد القديم الذي كان يوافق يوم الثامن من أكتوبر.

الفنان طلعت زكريا أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس مبارك وعده خلال لقائه به بعودة الاحتفال بـ«عيد الفن» تكريما للفنانين المصريين ولما يدركه من قيمة الفن في تقديم رسالة لرقي الوطن، وأن دور الفنان لا يقل عن دور السياسي، وقال بالحرف: «مش عايز حاجة ضيقة.. حاجة كبيرة»، وهو ما يعتبره زكريا خطوة مهمة للفن والفنانين المصريين، لأن هذا العيد سوف يكون أكبر من مجرد احتفالية فنية، لما يتيحه من تعرف القيادة السياسية على أهم ما يدور على الساحة الفنية من ناحية، كما يمكن خلاله التعرف عن قرب على مشكلات الفنانين وطلباتهم وما يواجههم من عوائق من ناحية أخرى، وبالتالي يصب ذلك في خدمة الحركة الفنية في مصر.

الدكتور أشرف زكي، نقيب المهن التمثيلية، رئيس اتحاد الفنانين العرب، أبدى سعادته البالغة بقرار الرئيس مبارك، قائلا: «كان ذلك مطلبا لنا منذ سنوات.. فإعادة (عيد الفن) هو تكريم للفنان وهو لا يزال على قيد الحياة وليس بعد أن يرحل عنها، لأن توجيه الشكر هو أكبر جائزة يحصل عليها الفنان»، مشيرا إلى أن الفنان طلعت زكريا تحدث إليه بعد اللقاء بالرئيس مبارك حول الوعد بعودة «عيد الفن»، ليقوم نقيب الممثلين بعدها بالاتصال بوزير الثقافة فاروق حسني الذي طلب منه إعداد مشروع عن كيفية الاحتفال بهذا العيد وعرضه عليه في أقرب وقت، ذاكرا أن الفترة القادمة سوف تشهد تنسيقا بين نقابة الفنانين ووزارة الثقافة بما يخص ترتيبات «عيد الفن» لكي يعود بشكل يليق.

وقد أشارت الفنانة سميرة أحمد إلى أنها كادت أن تطير من الفرحة حينما سمعت خبرا يفيد بعودة «عيد الفن» من جديد، وأضافت قائلة: «كنا ونحن فنانات صغيرات لا نزال نخطو خطواتنا الفنية الأولى ننتظر قدوم (عيد الفن) بفارغ الصبر وبكل شوق، حيث كنا نشاهد كبار نجوم الفن ونجماته وهم يتسلمون جوائز وشهادات تقدير مقدمة شخصيا من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي يعود إليه الفضل الأكبر في إرساء قواعد هذا العيد. وكان النجوم المكرمون في هذا اليوم يتفننون في اختيار ملابسهم ويضعون في اعتبارهم أن يكون الفستان أو البدلة التي يرتدونها هي المرة الأولى التي يرتدونها فيه، فكان لهذا العيد مذاق خاص يتفوق كثيرا عن التكريمات والاحتفالات التي تقام هذه الأيام»، وأنهت سميرة كلامها بالإشارة إلى أن عودة هذا العيد بمثابة عودة الجيل الذهبي لأيام الأبيض والأسود التي لا تعوض.

أما الفنان محمود ياسين فبمجرد أن سمع عن خبر عودة «عيد الفن» من جديد، عادت ذاكرته إلى الوراء لأكثر من 25 عاما، حيث كان من أول الفنانين الذين شهدوا هذا العيد، حيث تم تكريمه من قبل الرئيس السابق محمد أنور السادات في عام 1975، أي في العام الثاني للاحتفال بهذا العيد، مشيرا إلى أن صعوده على خشبة المسرح وقتها ليتسلم جائزته من الرئيس الراحل ومصافحته كانت في حد ذاتها التكريم نفسه، موضحا أنه شهد أثناء هذا العيد والأعياد التالية له أيضا تكريم الكثير من الرموز الفنية مثل الفنان فؤاد المهندس الذي كان يتبادل الرئيس السابق أنور السادات معه «القفشات» الضاحكة، وكذلك النجم الكوميدي عبد المنعم مدبولي. وينهي ياسين كلامه مطالبا المشرفين على هذا العيد بأن لا ينسوا تكريم الرموز الفنية التي رحلت لأن تكريمهم يعد أقل حق لهم. من ناحية أخرى، أثنى الفنان أحمد راتب على فكرة عودة «عيد الفن»، واصفا إياها بـ«المبادرة المحترمة»، مضيفا: «أعاد لنا الرئيس محمد حسني مبارك شيئا مفقودا كنا نبحث عنه طويلا وسط صخب فني مزعج إلى حد كبير، وفي ما مضى كان وقوف فنان كبير على خشبة المسرح بجوار الرئيس الراحل محمد أنور السادات ليتسلم جائزته في حد ذاته تكريما»، وأرسل راتب من خلال «الشرق الأوسط» برقية امتنان إلى الرئيس مبارك، طالبا منه أن تكون عودة «عيد الفن» بمثابة خطوة أولى في سلسلة اهتماماته بالفن وصناعه والقائمين عليه.

أما الفنان عزت العلايلي فأوضح أن «عودة (عيد الفن) أعاد لنا حق جيلنا وهو جيل الكبار، ذلك الحق الذي سلبته منا الأيام والسنون، فلا أحد ينكر أن الفنان الكبير الآن مظلوم وبعيد تماما عن التكريمات والجوائز، لذا فأنا أعتبر أننا كنا في حاجة ملحّة وماسّة إلى هذا العيد الذي يخصص لنا، فالجائزة الحقيقة ليست في الدرع أو شهادة التقدير الورقية التي نحملها على المسرح، بل في الكلام المنحوت عليها والوصف المشار إلينا فيه».

ولا تخفي الفنانة كريمة مختار سعادتها بهذا العود الحميد لـ«عيد الفن»، خصوصا في مثل هذا التوقيت بصفة خاصة «لأنه توقيت يتعرض فيه الجيل القديم لهجوم وعدم تقدير وتجاهل من الكثيرين، ولا أقول بالطبع من الجميع لأن هناك لمسات إنسانية من البعض»، وتوضح مختار أن قرار مثل قرار الرئيس مبارك إن دل على شيء فإنه يدل على مدى تقديره واحترامه للفن ولرسالته، خاتمة حديثها بعبارة: «شكرا يا ريس».

الفنان عمر الحريري أشار إلى أن عودة «عيد الفن» تعتبر خطوة إضافية جديدة للفن المصري تُرجع الحركة الفنية إلى نصابها الحقيقي، مضيفا: «لا بد من آن لآخر أن يكون هناك تجمعات فنية تشهد تكريم جيل كبير وعملاق كان هو السبب في وجود الجيل الحالي من الفنانين الشباب والشابات، كما أن جوائز (عيد الفن) كانت دائما تذهب لمن يستحقها وليس بأسلوب شكلي مثلما يحدث الآن».

وبرأي نبيلة عبيد، تدل مبادرة الرئيس على مدى تفاعله مع الأجواء الفنية وتبرهن على أن دور الرئيس ليس سياسيا فقط، بل له دور فني، فالفن هو واحد من أهم الصناعات التي تدر دخلا. وتكمل: «هذا العيد كان يعد عيدا للحب، فهو اليوم الذي كان يتجمع فيه النجوم الكبار، فكان مكانا للتلاقي والحديث في كل شيء، وكم من أفلام شارك فيها نجوم كثيرون بعد أن تقابلوا في هذا اليوم بفضل الرئيس الراحل أنور السادات الذي كانت له اهتمامات خاصة بالفن».

من جانبهم أبدى عدد من الفنانين الشباب ترحيبهم أيضا بعودة «عيد الفن»، حيث ترى عُلا غانم أنها ستكون سعيدة جدا إذا شاركت في هذا العيد، وأن تقوم بنفسها بتوزيع الجوائز على نجوم ونجمات كبار كانوا سببا رئيسيا في وجودها هي وجيلها، وتتمنى عُلا أن لا يكون هذا العيد مخصصا للكبار فقط، بل للنجوم الشباب أيضا، وأن يكون فرصة للتلاقي مع رموز فنية مصرية كبيرة كانت سببا في أن تكون السينما المصرية رائدة وعملاقة ولها اسم وصدى في شتى أنحاء العالم. واقترحت عُلا أيضا أن يقوم كل فنان شاب في هذا اليوم بتكريم مجموعة من الفنانين الكبار بنفسه وتوزيع الجوائز عليهم، وأن يقول كلمة لهم، فذلك سوف يساهم في إذابة أي فجوة قد تكون موجودة بين الجيلين.

وهو ما يراه أيضا أحمد عزمي، الذي يرى أن عودة «عيد الفن» ستكون لها صدى طيبا، مثله مثل المهرجانات المصرية الكبيرة التي تحتفي بالنجوم، مع الفارق بأن هذا العيد كان مخصصا للنجوم الكبار، على حد علمه، وأضاف عزمي قائلا: «النجوم الكبار كثيرا ما يعتقدون أن الشباب سحبوا منهم البساط، وهو أمر ليس صحيحا على الإطلاق، وسيكون (عيد الفن) بمثابة خير تقدير لهم على ما فعلوه من أجل الفن، ولنكن صرحاء ونقول إن هؤلاء النجوم الكبار بصفة خاصة كانوا يحبون الفن من أجل الفن وليس لأي اعتبارات أخرى».

أما الناقد الفني طارق الشناوي فأوضح أن الاحتفال بـ«عيد الفن» ظهر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد حرب أكتوبر، حيث كان الرئيس ذا توجه فني ومحبا للفن والفنانين، بل كان صديقا للكثير منهم، لذا كان «عيد الفن» في عهده بمثابة تكريم للفن، خصوصا أن هذا العيد خصص له يوم 8 أكتوبر، أي أنه مواكب لاحتفالات مصر السنوية بانتصاراتها العسكرية.

ويذكر الشناوي أن الاحتفال كان يتم بمنح الرئيس شهادات الدكتوراه وشهادات التقدير للفنانين، حيث توزع عليهم في احتفال خاص يقام على «مسرح سيد درويش» بحي الهرم التابع لأكاديمية الفنون المصرية تحت رعاية مديرها في ذلك الوقت الدكتور رشاد رشدي، وخلال الأعياد المتعاقبة تم الاحتفاء بالكثير من الفنانين المصريين، إلى أن توقف الاحتفال بموت الرئيس السادات في عام 1981.

ومن أشهر الأسماء التي كُرمت خلال أعياد الفن بمنحهم شهادة الدكتوراه الفخرية: يوسف وهبي، وزكي طليمات، ومحمد عبد الوهاب، والشاعر أحمد رامي. كما تم تكريم عدد آخر بمنحهم شهادات تقديرية، أمثال: زينات صدقي، ومحمود المليجي، وسعاد حسني، وحمدي غيث.