«عائلة ميكي».. فكرة ساخنة وشاشة بليدة

طارق الشناوي

TT

* [email protected]

* لم يستطع فيلم «عائلة ميكي» الصمود طويلا داخل دور العرض عندما دفع به موزعو السينما في أيام العيد. ولا أتصوره قادرا على أن يعبر هذا الحاجز أيضا بعد العيد. فلم يملك الفيلم قوة الجذب لدى الجماهير لكي تتماهى معه لتصدقه وتعايشه. الفيلم ظلمه توقيت العرض حيث إن جمهور العيد يشكل حالة استثنائية ولديه – بالتأكيد - نوعيات أخرى يفضلها وهي تلك الأفلام التي تقدم له الضحك والرقص والغناء والتهريج. و«عائلة ميكي» ليس كذلك، كما أن الدعاية الفقيرة للفيلم لعبت دورا سلبيا في التمهيد لهذا، إلا أن الفيلم يتحمل القسط الوافر من أسباب هذا الإخفاق!! أحداث «عائلة ميكي» تجري في مدة زمنية لا تتجاوز يوما كاملا، من خلاله نتعرف على أسرة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة.. الأب (أحمد فؤاد سليم) ضابط في القوات المسلحة وصل إلى رتبة لواء.. الأم (لبلبة) تعمل في الشؤون القانونية في إحدى الشركات الحكومية.. الأبناء: الكبير ضابط شرطة في بداية مشواره، والثاني طالب جامعي متعثر في الدراسة، وفتاة في الثامنة عشرة يؤرقها أنها تبحث عن حبيب عن طريق «النت»، والطفل الصغير المشاغب واسمه «ميكي»، آخر العنقود، ثم الجدة الضريرة (رجاء حسين). الفيلم يقع في إطار الأفلام محدودة التكاليف، أغلب أبطاله من الوجوه الجديدة، ومن هم معروفون فإنهم أيضا معروفون بتقاضيهم أجورا ضئيلة.. الفكرة التي كتبها السيناريست الشاب عمر جمال قائمة على التناقض بين المثالية والتنازل. الصورة المباشرة التي نعتقد أننا نعيشها وتجعلنا مثاليين على الأقل في نظر أنفسنا بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماما. الصورة التي التقطت للأسرة المثالية تنفيها كل مشاهد الفيلم التي تؤكد أنهم لا علاقة لهم بالمثالية. فلقد تنازلوا عن أشياء كثيرة وجاء أكبر تنازل عندما دفعوا مقابلا للقناة الفضائية من أجل الحصول على لقب العائلة المثالية، ووافقوا على دفع الرشوة وتنازلوا عن المقابل المادي الذي رصدته المحطة، وهو 100 ألف جنيه، لصالح هيئة التحكيم!! ما قدمه المخرج من نقد اجتماعي لظاهرة تفشي الرشوة يدخل في إطار أهم، إنه غياب الدهشة قبل الرفض والممانعة. لم نر هذه الأسرة وهي ترفض ارتكاب هذا الفعل المشين، بل هي سعيدة بالحصول على لقب العائلة المثالية والمميزات التي تصاحب اللقب سواء على الصعيد الشخصي أو المادي. كاتب الفيلم عمر جمال هو شاب في مطلع العشرينات من عمره سبق له وأن كتب فيلم «أوقات فراغ» قبل 4 سنوات. تناول «أوقات فراغ» حياة الشاب دون العشرين الذي لا يدري ما الذي يختار ويقف حائرا بين رغباته وإمكانياته. الفيلم حدثت بينه وبين الجمهور حالة من التماس إلى درجة أنه خلق تيارا سينمائيا، اعتقدت بعض شركات الإنتاج أن السر يكمن في الاستعانة بالوجوه الجديدة لبطولة الفيلم وقدمت أكثر من عشرة أفلام بطولة وجوه جديدة لممثلين لا يعرفهم أحد، ولم يسفر الأمر عن شيء، ظل «أوقات فراغ» فيلما واحدا على الخريطة السينمائية ولم يخلق تيارا موازيا كما كان مأمولا وقتها.

فيلم «عائلة ميكي» يلعب في مساحة أخرى حيث تناول مشكلات الأبناء مع الأسرة، ويجمع بين الوجوه الجديدة وعدد من المخضرمين. حرص الكاتب على اختيار اللمحة «الروشة» في انتقاء كلمات حوار تميز بها الفيلم لأنها صارت بالفعل لغة الشباب.. أحداث الفيلم تجري قرابة 50 في المائة منها داخل الشقة، ولدينا أفلام كثيرة كانت الشقة هي الملعب الرئيسي في الحالة الدرامية أشهرها «أم العروسة» الذي أخرجه عاطف سالم قبل نحو 47 عاما، وهو الفيلم الذي لعب بطولته عماد حمدي وتحية كاريوكا. كانت الشاشة التي أبدعها عاطف سالم عن سيناريو عبد الحي أديب وقصة لعبد الحميد جودة السحار تحمل نضجا وإبداعا خاصا، بينما هذه المرة كانت الشاشة كسولة إلى حد أنها تبدو كأنها في حالة تثاؤب دائم، فلم يضف المخرج شيئا في حركة الكاميرا أو حركة ممثليه.

المخرج أكرم فريد لجأ إلى اللعب بورقة الجدة الكفيفة التي تستمع إلى صوت ولا تدري أين هو المصدر رغم أن الشقة ليست قصرا فسيحا، فهي كما قدمها لنا المخرج في البداية أربع حجرات فقط وصالة ودورة مياه. ورغم ذلك بعد أن صار بها اثنان من الغرباء، حبيبة الابن الكبير الضابط التي أدخلها إلى الشقة، ثم الابنة التي تدخل شابا إلى البيت المسكون بهذا العدد الضخم من الأفراد، والدها ضابط في الجيش وشقيقها الكبير ضابط شرطة، ورغم ذلك نرى شابا في غرفة نومها دون أن تصبح هناك دوافع ولا حتى مخاوف من افتضاح أمرها. مهما كانت المبررات الواهية فإن الأمر يبدو أقرب إلى حالة مسرحية شاهدناها في الكثير من الأعمال التي يسيطر عليها ضيق المكان – وهو خشبة المسرح – فتصبح كل الشخصيات في نفس اللحظة على خشبة المسرح والجمهور يتسامح مع هذه المفارقات، بينما في السينما فإن الجمهور لا يتسامح بسهولة مع ما يراه أمامه من تعسف في حركة الممثل ولا في فكرة الاختفاء القسري والظهور بعد ذلك، لأنه يشعر أن المخرج يتعمد تلك الحالة المسرحية. كانت الشاشة مثقلة بقدر لا ينكر من الافتعال والعبث الدرامي وكأننا بصدد لعبة الأطفال الشهيرة «استغماية» كل طرف لا يرى الآخر. لا أتحدث عن الجدة الكفيفة، ولكن كل الأشخاص يشاركون في لعبة «الاستغماية» وعن سبق إصرار، بل وإضرار!! المخرج أكرم فريد ارتبط في مشواره السينمائي بأكبر عدد من الأفلام التجارية مثل «عمر وسلمى» و«أيظن» و«حاحا وتفاحة»، التي كانت تقدم طبقا لرغبات الزبون السينمائي وأيضا لما يريده منتجها أحمد السبكي، رغم أن بدايات أكرم فريد كانت تشير وتبشر بتوجه آخر منذ أن شاهدت فيلمه القصير «3 ورقات» الذي قدمه قبل نحو 10 سنوات، إلا أن للسوق أحكاما، وهكذا توجه أكرم بكل قواه إلى تقديم أعمال تجارية لا تحمل أي فكر ولا تملك أي طموح، حيث إن المطلوب هو تقديم «الإيفيه» الكوميدي الضاحك.. انصاع تماما المخرج لرغبات السوق، وتحول من مخرج لديه شيء يريد أن يقوله إلى ميكانيكي أفلام يريد الإنجاز السريع حتى يرضى عنه المنتج ويمنحه فيلما آخر.. يحسب للمخرج هذه المرة أنه أجاد توجيه ممثليه الجدد؛ الطفل الذي أدى دور «ميكي» اسمه محمد، وتوجيه الأطفال يحتاج إلى قدرة كبيرة من المخرج لكي يخلق مناخ المعايشة مع الطفل. وكان أول أفلام أكرم باسم «فرح» أيضا بطولة طفلة، وذلك قبل أن يبدأ في تقديم سلسلة من الأفلام التجارية. لا شك أن هناك عددا من الممثلين بعضهم يقف لأول مرة مثل الوجه الجديد دريني، الطالبة في معهد السينما التي وقع اختياره عليها، بالإضافة إلى عمر عابدين الذي شارك من قبل في فيلمي «ماجيك» و«أوقات فراغ».. تألقت لبلبة في أداء دورها ونجحت في اقتناص لحظات التعبير بأستاذية، وأيضا أحمد فؤاد سليم في المساحات الدرامية الضئيلة التي أتيحت له، ولكن يبقى أن الشاشة لم تمنحنا حالة من الألق والسحر الإبداعي. كان المخرج يبدو على مستوى الرؤية مفتقرا إلى الإيقاع الذي يضيف إلى مثل هذه الأفلام الكثير من اليقظة والسخونة ويشعر المتفرج برغبة حقيقية في المتابعة. وبقدر ما كانت الفكرة محلقة هبطت درجة عندما أحالها الكاتب إلى سيناريو، ثم هبطت درجات عندما صارت شريطا مرئيا، وهكذا سقط الفيلم في مذبحة أفلام العيد وسوف يستمر - مع الأسف أيضا - في مواصلة مشوار السقوط بعد العيد بسبب تلك الشاشة البليدة!!