نجوم الشباك يلهثون وراء ملايين الشاشة الصغيرة!!

التلفزيون يوجه ضربة موجعة للسينما

عمرو دياب
TT

من الواضح أن الدولة في مصر استشعرت الخطورة التي تواجه السينما.. وهكذا في لقاء الفنانين بالرئيس «حسني مبارك» أسفر الاجتماع عن قرار بضرورة عودة وزارة الثقافة لممارسة دورها في حماية السينما، أيضا قررت وزارة الإعلام الدخول كطرف فاعل وبدأت في وضع خطة لإنتاج عشرة أفلام.. إلا أن الحقيقة على أرض الواقع تؤكد أن رؤوس الأموال الخاصة اتجهت إلى الدراما التلفزيونية، وأن عددا من الشركات السينمائية الكبرى توجهت لإنتاج المسلسلات، وأن النجوم سوف يسارعون بتغيير اتجاه البوصلة إلى المسلسلات، وأعني بها الرمضانية بالطبع لتصبح هي المسيطرة على الحالة الفنية!! تدهور معدل إنتاج السينما المصرية في 2010، فلم يزد حتى كتابة هذه السطور على 20 فيلما، وكان قد تجاوز 35 فيلما في 2009، وتؤكد المؤشرات المبدئية أنه سوف يواصل التدهور في 2011. تبددت الوعود التي رددتها وزارة الثقافة المصرية مثلا بإنتاج فيلم ضخم كل عام.. الوزير «فاروق حسني» هو الذي صرح بذلك قبل أكثر من عام، والعام انتهى ولم يشرع بعد في إنتاج فيلم جديد.. بعد تجربة «المسافر» توقفت تماما خطة إنتاج وزارة الثقافة، بعد أن ارتفعت تكاليف الفيلم من أقل من مليوني دولار إلى أكثر من 4 ملايين دولار!! وحتى الآن تخشى الدولة عرضه جماهيريا رغم أن بطله هو النجم العالمي «عمر الشريف».. اسم «عمر» لم يشفع لوزارة الثقافة لكي تواصل الإنتاج، لأن هناك تخوفا من عدم إقبال الجمهور، والفيلم سيجد نفسه في نهاية المطاف محاصرا برفض جماهيري، ولن تشفع له الحماية النقدية أيضا لأن أغلب النقاد كان لهم رأي سلبي في تجربة «المسافر»!! الاتفاقات القادمة في الوسط الفني تؤكد أن نجومنا يتوجهون إلى التلفزيون. «عمرو دياب» بعد عرض مسلسل محمد فؤاد «أغلى من حياتي» في رمضان الماضي انفتحت نفسه للتلفزيون، ورغم أن مسلسل «فؤاد» لم يحقق النجاح التجاري الكبير فإنه فتح المجال لعمرو دياب لأن يكرر الخطوة نفسها، وإذا كان أجر «فؤاد» لم يتجاوز مليوني دولار، فإن «عمرو» استطاع أن يقفز إلى رقم 8 ملايين دولار (أربعة أضعاف «فؤاد»)!! والغريب في الأمر أن «تامر حسني» قرر أن يدخل إلى المعركة معتمدا على ترديد الشائعات بأنه سوف يتقاضى 16 مليون دولار ضعف أجر «عمرو»، وهو رقم يتجاوز المنطق، بل إن أجر «عمرو» نفسه لا تستطيع أي شركة إنتاج المجازفة برصده، فما بالكم بأجر «تامر»؟! العودة عن طريق التلفزيون تداعب أيضا خيال «محمود عبد العزيز»، فهو منذ بضع سنوات يسعى للعودة للتلفزيون، وأمامه أيضا أكثر من مشروع. «محمود» يقع أجره في إطار نجوم الـ3 ملايين دولار، سيتقاضاه في مسلسل عنوانه «الملك». «عادل» وصل إلى 5 ملايين دولار في مسلسل «فرقة ناجي عطا الله». تدخل في المعادلة المحطات الفضائية التي صارت تشكل الممول الحقيقي لمثل هذه الأعمال الدرامية. وكان عدد من القنوات السينمائية هو السر في انتعاش السينما خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.. قنوات مثل «أوربت»، «روتانا»، «A.R.T»، «O.T.V»، «ON.T.V»، «M.B.C»، وغيرها أسهمت في إنعاش السينما، وأنتجت أو أسهمت بنسبة ما في إنتاج أفلام من أجل أن تعرض على قنواتها، أغلبها أفلام محدودة التكاليف، والقسط الوافر منها متواضع فنيا، لكنها توقفت مؤخرا عن الإنتاج السينمائي واكتفت برصيدها القديم، بل إن بعضها لم يسدد حتى الآن حصته المالية في الأفلام السابقة التي اتفقوا على إنتاجها، ولهذا شهدت السينما المصرية تراجعا حادا. بالطبع أغلب الدول العربية شهدت أيضا تراجعا في معدل الإنتاج، لا أتحدث عن القيمة الفنية لكني أتناول فقط كم الإنتاج الذي عانى انخفاضا حادا، لأن هذه القنوات خاصة «أوربت» و«M.B.C» و«روتانا» كانت تشارك في إنتاج أفلام سورية ولبنانية وليس فقط مصرية!! هل تنجح الدولة في الإنتاج من خلال وزارة الإعلام عن طريق اتحاد الإذاعة والتلفزيون مثلما أعلن مؤخرا في مصر؟.. وزارة الإعلام لديها جهاز السينما، وسبق أن قدمت عددا من الأفلام، بعضها بالفعل حصل على جوائز مثل «واحد صفر» لكاملة أبو ذكري، وقبل ذلك «ملك وكتابة» لكاملة و«في شقة مصر الجديدة» لمحمد خان.. لكن المعدل كان ضئيلا لا يتناسب مع الطموح الذي واكب بداية هذا الجهاز، حيث كان المعلن هو إنتاج 50 فيلما في العام، وتقلص الأمر إلى فيلم واحد في العام، ومر الآن عامان على آخر فيلم أنتجه جهاز السينما وتعثر إنتاج الفيلم التالي!! وبالتأكيد هناك الكثير من المعوقات التي تواجه الإنتاج السينمائي للشركات الصغيرة ومنها جهاز السينما، وأهمها نظام الاحتكار الذي تمارسه شركات الإنتاج والتوزيع في مصر، والمتمثلة في الكيان الذي تملكه «إسعاد يونس» المعروف باسم «العربية»، والكيان الآخر للشركات التي أطلقت على نفسها «المتحدة» وعلى رأسها «محمد حسن رمزي». تمتلك هذه الشركات دور العرض ولا توزع سوى الأفلام التي تنتجها الشركات التابعة لها، وقد تنبهت الدولة مؤخرا إلى أن قبضتي التوزيع والإنتاج عندما تجتمعان معا في شركة واحدة يعد هذا احتكارا، وهو ما تصدت له هوليوود قبل أكثر من 60 عاما وصار محرما على من ينتج الأفلام أن يتولى هو أيضا توزيعها، إلا أن الشركتين الكبيرتين تنكران أنهما تحتكران الإنتاج والتوزيع. مع الأسف أطل قبل أربع سنوات هذا النمط السينمائي في مصر، وصار هو المهيمن على الصناعة السينمائية، وهكذا فإن كل كيان يرفض عرض الأفلام التي ينتجها الكيان المنافس، وبينما كانت الدولة قد أصدرت قرارا بحظر عرض الأفلام الأجنبية في الأعياد، سقط هذا القرار بسبب دور العرض التي لم تعد تفتح الشاشات أمام كل الأفلام المصرية، لكن كل فريق لا يعرض إلا فقط الأفلام التي ينتجها هو، وأسهم هذا الصراع في تقليص الإنتاج السينمائي!! مواسم مثل الصيف السينمائي، الذي كان يشهد ذروة العرض في الأفلام خلال الاثني عشر عاما الأخيرة، انكمشت.. وكثير من النجوم الذين كانوا علامات مميزة لموسم الصيف اختفوا. في الصيف الماضي مثل «عادل إمام» و«محمد هنيدي» و«أحمد عز». «هنيدي» حتى الآن لم يقدم فيلمه، بينما «عادل إمام» يسعى لعرض فيلمه «زهايمر» في عيد الأضحى شتاء، وهو ما سوف يفعله أيضا «أحمد عز» مع فيلمه «365 يوم سعادة». مؤشر أجر «عادل إمام» تستطيع أن تقرأ من خلاله ما حدث في توجه رؤوس الأموال، حيث إن «عادل» كان قد ارتفع أجره إلى رقم 16 مليون جنيه (قرابة 3 ملايين دولار) وهو أعلى أجر بين نجوم السينما المصرية وتقاضاه في فيلم «بوبوس»، لكنه في مشروعه التالي «زهايمر» اضطر إلى أن يخفضه إلى مليوني دولار فقط، بعد أن تعثرت إيرادات «بوبوس». ولهذا فإن رقم 5 ملايين دولار الذي يحصل عليه في مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» يشكل قفزة رقمية لعادل. الكل اتجه إلى الدراما التلفزيونية مع زيادة معدل إنتاج الأفلام منخفضة التكاليف التي لن تستعين بالطبع بكبار النجوم لضخامة أجورهم، لتميل في النهاية الدفة لصالح الدراما التلفزيونية على حساب السينما.. حتى مخرجو السينما بدأوا التفكير جديا في اقتحام الدراما التلفزيونية، بعد أن قدم كل من «محمد ياسين» و«سامح عبد العزيز» و«محمد علي» ثلاثة مسلسلات متميزة في رمضان الماضي، وهي بالترتيب «الجماعة» ياسين و«الحارة» سامح و«أهل كايرو» محمد علي.. صار التلفزيون ليس المحطة رقم 2 لمخرجي السينما، لكن الهدف الأساسي الذي يبحثون عنه صار هو المحطة الأولى التي يلجأون إليها!! لقد أكد قانون الفضاء الإعلامي على تفوق الدراما التلفزيونية، حيث يزداد معدل انتشاره مع ولادة عدد كبير من المحطات الفضائية، كلها تعتبر أن أهم ورقة للنجاح في هذا السباق - الذي يزداد شراسة في رمضان خاصة - هي المسلسل التلفزيوني، حيث إن المسلسل صار هو الذي يشكل قوة الجذب للمشاهد، وأيضا لأغلب الوكالات الإعلانية التي تشترط اسم النجم أولا. وهكذا مثلا فإن التلفزيون المصري من الآن يؤكد أنه سوف يسهم في إنتاج أعمال درامية للنجوم أصحاب القوة الضاربة في وكالات الإعلان، مثل «عادل إمام»، «عمرو دياب»، «كريم عبد العزيز»، «محمد هنيدي».. بينما قناة «الحياة» في نهاية شهر رمضان الماضي عرضت صورة ليحيى الفخراني بماكياج «محمد علي»، إخراج السوري «حاتم علي»، لتؤكد على أنها سوف تعرضه حصريا على شاشتها مثلما تمكنت من عرض «شيخ العرب همام» في رمضان الماضي واقتنصته من شاشة التلفزيون الرسمي.. بينما قناة «M.B.C» والتلفزيون القطري يستعدان لإنتاج مسلسل ضخم عن سيدنا «عمر بن الخطاب»، مرشح لإخراجه أيضا «حاتم علي»! الخطر يهدد صناعة السينما بقوة رغم محاولات إنقاذها.. وذلك لأن رؤوس الأموال اتجهت إلى قنوات التلفزيون، ووكالات الإعلان صارت تفضل الشاشة الصغيرة خاصة في رمضان، وهكذا حسمت القضية لصالح الشاشة الصغيرة. تراجعت السينما خطوات، وانتصر التلفزيون على السينما، ليس بالضربة القاضية، لكن تستطيع أن تطلق عليها الضربة الموجعة التي تسبق عادة الضربة القاضية! [email protected]