مات دامون لـ «الشرق الأوسط»: على الممثل أن يكون قادرا على الانتقال بين الشخصيات المختلفة

الممثل الأميركي: الإخراج مشكلة رائعة.. وأنا مستعد لها الآن أكثر من السابق

في لقطة من آخر أفلامه «من الآن»
TT

يسألني البعض عن المعايير التي تتحكم في الناقد، فإذا بالفيلم الواحد محط اختلاف كبير في وجهات النظر.. هذا يمنحه أعلى قدر من الإعجاب، والثاني يكتفي باستحسانه، بينما يذهب الثالث إلى مهاجمته أو اعتباره واحدا من أسوأ ما شاهده من أفلام. وأحد الأصدقاء يسأل: كيف يستطيع القارئ والحال كذلك أن يثق في النقاد؟

والحقيقة أن معظم الأفلام تشهد تفاوتا في الآراء. قليل منها يشهد إجماعا، وهذا القليل إما أن يحظى بإعجاب الغالبية أو بازدرائها. أما سبب التفاوت فطبيعي: لكل عيناه!.. فما يراه روجر إيبرت غير ما يراه ديفيد دنبي، وكلاهما ناقد جيد، وليست هناك اعتبارات تجارية تحكم العلاقة بين الناقد والشركة المنتجة، لأن ذات الناقد سيهاجم فيلما من ذات الشركة في أي وقت، والنقاد كثر، ولا أحد مستعدا لرشوة أي ناقد. في الحقيقة، لا تنظر معظم الشركات إلى النقاد إلا من خلال رؤيتها إلى الضيف الثقيل: ربما كان وجوده ضروريا في بعض الحالات، لكنه عصي في الإجمال وغير قابل للترويض.

والحال كذلك، فإنه من غير الضروري أن يعتبر القارئ أن كل النقاد سواسية. يجب أن يقرأ لعشرة ثم يختار خمسة وبعد ذلك يستقر على اثنين يلتقي معهما في الأسلوب والنظرة إلى الأمور وبعض ما يستطيعان توفيره من زوايا طرح جديدة تثير الاهتمام.

بعد مرور سنة وشهر على المقابلة الأخيرة مع الممثل الأميركي مات دامون ها هو يجلس أمامنا بنفس الابتسامة الفطنة التي لا تفارقه. إنه يبدو كما لو أنه انتهى من أول بطولة له في فيلم والدنيا لا تسعه من الفرح، أو ربح «أوسكار» ثانية فوق أوسكاره المشتركة مع صديقه بن أفليك قبل أربعة عشر سنة. تلك المقابلة السابقة تمت في مهرجان فينيسيا العام الماضي بسبب عرض فيلمه الجديد (آنذاك) «المخبر»، وفيه لعب شخصية مدير لقسم المبيعات في إحدى شركات الأطعمة يشي برؤسائه على أساس أنهم يتلاعبون بالأسعار ويقومون بصفقات غير شرعية، بينما كان يمارس الأمر نفسه سواء بسواء. منذ ذلك الحين، أي في غضون عام واحد، أنجز آخر لقطات «إنفيكتوس» لكلينت ايستوود، ودخل تصوير «المنطقة الخضراء» لبول غرينغراس، وتبعه على الفور بفيلم «من الآن» لايستوود أيضا، وفي الأسبوع التالي لانتهاء تصوير فيلم ايستوود دخل تصوير فيلم الأخوين كوون الجديد «عزم حقيقي»، وهو الآن في الأسبوع الرابع من تصوير فيلمه الجديد «مكتب التنظيم»، وهو دراما عاطفية على خلفية سياسية.

* كيف تفعل ذلك.. أعلم أنك مطلوب، لكن هل هناك صعوبة في الدخول والخروج من شخصية إلى أخرى؟

- حين اتصل بي كلينت ايستوود ليعرض علي بطولة «من الآن» فكرت أولا في برنامج عملي المزدحم، وأنا أعلم أنه مزدحم جدا. قلت له: هل نستطيع أن نؤخر التصوير من الشهر الثامن إلى مطلع السنة؟ قال «لا». قلت: ماذا لو أجلناه ولو شهرا واحدا؟ قال «أنا جاهز لأبدأ التصوير في أغسطس (آب) ولا أستطيع التأجيل». فكرت: سيناريو من بيتر مورغان، وإخراج من كلينت ايستوود.. كيف لي أن أتلكأ؟ من حسن الحظ أن الأفلام الأخرى لم تكن قد حجزت وحددت تواريخها، مما مكنني من القيام بهذا الفيلم ولو محشورا بين أفلام أخرى. الحقيقة مثلت بعض المشاهد في خريف السنة الماضية، ثم مثلت مشاهد من فيلم آخر في الأشهر الأخيرة من السنة، ثم التحقت به من جديد في مطلع العام الحالي. ما مكنني من ذلك أن السيناريو لم يتطلب وجودي من مطلع الفيلم لآخره.

* ماذا لو تطلب وجودك الدائم.. هل كنت ستلغي أعمالك الأخرى؟

- كنت سأحاول تدبير الأمر بأي وسيلة.. لا تستطيع أن تقول لا لفيلم مع مثل هذه المواهب التي فيه.

* لكن ماذا عن ذلك التنويع الدائم في الشخصية، ودائما بنتائج فنية جيدة؟

- سأعتبر ذلك مديحا. في اعتقادي أن الممثل عليه أن يكون قادرا على الانتقال بين الشخصيات المختلفة.. هذا عمله. وإذا كان الممثل قادرا على قراءة السيناريو جيدا وفهم الشخصية التي سيؤديها جيدا فلا مشكلة لديه، لأن كل شخصية هي بالضرورة مكتوبة بنحو مختلف عن الأخرى. كل كاتب لديه شخصيته، لذلك لا خوف من التكرار أو من عدم القدرة على إيجاد زاوية تعامل مختلفة مع كل شخصية. إلى ذلك أنا أحب هذا النوع من العمل. أنا هنا لأمثل، وهناك الكثير من المشاريع الجيدة التي تستهويني.

* بعد هذا الفيلم انتقلت من الحياة العصرية إلى زمن الغرب الأميركي في «عزم حقيقي».. أليس كذلك؟

- نعم. الحقيقة كان لدي شهر بين الفيلمين أمضيته في التمرين على اللكنة التي سأمثّل بها شخصيتي في فيلم الأخوين كوون. لدي مدرب لهجات اسمه توم مونيش كان معي حين كنت أصور «من الآن»، وبدأت تدريبي معه قبل نهاية فترة التصوير ثم خلال ذلك الشهر الفاصل.

* ماذا تستطيع أن تخبرنا عن «True Grit».. إنه مأخوذ عن فيلم من بطولة جون واين؟

- نعم. لكني أعتقد أن معالجة الأخوين كوون للقصة مختلفة جدا وإلا لما أقدما على إعادة تحقيقه.

* أنت لا تلعب الدور الذي لعبه جون واين..

- لا. جيف بريدجز يفعل، وهو رائع فعلا.

* لكن الفيلم بأسره لا بد أن يكون مختلفا عن نسخة السبعينات من النواحي السياسية أيضا.

- صحيح. كما ذكرت المعالجة ستكون مختلفة تماما، وأقصد أنها ستكون مختلفة في كل شيء.

* واحد من الأسماء المتكررة في «من الآن» تشارلز ديكنز، فحسب شخصيتك تحب رواياته الفيكتورية، وبسببها قررت زيارة لندن. ماذا تقرأ في أوقات فراغك؟

- سأخيب ظنك. القراءة عليها أن تتبع وقت الراحة، ووقت الراحة الوحيد هو ليلا حين أخلد للنوم مع زوجتي بعد أن نتأكد من أن الأولاد خلدوا للنوم أيضا. للأسف لا أقوم بالكثير من القراءة هذه الأيام. لكن تشارلز ديكنز وأنا نعود إلى سنوات سابقة، كان لدي فيها وقت فراغ أكبر. لن أدعي أنني خبير فيه كما شخصية جورج في «من الآن»، لكني أعرف أدبه وعالمه.

* لماذا كان مهما لديك التمثيل في «من الآن».. هل جذبك السيناريو أو العمل مرة ثانية مع كلينت ايستوود؟

* سأقول الاثنين، وأنا أعني ذلك. سيناريو بيتر مورغان رائع، وأنا لا أتحدث عن ثلث الفيلم الذي أظهر فيه، بل عن السيناريو بأكمله، وإخراج ايستوود، وطريقته في العمل، والراحة التي يجلبها معه، والثقة الكبيرة التي يعمل من خلالها، ومن ثم مكانته الكبيرة.. كلها عوامل مهمة.

* هل تعتقد أن كل هذا الكم من الأفلام التي مثلتها يمنحك الثقة على إبداء وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر المخرج إذا تطلب الحال؟

- كل المخرجين الكبار الذين عملت معهم يشتركون في مسألة مهمة معينة: إنهم يستمعون لممثليهم. إذن هي ليست قضية ثقة بل قضية المخرج والممثل في التعامل على نحو متساو. هذا يتطلب ثقة متعادلة من قبل الفريقين. كلينت يستمع لا إلى الممثلين فقط، بل إلى فريق التصوير أيضا. أذكر مرة أنني كنت ضيفا في تصوير فيلم معين، وكان هناك مشهد يتطلب حيلة فاقترحت شيئا.. نظر إليّ الجميع باستنكار لتدخلي، لكن بعد حين فكر المخرج، وعمل بما اقترحت.

* إنها فعلا مسألة تتعلق بالمخرج، وكونك كنت ضيفا وليس عضوا بين العاملين يعني أن المخرج واثق من نفسه.. هل شكرك بمنحك دورا ما في فيلمه؟

- (يضحك) شكرني المنتج، لكني ما زلت بانتظار شكر المخرج. حين كنت أصور «إنفيكتوس» مع كلينت كان هناك مشهد بيني وبين مورغان فريمان. اللقطة الأولي كانت عامة للمكان الذي نحن فيه.

* المكتب؟

نعم ذلك المشهد، ثم لقطة قريبة مباشرة على وجهي من الأمام. استوقفت المخرج لأشرح لماذا أعتقد أنه من الأفضل أن تكون اللقطة جانبية. قبل أن أنهي كلامي، هز برأسه متفهما وأمر بتغيير موضع الكاميرا.

* بعد أن عملت مع بعض أفضل المخرجين الحاليين، هل فكرت في أن تقوم بتحقيق فيلم من إخراجك.. هل هذا التفكير طبيعي؟

- نعم أعتقد أنه طبيعي. في الحقيقة أريد أن أخرج. الإخراج هو مشكلة رائعة، وأنا مستعد لها الآن أكثر من السابق. لكن مع هذه العروض التي أتسلمها للتمثيل مع مخرجين كنت دائما ما أريد العمل معهم، لن أوقف مسيرتي أو أعرقلها. لا أشعر بأن علي القيام بهذه الخطوة الآن.

* ما رأيك في قيام صديقك بن أفليك بالإخراج؟

- أعتقد أنه فيلم رائع. هناك شعور عميق بالرضا بأنك تقف وراء الكاميرا ولو من باب التغيير فقط.