فوضى مواعيد المهرجانات العربية لا تزال مستمرة

موزعة بين أبوظبي والدوحة وقرطاج ودمشق والقاهرة

TT

هل من الممكن أن نجد حلا لتلك الفوضى وحالة التضارب في المواعيد التي تعاني منها كل المهرجانات العربية؟! يبدأ التزاحم العربي العربي مع بدايات شهر أكتوبر (تشرين الأول) ويزداد اشتعالا كلما أوغلنا أكثر في شهر أكتوبر ويواصل السخونة في نوفمبر (تشرين الثاني) ثم يصل إلى الذروة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، لأن الكل يسعى لإنهاء نشاطه السينمائي قبل احتفالات الكريسماس حيث إن أغلب النجوم العالميين يحرصون على قضاء العيد في بلادهم.

الأشهر الثلاثة التي تشهد ذروة الصراع السينمائي تجبر المهرجانات على أن تعرض تقريبا نفس الأفلام الهامة سواء العالمية أو العربية فهم مجبرون على عرض عدد محدود من الأفلام التي حققت رواجا ونجاحا في هذه الأشهر السابقة مباشرة لإقامة المهرجان. مثلا فيلم «نسخة مصدقة» للمخرج الإيراني عباس كيروستامي شاهدته معروضا في مهرجان «أبوظبي» وبعد 48 ساعة فقط من انتهاء «أبوظبي» شاهدته في مهرجان «الدوحة» والأسبوع القادم يعرض في مهرجان «دمشق»، وبعد ذلك سوف تعثر عليه معروضا في «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» الذي يفتتح 30 نوفمبر، لينتقل بعدها بأيام إلى مهرجان «مراكش» وكأنه «كعب داير» في كل المهرجانات العربية.

مثلا النجمة يسرا كانت أحد نجوم افتتاح مهرجان «أبوظبي» بعدها انتقلت إلى «الدوحة» لترأس لجنة التحكيم وقبل يوم واحد من ذهابها إلى «الدوحة» كانت في تونس للمشاركة في افتتاح مهرجان «قرطاج» وبالتأكيد ستشارك بالحضور في مهرجان «دمشق» الذي يفتتح بعد غد كما أنها عضو في المكتب الفني لمهرجان القاهرة وحضورها مفروغ منه وبعد ذلك ستنتقل إلى مهرجان «دبي» لأنها أحد الضيوف الدائمين في «دبي».. وبالطبع ما تفعله يسرا تستطيع أن تجد له تنويعات لأغلب نجوم ونجمات السينما العربية.. الأفلام العربية أيضا تعاني من نفس المأزق فهي أفلام صارت نادرة.

أتحدث بالطبع عن الجيد منها وهكذا مثلا شاهدت الفيلم اللبناني «شتي يا دنيا» في مهرجان «أبوظبي» حصل على جائزة المهرجان وانتقل إلى مهرجان «الدوحة» وسوف يعرض في القاهرة في مسابقة الفيلم العربي.. فيلم «رسائل بحر» عرض في «أبوظبي» داخل المسابقة الرسمية وانتقل بعدها إلى «قرطاج» للمسابقة أيضا.. وظل مهرجان القاهرة لديه مأزق يتكرر سنويا في الحصول على أفلام داخل مسابقته الرسمية حيث إن لائحة المهرجان باعتباره تابعا لاتحاد المنتجين الدوليين الذي يشترط ألا يسمح بعرض فيلم رسميا في المسابقة إذا كان قد سبق له الاشتراك في مسابقة أخرى، ولهذا أنشأ مهرجان القاهرة قبل نحو عشر سنوات مسابقة على هامش فعالياته تمنح جائزة أفضل فيلم عربي حيث لا تخضع هذه المسابقة لشروط الاتحاد الدولي.. وظل مهرجان القاهرة لديه مأزق في العثور على فيلم مصري وليس فقط عربي!! لماذا يرفض صناع الأفلام المصرية المشاركة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وتمثيل بلدهم.. الحقيقة ليست متعلقة بمهرجان القاهرة فحسب، وإنما بمهرجان الإسكندرية أيضا في كل عام يعاني من نفس المأزق يظل المهرجان يلهث من أجل أن يحصل على فيلم مصري لإنقاذ وجه السينما المصرية!! قبل نحو شهرين في مؤتمر صحافي أعلنت إدارة مهرجان القاهرة أنها غير قادرة على العثور على فيلم مصري ولكن بعد الكثير من المحاولات وأيضا الاعتذارات تمكنت من الاتفاق على فيلم «شوق» لخالد الحجر يعرض في المسابقة الرسمية لأنه لم يسبق عرضه في أي مسابقة رسمية من قبل، وسوف يعرض في المسابقة العربية فيلما «الطريق الدائري» لتامر عزت وهو من الأفلام محدودة التكاليف، وأيضا «الميكروفون» لأحمد عبد الله الحاصل مؤخرا على جائزة مهرجان قرطاج «التانيت الذهبي» لأفضل فيلم عربي وأفريقي.. لم أشاهد الأفلام الثلاثة ولا أستطيع أن أحكم عليها فنيا ولكن كثيرا ما اضطر المهرجان في دورات سابقة إلى الموافقة على عرض أفلام مصرية داخل المسابقة الرسمية دون المستوى من أجل ألا يتساءل أحد؛ كيف نقيم مهرجانا مصريا ولا تشارك فيه مصر إلا على الهامش.

والحقيقة أن إدارة المهرجان ليست جهة منتجة للأفلام وبالتالي غير مسؤولة عن عدم مشاركة الأفلام المصرية.. وتقلصت الجاذبية وتضاءل الحرص من منتجي الأفلام على الوجود في المهرجان خاصة بعد انطلاق مهرجانات خليجية وهي على الترتيب طبقا للأقدم زمنيا «دبي»، «أبوظبي»، «الدوحة» ثلاثة مهرجانات تمنح السينما العربية مساحات من الاهتمام وأيضا ترصد جوائز تصل إلى قرابة مليون دولار. ولهذا فإن المنتجين والنجوم والمخرجين صاروا يذهبون إلى هذه المهرجانات التي تدفع مقابلا ماديا ضخما لمن يحصل على الجائزة..

الغريب في الأمر أن فيلم «المسافر» الذي أنتجته أيضا وزارة الثقافة المصرية لم يشارك في مهرجان القاهرة في الدورة الماضية بينما شارك في «فينسيا» ثم «أبوظبي» ثم «دمشق» ثم في نهاية الأمر شارك في مهرجان الإسكندرية قبل شهرين؟! تاريخيا، «مهرجان القاهرة» هو أول مهرجان عربي يرصد ميزانية للفيلم العربي الفائز مقدارها 100 ألف جنيه، وذلك قبل نحو 15 عاما وكانت تساوي وقتها نحو 30 ألف دولار الآن صارت لا تتجاوز 18 ألف دولار، وهو مبلغ هزيل بالطبع خاصة لو قارنته بالمهرجانات الخليجية الثلاثة..

أضاف المهرجان مؤخرا جائزة للسيناريو تصل أيضا إلى 18 ألف دولار ولكن في كل الأحوال الإغراء المادي لم يعد يشكل أي عامل جذب للفيلم المصري ولا الفيلم العربي لأن المهرجان يعاني أيضا من تضاؤل إقبال الأفلام التي تمثل السينما العربية.. أتذكر مثلا أنه في العام قبل الماضي عرضت إدارة المهرجان على إلهام شاهين منتجة وبطلة فيلم «خلطة فوزية» الاشتراك رسميا وبعد أن رحبت إلهام تلقت دعوة من مهرجان «أبوظبي» في دورته الثانية التي أقيمت عام 2008 في موعد يسبق مهرجان «القاهرة» بنحو شهر ونصف وتقضي شروط مهرجان «القاهرة» بأن المسابقة الرسمية لا تسمح إلا بالعرض الأول للفيلم، ولهذا لم يتمكن «خلطة فوزية» من المشاركة رسميا في مهرجانا القاهرة وذهبت بالفيلم إلى «أبوظبي» وبالفعل حصلت إلهام على جائزة أفضل ممثلة وقدرها 75 ألف دولار!! في العام الماضي حاول مهرجان القاهرة أن يعرض فيلم «بالألوان الطبيعية» ورغم أن المخرج أسامة فوزي كان قد اتفق مع مهرجان «أبوظبي» على العرض فإن النسخة لم تكن جاهزة ولهذا لم يعرض في «أبوظبي» وانتظرنا أن يعرض في مهرجان القاهرة، لكن المخرج بعد أن اكتشف أنه لن يلحق بـ«أبوظبي» حاول أن يعرض فيلمه في «دبي» متجاوزا «القاهرة». لم تنجح محاولته في «دبي» وفاته «القاهرة»!! فيلم «الحاوي» لإبراهيم بطوط المخرج والمنتج شارك به في مهرجان «الدوحة» في دورته الثانية.. الفيلم تم إنتاجه في إطار السينما المستقلة المحدودة التكاليف ولهذا فإن الجوائز بالتأكيد تشكل عامل جذب خاصة إذا علمنا أن تكلفة هذا الفيلم قبل المونتاج لم تتجاوز 6 آلاف دولار وذلك طبقا لما أكده مخرج ومنتج الفيلم «إبراهيم بطوط» ولهذا لم يفكر المخرج في الذهاب به لمهرجان «القاهرة» وحصل من «الدوحة» على 100 ألف دولار قيمة جائزة أفضل فيلم عربي.. أيضا فيلم «ميكروفون» للمخرج أحمد عبد الله شارك في مهرجان «روتردام» قبل شهرين وهو يقع أيضا في إطار الأفلام المستقلة حصل أيضا على جائزة «قرطاج» ولن يصبح أمامه فرصة لكي يشارك في المسابقة الرسمية التي تشترط أن الفيلم يعرض لأول مرة في المهرجان ولهذا يمثل مصر في مسابقة أخرى وهي المسابقة العربية التي تسمح للفيلم الذي سبق له المشاركة في أي مهرجان أن يتنافس فقط في تلك المسابقة الهامشية.

تستطيع أن تجد أيضا في هذا المأزق حالة التزاحم في فترة زمنية محدودة.. لو عقدنا تنسيقا فيما بينها بالتأكيد سوف تعثر على أفلام ولن تكرر نفس العروض. بالطبع يبدو أن الحل نظريا سهل إلا أن صناع المهرجانات لو سألتهم ستكتشف أنهم ليسوا أحرارا في تحديد الموعد، إنهم مرتبطون بالرعاة مثل شركات الطيران التي تمنح تخفيضات لإدارة المهرجان لديها مواعيد محددة تستطيع خلالها فقط أن توافق على هذا التخفيض الذي تمنحه للمهرجان وما ينطبق على شركة الطيران يتكرر أيضا في الفنادق التي تمنح تخفيضات هائلة لإدارة المهرجانات ولكنها تشترط اختيار التوقيت المناسب بالنسبة لها وليس بالضرورة أن يصبح مناسبا للجمهور، ولو لم تتوافق المواعيد التي تحددها شركات الطيران والفنادق فلن يقام المهرجان ومن هنا تبدو لي الأزمة على الأقل في المستقبل القريب غير قابلة مع الأسف الشديد للحل!!