كلينت إيستوود لـ«الشرق الأوسط»: السن ليس شرطا لكي تقدم فيلما جيدا

اكتفى بالإخراج وكتابة الموسيقى واعتبر ذلك تحد كاف

كلينت إيستوود يشرح موقفا
TT

يخفق الكثير من الذين يطرحون السؤال المتكرر حول كيف يقام مهرجان سينمائي ما في بلد بلا إنتاج سينمائي أو بإنتاج سينمائي ضئيل، في الوقوف على واحد من أهم الأسباب: الجمهور.

يطرح السؤال هذه الأيام بسبب إقامة مهرجان دمشق السينمائي الدولي، لكنه طرح منذ سبع سنوات، عندما انطلق مهرجان دبي، ثم طرح مرة أخرى حين انطلق مهرجان أبوظبي، وطرح مؤخرا أيضا مع الدورتين الأولى والثانية من مهرجان الدوحة.

ذات مرة سألت كلينت إيستوود عما إذا كان يود العودة إلى التمثيل، أو أن الإخراج بات شغله وشاغله الوحيدين. رد قائلا: إذا ما كان هناك دور جيد فلم لا؟ حدث ذلك في باحة استوديوهات «وورنر» خلال مقابلة بمناسبة واحد من أفضل أفلامه «رسائل من إيوو جيما»، بعد سنوات على تحقيق ما بدا آخر فيلمه من تمثيله وهو «مليون دولار بايبي». بعد سنتين فقط، وجد في نص بعنوان «غران تورينو» دورا يستطيع أن يلعبه، عاكسا فيه أفكارا متجانسة مع ميوله السياسية وأفكاره الاجتماعية، حول ما آلت إليه الحياة في المدن خلال السنوات الثلاثين الأخيرة. لكن الواضح أن ابن الثمانين، وبحكمة من يصل إلى تلك السن، بات سعيدا بالاكتفاء بالإخراج وكتابة الموسيقى، معتبرا أن ذلك تحد كاف. المهم عنده هو العمل المتواصل، وهذا هو المهم أيضا عند كثيرين من الذين يعتبرونه اليوم أفضل مخرج أميركي وآخر علامات السينما الكلاسيكية الأميركية.

* لاحظت أنه حتى من قبل «من الآن» لديك اهتمام بالموت. هل بدأ العد؟ كثيرة هي أفلامك التي تتحدث عن الموت في صفة أو أخرى. أتساءل ما نظرتك الخاصة للحياة؟

- نظرتي الخاصة إلى حياتي أنا هي أنني لا أفكر كثيرا بما يكمن بعدها. أشعر بأننا نمنح فرصة وحيدة للعيش في هذا العالم، وعلينا أن نستغلها بعناية وأن نحسن التصرف بها. عليك أن تستفيد من هذه الفرصة، بصرف النظر عما تريد أن تنجزه في حياتك. بصرف النظر عن الحقل أو المهنة التي تريد أن تعمل فيها. لا يهم إذا كنت تريد أن تكون كاتبا أو رئيس طباخين في مطعم. حياتك هي الفرصة لتحقيق ذلك، وعليك أن تفعل أفضل ما تستطيع فعله من أجل تحقيق هذه الغاية. لكن إذا كنت قلقا على مستقبلك فلن تستطيع أن تتقدم في حاضرك على الإطلاق. هذه هي الفرصة المتاحة لنا.

* أنت مثال واضح على أن السينما لا تعرف التمييز القائم علي السن. يقولون دائما إن هوليوود منحازة للشبان، لكني أراك وأرى عددا كبيرا من الممثلين الذين تجاوزا سن الشباب وما زالوا في العمل.. هل من تفسير؟

- أعتقد أن هوليوود لديها الكثير من الأدوار التي تمنحها للممثلين الشبان. هناك سيناريوهات أكثر أبطالها شبان أو دون الأربعين مثلا. لكن في الوقت ذاته السن ليست شرطا لكي تقدم فيلما جيدا. حين كنت أصغر سنا سألت نفسي لم يتوقف بعض المخرجين عن العمل في سن ليست كبيرة. لكن البعض مارس المهنة حتى سنوات حياته. جون هيوستون كان يخرج «الميت» مقعدا على كرسي، وهناك مخرج برتغالي لا يزال يعمل وقد تجاوز المائة.. نسيت اسمه.

* مانويل دي أوليفيرا؟

- هذا هو. هناك دائما الحاجة لدى المخرج، وفي اعتقادي لدى الممثل، ولدى الكاتب لتقديم إضافة جديدة على حياته، كفيلة بأن تعبر عنه مجددا في كل مرة. هوليوود مثل غيرها قد تبحث عن الوجوه والأسماء الجديدة، لكن إذا ما كان هناك فنان كبير لا يزال قادرا على إنجاز أفلام جيدة، فستتيح له الفرصة أيضا، وبطبيعة الحال هؤلاء هم أقل عددا.

* في فيلمك «عشر دقائق أولى» تعتمد على الكومبيوتر والغرافيكس، قلما نجد ما يوازيها إتقانا في أفلام كلها مؤثرات على الرغم من أنك لست مخرج مؤثرات. كيف تفسر ذلك؟

- أنا ما زلت أتعلم (يضحك). كل يوم هناك جديد علينا أن نتعلمه. لكني أقدمت على بعض المؤثرات الخاصة في أفلام سابقة. المؤثرات تؤدي إلى التحسن تقنيا، إلى درجة أن ما هو متوفر اليوم لم يكن متوفرا قبل سنوات قليلة. لكن المسألة مكلفة لدرجة أنك تريد أن تستفيد من كل لقطة استفادة فعلية.

* كيف توصلت إلى تحديد اللقطات المطلوبة لإتقان ذلك المشهد؟ هل شاهدت أفلاما وثائقية مثلا؟

- لدينا شخص مسؤول اسمه مايكل أوونز مهمته هي البحث عن المصادر التي تجعل الفيلم يبدو واقعيا. استخدمته أول مرة حين أخرجت «رعاة بقر الفضاء»، ثم في «رايات آبائنا» و«رسائل من إيوو جيما». هو من أسندنا إليه مهمة البحث عن أفلام وثائقية لكي نستوحي منها المشهد المذكور.. ولم نعتمد فقط على الأفلام الإخبارية، بل على الكثير من الأفلام التي صورها هواة.

* هذه هي المرة الثانية التي تسند فيها دورا للممثل مات دايمون. لا بد أنك وجدته مناسبا لمنوالك من الأبطال.

- ما يعجبني في مات أنه ممثل لا يمثل. أداؤه يعكس ذلك. إنه قادر على لعب الشخصية على نحو مبطن وهادئ. على نحو مستقر، فلا تشعر بأنه يمثل. ليست لديه حيل خلال الأداء على الرغم من أنه يستطيع أن يفعل ذلك. هناك ذلك الفيلم الذي لعب فيه دور المخبر.... ما اسمه؟

* اسمه «المخبر»، ليس «المخبر» الذي أخرجه جون فورد في الأربعينات. مات دايمون لم يكن ولد حينها.

- طبعا (يضحك)، فقط لا أريد أن يخلط أحد بين الفيلمين. المهم أن ذلك الدور يجسد نوعية أدائه تماما لأنه يقدم شخصا يريد أن يتوسع ويصبح ثريا ويحقق طموحات ولو بطرق غير مشروعة. ممثل آخر كان قد قدم عرضا يستند إلى تلك الرغبات وحدها، لكنه أراد تجسيد شخصية «جوانية» للوصول إلى ذلك. أدواره المماثلة كثيرة. لقد انتقل كاتبا ناجحا، والآن أصبح ممثلا ناجحا ولاحقا يريد أن يصبح مخرجا ناجحا.

* هذا يذكرني بشخص اسمه كلينت إيستوود. هو أيضا بدأ ممثلا ناجحا ثم مخرجا ناجحا.. لكنه لم يكتب سيناريوهاته.

- لكنه كاتب في حقل آخر. تكتب موسيقى أفلامك. هنا كتبت لحنين، أولهما نسمعه في المشاهد الأولى من الفيلم، ولم أستطع سوى ملاحظة شبهة بموسيقى المشهد الأول من فيلم «غير المسامح».

حسنا. كتبت موسيقى «غير المسامح» وأنا في طريقي إلى مكان التصوير. أما هذا فكتبته بعد عودتي من المونتاج في وقت متأخر من الليل. جلست وكتبت. تشابها. هذه ملاحظة صحيحة على الرغم من أن اللحن نفسه مختلف.

لكن كل ذلك يحمل النغم الهادئ وبآلات عزف قليلة جدا صحيح. أحب الموسيقى التي تمشي مع المشهد. التي تصاحب ما يقع فيه. في الفيلم السابق كان الممثل (إيستوود نفسه) يعمل في الحقل. اللقطة بعيدة والنهار في مطلعه والموسيقى تأتي لكي تنساب وتؤكد هذا الجو. هنا لتحضيرنا بأقل قدر ممكن من لفت النظر إلى ما سيقع بعد قليل. استعنت أيضا بموسيقى رحمانينوف، وضعتها في بعض مشاهد الولدين.

* بعد هذا الفيلم ستعود إلى الخمسينات والستينات لتقدم حياة «ج. إدغار هوفر»، رئيس الـ«إف بي آي». في أي ضوء ستقدمه؟

- لقد عايش تحولات كثيرة مرت عليه. بدأ عمله في الـ«إف بي آي» قبل الخمسينات حين كانت الولايات المتحدة تخرج من الأزمة الاقتصادية الكبرى وتدخل حروب عصابات ثم حروب آيديولوجيات. المشروع سيذكر مراحل من حياته، لكن مراحل مختارة. لن يكون فيلما عن حياة كاملة.

* هل سيقوم ليوناردو دي كابريو ببطولة الشخصية كما يتردد؟

- ليوناردو يريد ذلك، ونحن (يقصد شركته الإنتاجية ملباسو) مستعدون. في الواقع التصوير سيكون في مطلع العام المقبل. في الأسابيع الأولى.

* لا أحد يعرف ما الذي يتوقعه من فيلم إيستوود المقبل. أنت في سن متقدمة، لكنك أكثر نشاطا من نصف المخرجين الشباب. من أين تأتي بهذا الزخم والحيوية؟

- من حبي للعمل. أنا أحب أن أعمل. كل فيلم يحمل تحديا جديدا. السيناريو الجيد أو الكتاب الجيد هو عادة إلهام ضروري، وهو تحد يزداد صعوبة كلما كان أكثر جودة. المخرج عليه أن ينقل نصا جيدا إلى صور لا تخيب النص أو تسيء إليه. لكن أساسا أحب العمل وأمارسه بمتعة شديدة.