3 وجوه لـ«تحية كاريوكا»

غادة عبد الرازق.. وفاء عامر.. رانيا يوسف

TT

من هي «تحية كاريوكا»؟.. «وفاء عامر» أم «غادة عبد الرازق» أم «رانيا يوسف»؟!. ثلاثة وجوه لفنانة واحدة سوف تجد نفسك حائرا في الاختيار بينها، حيث يجري تصوير مشوار حياتها في مسلسل، وفي الوقت نفسه يتم الإعداد لتصوير مسلسلين مأخوذين عن فيلمين شهيرين لها هما «شباب امرأة» و«سمارة».

مسلسل «تحية كاريوكا» بطولة «وفاء عامر»، ومسلسل «شباب امرأة» رانيا يوسف، ومسلسل «سمارة» غادة عبد الرازق، وحتى الآن لا يزال ورثة «تحية كاريوكا» غاضبين يثيرون القضايا ضد صناع مسلسل «تحية كاريوكا» الذي بدأ بالفعل تصويره.. وتقمصت «وفاء عامر» ملامح «تحية» في مرحلة الشباب والشيخوخة بالمسلسل الذي يخرجه «عمر الشيخ».

«تحية كاريوكا» في هذا المسلسل هي الإنسانة، وليست فقط الفنانة بالطبع، هكذا ستبدأ الأحداث بالطفلة التي ولدت عام 1915 باسم «بدوية محمد كريم» في مدينة الإسماعيلية، ثم هربت للإسكندرية وهي لا تزال طفلة، وعاشت معارك الحياة لتصنع اسمها. بينما معركة أخرى تشهدها المحاكم الآن لا تزال محتدمة، حيث إن الورثة يصرون على حصولهم على 5 ملايين جنيه رغم تدخلات «رجاء الجداوي» ابنة شقيقة «تحية» ومحاولتها إقناع الورثة بالترضية بمبلغ أقل بعيدا عن ساحة القضاء.

أغلب الظن أن صناع المسلسل لن يتوقفوا، لأن المخرج «عمر الشيخ» بدأ التصوير، وتراهن «وفاء عامر» على أن هذا المسلسل سوف يضعها في مكانة فنية تترقبها وتنتظرها خاصة أنها نجحت في أداء دور «الملكة نازلي» في مسلسل «فاروق» قبل ثلاثة أعوام.. لقد شهدت كواليس مسلسل حياة تحية كاريوكا صراعا حادا بين كل من «نبيلة عبيد» و«نادية الجندي» و«فيفي عبده» و«سمية الخشاب»، قبل أن يصل إلى «وفاء عامر».. الحقيقة أن اختيار حياة «تحية كاريوكا» كسيرة ذاتية يتجاوز مجرد سرد حياة فنانة كبيرة، لأن لها دورا وطنيا كبيرا بدأته مع انطلاق ثورة يوليو (تموز) 1952.. عطاء «تحية كاريوكا» لم يتوقف عند حدود الإبداع الفني، إنه وجود إنساني في أغلب المجالات السياسية والاجتماعية والوطنية.

عندما قامت الثورة كانت لها بعض الآراء في الممارسة السياسية لرجال الثورة المصرية، ودخلت السجن السياسي لمدة 101 يوم بتهمة الانضمام إلى تنظيم يساري اسمه «حدتو»، وهذه الكلمة اختصار لتعبير «حركة ديمقراطية للتحرير الوطني»، وداخل السجن لم تفقد المقاومة، بل زادتها جدران السجن إصرارا، وقادت المظاهرات من داخل الزنزانة، ورفعت شعار «ذهب فاروق وجاء فواريق» تقصد الضباط الأحرار!! وبعد الإفراج عنها شاركت في كل المناسبات الوطنية، فلم تفقد أبدا إيمانها بالثورة رغم كل هذه الانتقادات التي وجهتها إليها، وهكذا وقفت في أول الصف في كل ما عاشته مصر من مواقف وطنية، مثل أسبوع التسليح، حروب 56 و67 و73، وكانت تحية أول من يتطوع في الهلال الأحمر وآخر من يغادر الموقع. وأثناء الحصار الإسرائيلي للفلسطينيين في الثمانينات في بيروت كانت «تحية» أيضا أول من يذهب إلى هناك مع المناضلين الفلسطينيين! هذا التاريخ الوطني الحافل لتحية كاريوكا لا ينافسه إلا تاريخها الفني المرصع بعشرات الأعمال الفنية العظيمة، فقد قدمت المسرح السياسي الذي حمل اسمها من خلال فرقتها المسرحية، وكان الفنان الراحل «فايز حلاوة» يكتب ويخرج ويشارك أيضا بالتمثيل في هذه المسرحيات التي تلعب بطولتها «تحية».

قدمت «تحية كاريوكا» للسينما 117 فيلما روائيا، بدأتها عام 1935 بفيلم «الدكتور فرحات» مع المخرج «توجو مزراحي»، وقدمت «تحية» في هذا الفيلم تابلوهات راقصة.. تكررت أيضا تلك التابلوهات في أفلام «وراء الستار» لكمال سليم، و«خلف الحبايب» لفؤاد الجزايرلي، و«ليلى بنت الريف» لتوجو مزراحي، فقد كانت أغلب هذه الأفلام لا تخلو من رقصة أو أكثر، وكانوا يستعينون بتحية كاريوكا الراقصة باعتبار أنها النجمة الصاعدة في هذا المجال.

ثم تأتي مرحلة فارقة وفيلم لا ينسى وهو «لعبة الست»، وكان لي أكثر من لقاء مع «تحية كاريوكا» سجلت بعضها في كتاب أصدرته عنها قبل نحو 20 عاما باسم «فنانة لا تعرف الماكياج»، سألتها عن دور «نجيب الريحاني» في حياتها فأجابتني قائلة «قبل أن أصل إلى نجيب الريحاني أتذكر أستاذي سليمان نجيب.. كان سليمان نجيب هو الأب الروحي والموجه لي.. كان يعلم أن الفنان لا يمكن أن يستغني عن العلم، ولهذا شجعني على دراسة الإنجليزية والفرنسية، وقال لي إنه ينبغي أن أدرس الباليه، وهذا ما فعلته، بل إنه اتفق مع السيدة القديرة مدام (رطل) التي كانت إلى عهد قريب تتولى تدريب الأصوات الغنائية على فن الأداء.. ورغم أنني لم أكن غنيت، ولم يكن أيضا في نيتي أن أغني، فإن سليمان نجيب ألحقني عند مدام (رطل)، وهو الذي رشحني لمشاركة نجيب الريحاني بطولة (لعبة الست).. وقد رفضت في البداية خوفا من الوقوف أمام هذا العملاق، وقلت له إنني مشغولة بالتصوير في فيلم آخر لحساب توجو مزراحي، وتصور سليمان بك - تقصد سليمان نجيب - أنني أعترض على العقد، وتعاقدوا معي على 2500 جنيه مصري، وهو أعلى رقم بمقياس تلك الأيام عام 1946، وكان وقتها سعر الجنيه المصري عشرة أضعاف الإسترليني»، وأضافت تحية «الريحاني هو أستاذ الإبداع الأول في الفن المصري».

أما العمل الفني الذي صار مرادفا لتحية كاريوكا فهو بلا شك دور «شفاعات» في «شباب امرأة» عام 1956 للمخرج «صلاح أبو سيف»، والذي حصلت من خلال دورها فيه على جائزة الدولة، فهذا الدور يبدو وكأنه ينادي على «تحية كاريوكا»، فقد ذابت تماما الحدود الفاصلة بين الدور والشخصية التي تؤديها.. «شفاعات» هو ذروة أدوار بنت البلد، ليس فقط في تاريخ «تحية كاريوكا» بل في تاريخ السينما العربية.. هذه الشخصية التي أدتها «تحية كاريوكا» برغباتها المحمومة كان من الممكن أن تسقط في الفجاجة والنمطية، لكن «تحية» قدمت هذا الدور بأستاذية، وبعدها اكتشفنا أن أكثر من فنانة تحاول أداء هذه الشخصية لكنهن يسقطن وهن يحاولن تقليد «تحية كاريوكا». لقد صار دور «شفاعات» هو ترمومتر أداء دور بنت البلد.

وقالت لي «تحية كاريوكا» إنه عندما رشحها «صلاح أبو سيف» لبطولة فيلم «شباب امرأة» أخبرها هو وكاتب القصة أمين يوسف غراب «ليس لدينا أجر، لا توجد ميزانية للممثلين، فقط لدينا فيلم».. قرأت «تحية كاريوكا» القصة وقالت لهما «أنا معكما من دون أجر»، واتصلت بشادية التي كانت تلعب وقتها أدوار البطولة المطلقة وقالت لها «تحية كاريوكا» الدور صغير ولا يوجد أجر.. قالت شادية «أنا معكم»، وكان حماس «شادية» هو الدافع لإنتاج هذا الفيلم، حيث إن الموزع اشترط موافقة «شادية» التي لعبت هذا الدور لمساندة «تحية».

قالت لي تحية كاريوكا إن «شباب امرأة» و«أم العروسة» و«لعبة الست» وغيرها من الأفلام التي نجحت مع الناس كان السبب الرئيسي فيها هو «جلسات العمل التي نشارك فيها، لقد كان عبد الوارث عسر يلتقي معي أنا وصلاح أبو سيف والسيد بدير وأمين يوسف غراب، ونتناقش في كل التفاصيل، ولهذا يتذكر الناس (شباب امرأة) حتى الآن، وشاركنا بهذا الفيلم في مهرجان (كان) السينمائي، يومها ارتديت الجلباب البلدي مع نجوم العالم الذين حضروا للمهرجان». ونفت لي «تحية» ما تردد وقتها بأنها رفعت الحذاء في وجه النجمة «ريتا هيوارت» المعروفة باتجاهاتها الصهيونية، وقالت لي «تحية»: «هذا لم يحدث، إنها مجرد إشاعات».. ولكل هذه الأسباب أرى أن «رانيا يوسف» تتطلع لتحقيق قفزة عند الجمهور من خلال هذا الدور!! كانت «رانيا يوسف» قد قدمت دورا لا ينسى في «أهل كايرو»، بطولة «خالد الصاوي» في رمضان الماضي، وهكذا صار فيلم «شباب امرأة» أول اختيار واختبار لها في أول بطولة مطلقة لتضعها في مكانة تنتظرها منذ سنوات بعيدة، لأن «رانيا» بدأت مشوارها الفني قبل أكثر من 17 عاما.

وتبقى في هذه الجعبة الورقة الرابحة الأولى، أتحدث بالطبع بالأرقام، وهي «غادة عبد الرازق»، حيث تم التعاقد معها على أن تقدم مسلسلا باسم «سمارة»، مأخوذ عن واحد أيضا من أشهر أفلام «تحية كاريوكا».. الأرقام تقول إن «غادة» تحصل على 12 مليون جنيه (أكثر من مليوني دولار) بينما لا يتجاوز أجر النجمات الثلاث الأوليات «يسرا»، «إلهام شاهين»، «ليلى علوي»، مليون دولار. أي أن «غادة» صارت جاذبيتها بالأرقام ضعف أي نجمة أخرى مصرية أو عربية. صارت «غادة» هي نموذج الأنثى الصارخة الأنوثة، وهي تريد أن تؤكد ذلك باختياراتها الفنية من «الباطنية» إلى «زهرة» إلى «سمارة».

و«سمارة» الفيلم الذي قدمته السينما المصرية منذ 55 عاما هو عمل فني متواضع المستوى الفني، رغم نجاحه التجاري الطاغي، أخرجه «حسن الصيفي»، ويتناول حياة هذه المرأة المطحونة التي صارت هي الحاكم الآمر الناهي في مملكة المخدرات، هذه التيمة التجارية شاهدناها في الكثير من الأعمال الفنية، وآخرها مسلسل «الباطنية» الذي لعبت بطولته أيضا «غادة» في رمضان قبل الماضي ووضعها على القمة الرقمية لتواصل قفزاتها بعدها. «سمارة» في الفيلم تلقى حتفها على يد أحد عشاقها.. تلك النهاية تحديدا من الممكن أن يعيد الكاتب الدرامي «مصطفى محرم» والمخرج «محمد النقلي» النظر فيها مرة أخرى، وهما الثنائي الذي انطلق مع «غادة» كبطلة منذ «الباطنية» إلى «زهرة وأزواجها الخمسة».

ويبقى أننا بصدد معركة ثلاثية بين ثلاث نجمات: «وفاء عامر»، «غادة عبد الرازق»، «رانيا يوسف».. كل منهن ستقدم بشكل أو آخر تنويعة على حياة «تحية كاريوكا»، ولا شك أن مسلسل حياة «تحية كاريوكا» هو الأقرب للإنسانة «تحية».. لكننا لا يمكن أن نغفل أن الناس كثيرا ما يحطمون الخط الفاصل بين الفنان والإنسان، وهكذا من الممكن أن يشاهدوا أيضا شفاعات «شباب امرأة» وسمارة في «سمارة» باعتبارهما وجهين لتحية كاريوكا.. لن يتجاوز أحد الحقيقة لو اعتبر أن الدراما النسائية القادمة هي دراما «تحية كاريوكا»!