يحيى سعادة.. رحل وهو يحلم بتصوير فيلم سينمائي

كان يتمنى أن يعمل مع رامي عياش وكاظم الساهر وسميرة سعيد

يحيى سعادة
TT

افتقدت الساحة الفنية اللبنانية أحد أهم مخرجي الأغنية المصورة يحيى سعادة الذي لقي حتفه إثر صعقة كهربائية أصابته وهو في موقع التصوير الخاص بأغنية للفنانة مايا دياب في مدينة أزمير التركية. وأثار رحيل يحيى سعادة حزنا عارما بين أصدقائه وزملائه ونجوم أهل الفن الذين اعتبروا غيابه عن الساحة خسارة فنية كبيرة، خاصة أنه عرف بأنه صاحب الأعمال المثيرة للجدل، التي لم تكن تمر مرور الكرام؛ إنْ بسبب أفكاره الخارجة عن المألوف، أو التقنية المتطورة التي يستعملها أثناء تصوير الفيديو كليب.

ولطالما انتقد يحيى على جرأته في تقديم الفكرة وتنفيذها، وكان يعتبر ذلك عاملا إيجابيا بالنسبة له لأن الأعمال التافهة فقط هي التي لا يتم التحدث عنها.

وشاءت الصدف أن تكون إحدى إطلالاته التلفزيونية الأخيرة في برنامج «آخر الأخبار» على قناة «روتانا» الموسيقية بمثابة الوداع الأخير وبطريقة غير مباشرة للمشاهدين وأصدقائه عندما صرح أنه بصدد التحضير لتصوير فيديو كليب للفنانة مايا دياب وآخر لآمال ماهر ومن ثم تكون نهاية عام 2010 متمنيا للجميع سنة جديدة قائلا: «ينعاد علينا وعليكم بالخير إن شاء الله». فقال كلمته ومشى.

وفي إطلالة تلفزيونية أخرى في برنامج «مش غلط» الذي يعرض على قناة «إم تي في»، رد يحيى سعادة على أحد أسئلة مستضيفه وسام بريدي حول مدى خوفه من يوم الحساب قائلا: «لا أخاف من هذا اليوم، وبرأيي أن كل يوم نعيشه هو يوم حساب، وعلينا أن نحاسب فيه أنفسنا».

وغير تلك الإشارتين لم يعتر يحيى سعادة في أيامه الأخيرة أي إحساس غريب أسر به لأحدهم حول شعوره بشكل أو بآخر باقتراب ساعته الأخيرة. وتقول مايا دياب التي كانت آخر فنانة يتعامل معها سعادة قبيل موته، إنه اعتراها شعور غريب عندما علمت أن محطة القطار التي كان من المقرر تصوير الأغنية فيها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في إسطنبول قد احترقت فطلبت من يحيى تغيير السيناريو والانتقال لموضوع آخر، إلا أنه أصر على الفكرة قائلا لها إنه حجز في محطة قطار أخرى في مدينة أزمير، وعندما احتجت بأن المدينة بعيدة أجابها: «لا تهتمي للأمر، سأسبقك إلى الموقع قبل يومين لأحضر كل شيء وليتم التصوير في أقل وقت ممكن». وتضيف مايا: «لم يفارقني هذا الشعور، وقبل أن يسافر قلت له: (إنني أشعر بالتعب وأريد أن ألغي التصوير، أو نقوم به في لبنان). إلا أنه أصر على تنفيذ العمل في موعده المحدد وكأنه كان يستعجل الرحيل من دون أن يدري».

وتضيف مايا: «وقع المصيبة كان ثقيلا علي وعلى باقي أفراد طاقم العمل، وقد ننفذ فكرة الكليب ونهديها إلى روح يحيى سعادة عندما نصبح جاهزين لهذه الخطوة».

ويحيى سعادة الذي سبق أن تعاون معه عدد كبير من نجوم الفن في لبنان أمثال هيفاء وهبي وكاتيا حرب ونجوى كرم وميريام فارس وكارول صقر ونوال الزغبي وأمل حجازي وجنين د. وغيرهم، لم يتعامل سوى مع إيوان وجاد شويري من النجوم الذكور، وعندما سئل في إحدى إطلالاته التلفزيونية عن الأسماء التي يحب أن يتعامل معها يوما ما من هذه الفئة أجاب: «أحب أن أتعاون مع رامي عياش وكاظم الساهر»، واستبعد أن يدق بابه يوما ما المطرب محمد عبده، في حين تمنى أن تقف المطربة سميرة سعيد أمام كاميرته.

ودافع أكثر من مرة عن أعماله المصورة؛ فيحيى سعادة الذي بدأ عمله في مجال التصوير كمدير فني مع المخرجين نادين لبكي وسعيد الماروق، شاء أن ينتقل منذ سنوات قليلة إلى الإخراج بعد أن وجد لديه طاقة في هذا المضمار أراد تفجيرها، ووصف نفسه أكثر من مرة بأنه أصبح في طور النضوج ولم تعد تثير عصبيته الأمور الصغيرة، فكان يجد في الرد على الانتقادات التي تلاحقه لذة وحقا من حقوقه الطبيعية. ومن شاهده في حلقة «بدون رقابة» مع المذيعة وفاء الكيلاني شعر بموضوعية يحيى سعادة وحبه الكبير لعمله حتى إن المذيعة نفسها أشادت بأجوبته قائلة: «لقد تغيرت كثيرا يا يحيى وصرت أكثر نضوجا».

ويعتبر كليب «مكانه وين» للمطرب ميريام فارس أحد أكثر الأعمال المصورة له التي انتقدت من قبل أهل الصحافة والمجتمع، وتظهر فيه المطربة المذكورة على الرمال الصحراوية تضع خلخالا في قدمها وترقص بشكل مثير، فأوضح أن الرقص الشرقي يعتمد على الحركات المثيرة؛ إنْ في هز الخصر أو البطن، وأنه أراد في هذا الكليب أن يتحدث عن تطور المرأة عبر الصحراء وصولا إلى المدينة.

أما في كليب «مناك عيني» لنوال الزغبي، الذي وقعه بعبارة «الأرض تتحدث.. استمعوا إليها» فقد ظهرت فيه الزغبي في لوحات راقصة تعبيرية ترافقها فيه بعض الفتيات وقد ارتدين زيا شبيها بحورية البحر مستعملا خلفية بيضاء ركز فيها على تحركات غريبة في السماء؛ الأمر الذي جعل البعض ينتقد الكليب لغرابته، وبأنه لا يليق بفنانة كنوال الزغبي، وكان رد يحيى سعادة واضحا على الموضوع عندما قال إن «الكليب يتكلم باسم كوكب الأرض الذي حزن جراء معاملة الإنسان له، وأن الاحتباس الحراري الذي يعاني منه هذا الكوكب هو نتيجة أعمال الإنسان الذي يلهث وراء التكنولوجيا، وعندما يريد أن يرتاح لا يتوانى عن السفر إلى تاهيتي ليجلس تحت شجرة النخيل ويتمتع بالطبيعة، ونحن نملك هذه الشجرة نفسها قرب منزلنا، ولكننا لا نعيرها أي اهتمام، فأردت من خلال الكليب أن أوصل هذه الفكرة، وقد نجحت في ذلك بالتأكيد، لأن لجنة الحفاظ على البيئة في العالم رشحته لجائزة «Global award» في سويسرا».

أما الأغنية الوطنية لشذى حسون «وعد عرقوب» التي تتحدث عن العراق، فقد لاقت انتقادات لاذعة وصلت بالبعض إلى وصفها بالأغنية التي أطاحت بمشوار شذى؛ إذ جسدت فيها علاقة حب نافرة كما قال البعض، إلا أن يحيى فاجأ منتقديه عندما أوضح فكرته قائلا: «إن الكليب يتحدث عن علاقة حب بين امرأة وشاب، وأردت بذلك أن تمثل المرأة العراق، في حين يمثل الشاب الاحتلال الأميركي. فقدمت السياسة في قالب حب لأن الأميركان دخلوا العراق بنية، حسنة حسب قولهم، وعندما حصلت المواجهة بين الطرفين قررت أن تطرده عن بوابتها وترقص على رحيله». وأضاف: «ليس صحيحا أني لم أحترم معاناة الشعب العراقي، وبأني ركزت على الجندي الأميركي؛ بل أردت أن أقول إن البروباغاندا الإعلامية عتمت كثيرا على معاناة هذا الشعب في الواقع، وأبرزت في المقابل بطولات الأميركان، فلم أظلم شذى لأنه وعندما دقت ساعة الخيار بين الوطن والقلب، حصل الفراق وربح الوطن».

ووصف يحيى سعادة أعماله أكثر من مرة بأنها من النوع «السوريالي» ولذلك من يشاهدها عليه أن يتمعن فيها حتى يفهمها لأنها ليست سخيفة ومستهلكة.

ويروي الفنان والمخرج جاد شويري الذي تربطه صداقة وطيدة بالمخرج الراحل وقد تعاون معه في الكليب الغنائي «FUNKY ARAB» الذي وصفه سعادة بأحد أكثر الكليبات تكلفة (تجاوزت 200.000 دولار) أنه قبل ثلاثة أيام من سفر يحيى إلى تركيا تحدثا معا عبر الهاتف وكانا ينويان تصوير فيلم سينمائي من تأليفهما وإخراجهما، وأن يحيى كان متحمسا جدا للفكرة وكذلك لتصوير كليب مايا دياب والأعمال المقبلة التي سيقوم بها فكان متفائلا جدا ومفعما بالنشاط. وقبل ساعتين من وفاته تلقى جاد شويري من الطاقم المرافق ليحيى رسالة «SMS» عبر هاتفه الجوال يعلمه فيها أنهم وصلوا إلى تركيا بالسلامة، وعندما تلقى نبأ وفاته اعتقد للوهلة الأولى أنها مجرد إشاعة لا أكثر. وقال: «لقد فقدت الصديق الذي كان يدعمني عندما أشعر بالإحباط، وغالبا ما كان يقول لي: (لا تهتم بانتقادات الناس لك). ووصف جاد صديقه الراحل بالمخرج النابغة والمتواضع في آن؛ فهو لم يرفض أن يتعاونا معا في إخراج أغنية «Funky Arab» فوقع باسميهما معا وكان لا يرفض أفكاره؛ بل يأخذ بآراء الآخرين ويؤمن بأن لا شيء يستحيل إنجازه ولديه عالمه الخاص وهو غير مزاجي إلا أنه متطلب في عمله. ويعتبر الطاقم العامل معه عائلته الثانية، ولكنه في المقابل كان يهاب وهرته أثناء تنفيذ العمل.

يذكر أن يحيى سعادة هو الابن الوحيد لوالديه، وله شقيقتان إيمان ونضال، ورحل عن عمر يناهز الـ34 عاما، ودرس الإخراج في الجامعة اللبنانية للفنون ومن ثم تخصص في الرقص وعمل في الإشراف الفني على الأغاني المصورة لفترة طويلة بعدها انتقل إلى عالم الإخراج. شارك في تنفيذ فوازير رمضان الأخيرة، التي قامت ببطولتها المطربة ميريام فارس كمشرف فني، وكان فخورا بهذا الإنجاز، وعندما سئل إذا كان من الممكن أن يوافق على القيام بالمهمة نفسها إذا ما طلب منه ذلك في العام المقبل أجاب: «لا أدري.. ومن يعلم أين سأكون السنة المقبلة!».