مهرجان الإعلام العربي.. مصر تفوز على مصر

شهد طوال تاريخه مشكلات واحتجاجات وتهديدا بالانسحاب اعتراضا على النتائج

الشيخ صالح كامل وعقيلته صفاء أبو السعود يتوسطان كبار الشخصيات الحاضرة حفل ختام مهرجان الإعلام العربي
TT

من تابع حفل توزيع جوائز مهرجان الإعلام العربي للإذاعة والتلفزيون عبر القنوات الفضائية سوف يعتقد أن مصر، أقصد الإعلام المصري، كان يلاعب فريقا آخر من الإعلام المصري أيضا، وفي النهاية كان ينبغي أن تحصد مصر كل الجوائز.

من النادر أن يذكر بين الفائزين عمل فني غير مصري أو اسم غير مصري بين أصحاب الميداليات الذهبية والفضية باستثناءات قليلة جدا على رأسها الممثل السوري جمال سليمان الذي حصل على جائزة أحسن ممثل عن المسلسل المصري «قصة حب» مناصفة مع مسلسل «ذاكرة الجسد» إنتاج «تلفزيون أبوظبي» والذي شاركت أيضا في إنتاجه شركة مصرية وهي «العدل غروب».. وهو ما تكرر أيضا مع الممثل الأردني إياد نصار الذي حصل على جائزة أفضل ممثل تاريخي عن دوره «حسن البنا» في مسلسل «الجماعة»، لن تعثر على أسماء أخرى إلا قليلا حتى هند صبري تظل جائزتها أيضا مصرية والتي حققتها عن المسلسل المصري «عايزة أتجوز».. نعم ترددت أسماء قطر والمغرب وسلطنة عمان ولكن على استحياء شديد فدائما مصر، تلفزيونا وإذاعة، هما الاسم المتكرر.

هذه هي الدورة التي تحمل رقم 16 من عمر هذا المهرجان الذي أطلقه وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف عام 1994 وكان الهدف المعلن من إقامة المهرجان في دورته الأولي هو إقامة مسابقة على أرض مصر بين التلفزيونات والإذاعات العربية وحمل المهرجان اسم «الإذاعة والتلفزيون» قبل أن يصبح اسمه الرسمي قبل ثلاث سنوات «مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون».. في بدايات انطلاق المهرجان شاهدنا بدايات الفضائيات العربية لم تمض بعدها سوى سنوات قلائل إلا وأصبح الفضاء بكل قنواته يسحب البساط من القنوات الأرضية وبدأ المواطن العربي عن طريق الطبق اللاقط يملك القدرة على أن يختار إعلاما آخر غير الإعلام الرسمي الذي تبثه له الدولة، أيضا اكتشف الإعلام المصري أن القنوات العربية تحظى بنسبة من المتابعة لا يمكن إنكارها ولهذا نبتت مع المهرجان منذ دورته الأولى أهداف سياسية مضمرة.. المهرجان صار أشبه بالامتحان الذي يكرم فيه المرء أو يهان وأيضا الإعلام يكرم أو يهان وهكذا صار الهدف هو أن يعلن في نهاية المهرجان تفوق الإعلام المصري..

أغلب أعضاء لجان التحكيم طوال تاريخ المهرجان مصريون والحقيقة أن هذا الأمر لا يشكل خطورة في حد ذاته، لأن المطلوب من لجنة التحكيم أن تنحاز للعمل الفني الأفضل، بغض النظر عن جنسية صناعه ولكن جزءا لا بأس به من أعضاء لجان التحكيم من الإعلاميين الذين أحيلوا إلى المعاش أغلبهم يعتقدون أن دورهم في اللجنة يقضي عليهم بمؤازرة الأعمال الفنية المصرية.. كما أن عضو لجنة التحكيم العربي انتقلت إليه نفس العدوى وصار يعتقد أن دوره هو أيضا أن يعود بجائزة إلى بلده.. بالطبع أنا لا أتحدث عن الجميع ولكني أقول إن قسطا وافرا من أعضاء لجان التحكيم، مصريين وعربا، صاروا يمثلون بلدهم ويجب أن نضع في المعادلة أن بعضهم موظفون كبار في بلادهم وحصول العمل الفني على جائزة يعد في هذه الحالة واجبا وطنيا.

شهد المهرجان طوال تاريخه مشكلات واحتجاجات وتهديدا بالانسحاب وشهد أحيانا انسحابا من بعض الوفود العربية احتجاجا على النتائج. الوفد السوري قبل ثلاث سنوات فعلها مثلا، بل وصل الأمر إلى أن مدينة الإنتاج الإعلامي اتهمت شركة «صوت القاهرة» بالانحياز لأعمالها وزرع أعضاء في لجان التحكيم لإعلان تفوقها.. نعم المدينة و«صوت القاهرة» تابعان للإعلام المصري ولكن هناك ولا شك مساحة من التنافس بينهما.. كما أن المهرجان شهد أكثر من حالة تزوير في نتائجه، بل أحيانا بعد الانتهاء من إعلان النتائج كان يتم استدعاء اللجنة مرة أخرى لتغيير النتيجة قبل إعلانها بساعات قلائل أتذكر مثلا في الدورة التي تحمل رقم 13 التي أقيمت عام 2007 كانت لجنة الدراما قد انتهت إلى منح جائزة أفضل ممثل لتيم حسن عن مسلسل «الملك فاروق» بينما حصل يحيى الفخراني على الفضية عن مسلسل «حمادة عزو» حصلت كريمة مختار على الذهبية عن «حمادة عزو» ويسرا على الفضية عن «أحلام عادية» وبعد اعتراض كل من يحيى ويسرا على الفضية تم تعديل النتائج ليحصل كل منهما على الذهبية مناصفة مع تيم وكريمة..

المهرجان عبر هذه الرحلة الطويلة خضع لعدد من المعايير غير العلمية وأيضا غير المهنية وفقد الكثير من مصداقيته والكثير من شركات الإنتاج لم تعد حريصة على الاشتراك في فعالياته.. في هذه الدورة ومن أجل تخفيض التكاليف تم التصحيح الإلكتروني عن طريق النت توفيرا لعدد أيام التحكيم في القاهرة وهذه العملية تتناقض مع دور لجان التحكيم لأن المقصود في أي لجنة تحكيم هو أن تتلاقح الأفكار ولكن أن يفكر كل عضو بعيدا عن الآخر أراه أسلوبا لا يتوافق مع مبدأ إقامة لجنة تحكيم وأعتقد أن الاجتماعات التي شهدتها لجان التحكيم في آخر يومين كان مقصودا منها تلافي عيوب التحكيم عن بعد ولكن هل من الممكن أن تحظى نتائج هذه اللجنة بأي قدر من القبول؟ أشك كثيرا في إمكانية حدوث ذلك.. أنا لا أشكك في النتائج التي انتهت إليها اللجنة وعبرت من خلالها عن قناعتها، لكن المؤكد أن أسلوب الاختيار شابه الكثير كما أن دوافع الاختيارات لم تكن فنية تماما.. مثلا كيف يتم تصنيف مسلسل «ماما في القسم» باعتباره مسلسلا كوميديا المسلسل طبقا للمنطق العلمي الأكاديمي هو مسلسل اجتماعي ولكن من الواضح أن لجان التصنيف التي تبدأ عملها قبل لجان التحكيم استشعرت بأن فرص حصول المسلسل على جائزة بين المسلسلات الاجتماعية المنافسة ضئيلة ولهذا اعتبروه مسلسلا كوميديا رغم أن المسلسل يقسم بالثلاثة أمامنا بأنه اجتماعي وأن اللمحات الكوميدية التي تخللت بعض مشاهده لا تنفي عنه تلك الصفة، بل تؤكدها في كل تفاصيله.. أدى هذا الخطأ إلى خطأ أكبر وهو أن محمود يس بطل «ماما في القسم» يتقاسم جائزة أفضل ممثل كوميدي مع أحمد مكي عن مسلسل «الكبير قوي».. محمود «جان» السبعينات الفتى الأولى قبل 40 عاما في السينما المصرية والعربية صار الآن هو كوميديان الشاشة الصغيرة الأول.. أتصور أن من يصل إلى هذه النتيجة من المؤكد أنه قد وضع الخطة من البداية التي بالفعل تعبر عن الروح الكوميدية التي تحلت بها لجنة التحكيم في اختياراتها التي تخاصم المنطق والقواعد الدرامية حتى أن البعض تهكم قائلا إن لجنة التحكيم عندما منحت جائزة أفضل ممثل كوميدي لمحمود يس اعتقدت أنه «إسماعيل يس»! من المواقف العبثية أيضا في هذه اللجنة أن مسلسل «قصة حب» يحصل على كل الجوائز الأولى، بينما المؤلف مدحت العدل هو الوحيد الذي يخرج من هذا المولد بلا جائزة.. الممثلة بسمة هي الأفضل، الممثل جمال سليمان الأفضل ثم خالد سرحان أفضل ممثل دور ثان، منى هلا أفضل ممثلة دور ثان، المخرجة إيمان حداد هي الأفضل، المنتج جمال العدل هو الأفضل.. ثم بعد ذلك الذي رسم كل هذه الشخصيات على الورق لا يأتي لاسمه ذكر، إن القاعدة الشرعية تقول إن ما بني على باطل فهو باطل، فكيف تمنح كل هذه الجوائز لكل العناصر ما عدا الكاتب؟! من الواضح أن لجنة التحكيم بعد أن انتهت من قراراتها لم تمنح نفسها فرصة لنظرة أخرى متأنية لتكتشف الخلل الذي انتهت إليه.

من القرارات التي تدعو أيضا للتساؤل جائزة أحسن ممثلة في الأعمال التاريخية حيث آلت إلى نادية الجندي عن مسلسل «الملكة نازلي» لقد كانت نادية هي نقطة الضعف الرئيسية في هذا المسلسل أن نادية الجندي منذ اختيارها للدور كانت تشكل خطأ بينا لأن نادية الجندي كانت تقدم نادية الجندي وليست «الملكة نازلي».. من الواضح أن نادية لا تستسلم ببساطة وكما حصلت مؤخرا على جائزة من الأردن عن مجمل أعمالها لم ترضها هذه الجائزة لأنها كانت تريدها عن «الملكة نازلي» وهكذا نجحت خطة «نازلي»، أقصد «نادية»، في أن تعتلي العرش فإذا كانت قد حصلت على النصيب الأكبر من الانتقادات الصحافية في أغلب الإصدارات العربية والمصرية، فها هي تخرج لسانها للجميع بعد أن حققت أهم جائزة في المهرجان الذي يحمل اسم القاهرة.. من المسلسلات التي لم يأت لها أي ذكر «شيخ العرب همام» وكان التفسير الذي تردد بين الكواليس لهذا التجاهل هو أن المسلسل لم يعرض على شاشة التلفزيون المصري الرسمية واتجه إلى قناة «الحياة» الخاصة بعد تعذر المفاوضات مع التلفزيون الرسمي وتساءلت الصحافة وقتها كيف يضيع تلفزيون الدولة الفرصة على نفسه ولا يعرض مسلسلا يلعب بطولته يحيى الفخراني فكان لا بد من ألا يحظى بأي جائزة لنتأكد أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون عندما تجاهل هذا المسلسل كان بعيد النظر.

لو ألقيت نظرة على نتائج الإذاعة ستكتشف أن أكثر من 70 في المائة من الأعمال الإذاعية الفائزة كانت من نصيب مصر أيضا.. حتى رئيسة الإذاعة المصرية انتصار شلبي حصلت هي أيضا على جائزة.

ما هي الحصيلة النهائية للمهرجان، هل بالفعل صار الإعلام المصري هو الأفضل عربيا.. هل صدقنا ذلك أم أن الخاسر الأكبر مع الأسف هو مصداقية المهرجان التي صارت تتناقص من دورة إلى أخرى؟!