رشيد عساف لـ «الشرق الأوسط»: سأدخل عالم الإخراج عندما أشعر بأنني سأمرض

قال إن مسلسله الجديد يتحدث عن «معضلة» معاوية والحسن والحسين.. وسيثير جدلا كبيرا

الفنان السوري رشيد عساف
TT

تميز الفنان السوري رشيد عساف عبر تجربته الفنية المستمرة منذ سبعينات القرن الماضي، والتي انطلقت من المسرح الجامعي السوري بتقديم عشرات الأعمال التلفزيونية الدرامية والسينمائية والمسرحية المهمة، خاصة بروزه في الأعمال التاريخية والبدوية والفانتازيا، والتي من أهمها «العبابيد» و«الكواسر» و«الفوارس» و«صراع الأشاوس» و«أبناء الرشيد» و«البحث عن صلاح الدين» و«قمر بني هاشم» و«رأس غليص» وغيرها الكثير، كما برز في أفلام سينمائية كان منها فيلما «الحدود» مع الفنان دريد لحام، و«أمطار صيفية»، وغيرهما. «الشرق الأوسط» التقت الفنان رشيد عساف في دمشق فكان الحوار التالي:

* لنتحدث بداية عن الأعمال الجديدة والشخصيات التي ستؤديها فيها..

- انتهيت مؤخرا من تصوير المسلسل «المعضلة» وهو «معاوية والحسن والحسين»، وبتصوري أن هذا العمل سيحدث جدلا كبيرا لكن من الناحية الإيجابية، لأن هذا العمل ينضوي تحت عنوان رئيسي وهو «تعالوا جميعا لكلمة سواء» حتى ننهي هذا الخلاف الذي صار عمره 1400 عام، ومبني على مواقف سياسية لاحقة، والعمل والحمد لله جميل جدا وسيعرض على الأغلب في شهر رمضان المقبل وأجسد فيه شخصية «معاوية».

* لكن كان هناك في العام الماضي عمل عن الصحابي معاوية وتقرر إعطاء الشخصية للممثل غسان مسعود؟

- هذا صحيح، وهو عمل في الأردن، وعرض علي تجسيد الشخصية أيضا لكني اعتذرت، وعادوا لعرض العمل علي حاليا فاعتذرت أيضا لأنه من غير المعقول أن أقدم نفس الشخصية في عملين، والعمل الأول يؤرخ لشخصية معاوية بينما عملنا الآخر يقدم خلفية أساسية لما حدث في الفترة التي بدأ فيها الخلاف بين معاوية وبقية الأشخاص، وتحديدا من بعد مقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان، حيث تبدأ أحداث المسلسل من هذه المرحلة والعمل من إخراج عبد الباري أبو الخير، وهو باكورة أعماله الإخراجية، لكن فيه شيئا من التميز، وتأليف محمد عوض، وإنتاج شركة «النور» القابضة في قطر مع شركة «المها» الكويتية للإنتاج الفني، وكانت تكلفته كبيرة جدا وصلت لنحو 7 ملايين دولار أميركي، وهو رقم قياسي في تكلفة الأعمال الدرامية التلفزيونية.

* ما هي أسباب غيابك عن الدراما السورية المحلية في السنوات الماضية؟

- لا توجد أسباب بل جاءت مصادفة، حيث كنت مشغولا بأعمال كبيرة ومهمة، ولذلك وجدت نفسي متفرغا لها، ومن طبيعتي أنني من الفنانين المقلين في أعمالهم الدرامية السنوية، حيث أؤمن بمقولة أنه «مهما طالت فترة غيابك فعندما تحضر تعود»، وفي المحصلة ليس لدي طموح لأن أقدم سبعة أعمال مثلا في الموسم الواحد، فما سيسجل لي عمل مهم واحد فقط وليس كمية من الأعمال، لأن ذلك سيكون على حساب النوع، بل ستكون من باب الكم فقط، لذلك أنا أختار عملا واحدا من سبعة وأترك لزملائي البقية ليشاركوا فيها، حيث كان زملاؤنا في الوسط الفني يتحججون بأن الأجور قليلة، بينما صارت الأجور حاليا مقبولة، لكن البعض ظل يعمل في عدة أعمال في الموسم الواحد، وهذا خطأ، وهو نوع من التخمة. وسؤال الإعلاميين والنقاد وحتى المشاهدين هنا أنه لم يعد هناك تفريق بين عمل وآخر خاصة أن هناك نوعية من الأعمال ظهرت لا يستطيع المتلقي التمييز بينها، لأن ممثلا واحدا يشترك فيها جميعا، خاصة في سلسلة الأعمال البيئية الشامية. لقد حصل خلل في هذا المجال أدى لخطأ، وأسبابه - برأيي - إنتاجية وتنسيقية من ناحية العرض حيث كل العروض ستقدم في شهر رمضان، حيث تحول هذا الشهر الفضيل لسوق لعرض هذه الأعمال وهذا خطأ كبير حيث يجب أن يكون العام كله هو السوق، فكل بلدان العالم من أوروبا وحتى تركيا تعرض في كل شهور السنة أعمالا جديدة، لذلك الموضوع هنا له علاقة بالمحطات الفضائية وبالمعلن الذي لا يغامر ويقبل بث إعلانه خارج شهر رمضان.

* يلاحظ خلال مسيرتك الفنية تركيزك على الأعمال التاريخية والبدوية وابتعادك عن الأعمال الاجتماعية المعاصرة، لماذا؟

- السبب ارتباطي بأعمال درامية كبيرة لذا تغيب عني الأعمال الصغيرة، وبالنسبة لي فإن الأعمال البيئوية البسيطة التي تصور خلال ستين يوما لا تتلاءم معي، وحاليا لدي عمل اجتماعي معاصر سأبدأ في تصويره خلال شهر يناير وهو «الغريب»، من تأليف عبد المجيد حيدر، وهو عمل جميل وأجسد فيه شخصية موظف عادي يتورط في قضية ويعاقب، وهو عمل من الحياة المعاصرة وهذه الأعمال أطلق عليها «السهل الممتنع»، ولدي عمل بدوي لقناة «أبوظبي» وهو «بيارق العربا»، والعربا هي الأرض، وأجسد فيه شخصية شيخ العربا والبيارق، وهو من الأعمال البدوية الجميلة للمؤلف الشاعر رعد الشلال، وسيصور في الأردن، والإخراج للأردني إياد خزوز.

* وهل لديك مشاركات مع الدراما المصرية؟

- نعم، فقد أنهيت مؤخرا عملا تلفزيونيا اسمه «الهاربة»، وقد أنتج الجزء الأول في مصر، وهو للمخرج يوسف شرف الدين، ومعي في البطولة الفنانة تيسير فهمي، و80 في المائة من أحداثه تدور في أميركا، وسيعرض في رمضان المقبل، وأجسد فيه شخصية رجل أعمال عربي، وكان شرطي للمشاركة فيه ألا أدخل إلى الدراما المصرية باللهجة المصرية فورا، وأنا من الممكن أن أتكلم باللهجتين المصرية والسورية وهذا ما حصل في العمل المذكور، حيث إن هناك أشخاصا في العمل أتحدث معهم باللهجة السورية وأشخاصا آخرين أتحدث معهم باللهجة المصرية وأتكلم بها بحرفية وإتقان حتى تصل إلى الجمهور المصري خاصة أن اللهجة المصرية صعبة قليلا.

* وكيف تنظر لتجربة الفنانين السوريين مع الدراما المصرية؟

- تجربة جيدة، لكني أقف هنا نوعا ما عند موضوع البيئة المصرية التي يجب أن تترك لأهلها، فالتفصيلات البيئوية تحتاج لممثلين مصريين، أما ماعدا ذلك وكان هناك مجال في أعمال معينة للمشاركة من مختلف الفنانين العرب فلم لا؟!.. فالدراما لا تقف عند حد معين، لكننا معنيين بالوقوف عند تفاصيل حياتية محددة ندافع عنها من خلال فهمنا ومعايشتنا لخصائص هذه البيئة، وهنا تبرز الإشكالية.

* يقال إن الدراما السورية تأثرت سلبا بمشاركة نجوم الدراما السورية في الدراما المصرية والخليجية.. ما رأيك في ذلك؟

- لا لم تتأثر بذلك، وهناك أسباب أخرى لتراجع الدراما السورية من حيث الكم والكيف.. فمن ناحية الكيف خضعنا لشروط الرقابة العربية بشكل عام، ومن ناحية الكم فقد انفرطت الأمور، حيث إن ما حصل من الناحية التسويقية أن العمل الخليجي أصبح هو الأقوى شئنا أم أبينا، لأن المحطات الخليجية هي التي تدفع، لذلك تكونت لديهم قناعة تقول إنه يجب أن ندعم الدراما الخاصة بنا، فباتوا يدعمون الدراما المحلية في الأساس، وكذلك فعل المصريون، والأعمال السورية، وبدلا من أن يظهر الممثل السوري صار يظهر في المحطات الفضائية كصوت فقط من خلال الدوبلاج، لذلك حل محل العمل السوري العمل التركي فهو يشبه العمل السوري بنسبة 40 في المائة لكن بفكر وعلاقات جديدة ومجتمع مختلف تماما، حيث تم استغلال صوتنا وأوصلوه للخليج، وأعتبر أن الأمور قد انفرطت. نحن حاليا - كدراما سورية - محصورون بين ما يسمى بمشاهد بلاد الشام، حتى لو مسلسلنا عرض خارجها وعلى القنوات الخليجية، فمشاهد بلاد الشام هو من يشاهدنا ويتابعنا، بينما صارت الشاشة في الخليج لهم فقط، وصار العمل الخليجي يقدم ضعف العمل السوري والمصري، لذلك على القائمين على الدراما السورية أن ينتبهوا لذلك، وأن الأمر صار يتعلق بوجود محطات إقليمية بحيث نعمل ما يشبه الـmbc لبلاد الشام حتى يأتي المعلن الكبير إليها.

* لكن يقال هنا إن دراما البيئة الشامية خدمت انتشار الدراما السورية بشكل كبير خليجيا وعربيا؟

- الدراما السورية كانت موجودة وبقوة قبل ظهور دراما البيئة الشامية، ولم تحقق لها الشهرة كما يقال، وبرأيي أنه بالعكس أنا أخالف هذا الكلام خاصة أن بعضا من هذه الأعمال بدأت جيدة، وانتهت إلى مستوى غير جيد لأن الدراما الشامية هي نوع من المتخيل، وسابقا كانوا ينتقدون أعمال الفانتازيا التي سميت الدراما المفترضة، لكن كان لمثل هذه الأعمال كـ«البركان» و«الكواسر» و«الجوارح» ما يشبهها على أرض الواقع، فهي كانت تعكس الواقع لكن بشكل متخيل بحيث يتم طرح الأفكار التي نريدها هنا، أما الأعمال الشامية التي بدأت جيدة مثل «أبو كامل» و«أيام شامية»، فقد تحولت في ما بعد لأعمال فانتازيا، وحتى ما حصل أعمق من ذلك، حيث قدمت المجتمع السوري بصورة مشوهة، فهل من المعقول أنه في كل الأعمال الشامية التي عرضت لا توجد مدرسة ولا يوجد تعليم في الوقت الذي شهد فيه عام 1907 وجود 30 نشرة صحافية في دمشق ما بين نشرة حائط ونشرة دورية، وكانت هناك حركة نسائية نشطة في دمشق، وكانت هناك الكثير من المدارس والكتاتيب، فلِمَ لم يظهر كل ذلك في هذه الأعمال؟.. فإذا كان مسلسل بدوي مثل فنجان الدم طرح موضوع السكة الحديد في ذلك الوقت فهذا شيء جميل، بينما في الأعمال الشامية لحقوا الإثارة، ولخصوا تاريخ دمشق وحولوه في الأخير إلى سروال وقبقاب وسكين، وهذا لا يجوز.. وأتمنى أن يعودوا لتلك الأعمال الشامية الجميلة التي تميزت كـ«أيام شامية» وغيره، بحيث يمكن تقديم حكاية جميلة ومثيرة لكن تقدم التاريخ بشكله الصحيح وليس بشكل عشوائي.. وبرأيي أن الجمهور بدأ بلفظ هذه الأعمال منذ العام الماضي.

* سأنتقل إلى السينما.. هل لديك جديد فيها؟

- هناك مشروع فيلم سينمائي، ولكني لا أخفيك القول، فما دام صار هناك حضور جيد للدراما السورية على المستوى العربي فمن الضروري أن يوازيها شيء ما في السينما.. وهناك أفلام سورية كثيرة صارت جاهزة للعرض خاصة أن الأمور تطورت تقنيا، حيث كان الفيلم يكلف كثيرا، لكن استطاع السوريون ومن خلال تقنية الكاميرا «HD»، أن ينفذوا سينما وهذا شيء جيد، ويعني ذلك أننا تقنيا اختزلنا مراحل كثيرة وكبيرة بحيث نتمكن من تقديم أفلام بتكاليف قليلة وبجودة عالية وبتوفير وقت الممثل، بحيث ينفذ فيلما سينمائيا وكأنه ينفذ ثلاث سهرات تلفزيونية.

* لكن يقال إنه إذا لم يدخل القطاع الخاص بقوة في الإنتاج السينمائي فلن تنهض السينما السورية؟

- لا لست مع هذا الكلام، فالقطاع العام سيبقى الحاضن حتى للقطاع الخاص، وأنا مع بقائه خاصة أن هناك مؤامرة على القطاع السينمائي العام لإفشاله وبيعه، وهذا خطأ كبير، لذلك من الضروري أن تبقى المؤسسة العامة للسينما في سورية. والمؤسسات السينمائية موجودة في الدول العربية ولم تنته كما يشاع، بل من الممكن أن يكون إنتاجها قد توقف، وإذا ما نشّطت فستعود متألقة كما كانت في السابق.

* هل ترى أنك نلت ما تستحقه من التكريم عن مسيرتك الفنية؟

- الحمد لله كرمت كثيرا داخل وخارج سورية، وكان آخر تكريم لي بتونس من قبل وير الثقافة التونسي، وكان في مدينة القيروان، وأنا أشكرهم على هذا التكريم الكبير، ولكن برأيي أن أهم تكريم بالنسبة للممثل هو الجمهور الذي يعكس إعجابه به ودفعه للاستمرار بهذا النهج من الأعمال من خلال متابعته للممثل وثنائه على أعماله ونقده لها سلبا أو إيجابا.

* هناك تفاوت في أجور الممثلين السوريين وانعكس ارتفاع أجور النجوم على نجوم الصفوف الأخرى.. ما رأيك في ذلك؟

- أنا لا يهمني انعكاسه على الصفوف الثانية بقدر ما يهمني - وأنا واحد من هؤلاء النجوم في سورية ولم أكن أتمنى أن يرتفع الأجر هكذا - انعكاسه على الإنتاج الفني السوري بشكل عام، فهناك منتجون سوريون حقيقيون معنيون بالدراما جالسون في منازلهم لا يعملون، وليعن الله المنتجين الحاليين، وأستغرب كيف يستطيعون إنتاج عمل درامي حاليا وهم لا يعيدون رأس مالهم على الأقل، والواحد منهم خسران ويلحق أمواله، ويقول في كل عام أعوض ما خسرته في العام السابق، لكنه للأسف يغرق أكثر فيضطر للتوقف ويقول لا أريد دراما ولا فنا ولا مجتمعا؟!

* وكيف تنظر لتجربة الفنانين الشركاء في الإنتاج أو مديري الشركات الإنتاجية؟

- تجربة صعبة، وهم حاولوا أن يخدموا الدراما من خلال ذلك، وبرأيي أن أنجح هؤلاء كان الفنان عبد الهادي صباغ لأنه دخل الإنتاج، وهو لم يطلب دور البطولة في الأعمال التي تنتجها شركته «زنوبيا» حتى إنه لم يشارك في بعضها وقدمت شركته أعمالا مهمة.

* هل لديك مشروع لإخراج عمل تلفزيوني؟

- فكرت في ذلك، ووصلت إلى قناعة بأننا في التمثيل سنصاب بالأمراض المزمنة، فما بالك لو صرنا مخرجين؟! لذلك عندما أريد وأشعر بأنني سأمرض سأقرر دخول عالم الإخراج!.. وبالنسبة لي فالشرط الفني والفكري حققته من خلالي كممثل، حيث أختار أعمالا ذات نهج وهدف واضحين، وفيها شيء من الجدية والفكر الموضوعي، وهذا يشعرني وكأنني أخرجت فعلا.

* هل لديك هوايات أخرى غير التمثيل؟

- هوايتي مطالعة الكتب، وأقرأ كثيرا، ولدي شغف لقراءة الكتب التاريخية والفلسفية والسياسية وما يتفرع من عالم الرواية.

* كيف حال وضعك العائلي؟

- أنا متزوج من ابنة خالي، وهي من خارج الوسط الفني، ولدي ابنتان هما أليسار وسارة.