مصر: «السينما المستقلة».. نجاح وجوائز في 2010 رغم المعوقات

أبرزها أفلام «هليوبوليس» و«ميكروفون» و«عين شمس» و«بصرة»

ملصق فيلم «الطريق الدائري»
TT

يعتبر عام 2010 في نظر صناع السينما هو الانطلاقة الحقيقية للسينما المستقلة في مصر، باعتباره أول عام يشهد عروضا جماهيرية لهذه النوعية من الأفلام في دور العرض، أبرزها أفلام «هليوبوليس» و«ميكروفون» للمخرج أحمد عبد الله، و«عين شمس» للمخرج إبراهيم البطوط، و«بصرة» للمخرج أحمد رشوان، وهو ما يعتبر نتاجا لانتشار مصطلح «السينما المستقلة» في السنوات الأخيرة، التي شهدت ظهور حالات فنية وتجارب سينمائية لمجموعة من الشباب سواء على مستوى الإخراج أو التمثيل تختلف عن المعتاد في السينما الجماهيرية، فقُدمت أفلام بميزانيات محدودة تعتمد بدرجة كبيرة على الوجوه الجديدة، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، كما تعتمد على أساليب فنية جديدة في عرض الفكرة وكتابة الفيلم.

والمحصلة، بعد هذه السنوات، أن هذه الأفلام التي شاركت في الكثير من المهرجانات داخل مصر وخارجها استطاعت فرض نفسها والفوز بالجوائز، فعلى سبيل المثال حصل مؤخرا فيلم «الحاوي» لإبراهيم البطوط على جائزة أفضل فيلم عربي من مهرجان ترابيكا في الدوحة، وحصل فيلم «ميكروفون» على جائزة «التانيت الذهبي» من مهرجان قرطاج، إضافة إلى حصوله على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير ومشاركته في مهرجان دبي، مما يدل على أن هذه النوعية من الأفلام أصبح لها وجود ومشاركة في الساحة السينمائية داخل مصر وخارجها.

لكن على الرغم من ذلك، تواجه هذه الأفلام بعض المعوقات والمشكلات، التي تمثل عائقا أمام القائمين عليها، مما يجعلهم ينظرون إليها باعتبارها تحديا. عن هذه المشكلات وعوامل نجاح السينما المستقلة ووضعها الحالي، تحدثت «الشرق الأوسط» مع عدد من المخرجين..

يقول المخرج محمد خان: «هذا التيار من السينما يسمى تيار سينما (الديجيتال)، وهذه هي التسمية الصحيحة، أما مستقلة أو Underground فهذا مجرد شكليات دعائية، وأنا بشكل عام أشجع هذا النوع من السينما المسمى ديجيتال، فهذا هو المستقبل الأكيد؛ حيث إنها تعرض مباشرة بآلات عرض ديجيتال محترفة من دون الحاجة إلى تحويل الأفلام إلى 35 مم».

ويضيف خان: «أما بالنسبة للأفلام التي قدمت في الفترة الأخيرة فسياسة التوزيع لم تخدمها بالمرة، فمثلا فيلم (عين شمس) أو فيلم (بصرة) لم يعرضا سوى أسبوع أو اثنين في السينمات، لقلة عدد النسخ وعدم اهتمام الموزعين، وقد توقعت هذا مع فيلمي (كليفتي) وقررت عدم تحويله وعرضه مباشرة في القنوات الفضائية».

ويقول خان: «أعتقد أن قراري وقتها كان صحيحا؛ فالحاجة إلى نجاح جماهيري لفيلم من هذه النوعية في منتهى الأهمية، وربما فيلم أحمد عبد الله الثاني (ميكروفون) يحقق ذلك، عكس تجربته الأولى (هليوبوليس)، فالمهرجانات لا تحقق الانتشار الجماهيري المطلوب، لكنها تحقق التقدير الفني، هذا هو الوضع حتى الآن، ولكني ما زلت متفائلا؛ لأن هذه الأفلام تتطرق إلى موضوعات أكثر طموحا مما تقدمه السينما السائدة حاليا».

أما المخرج أحمد رشوان، مخرج فيلم «بصرة»، فيرى أن هناك بعض الصعوبات تواجه الأفلام المستقلة وغير المستقلة، أهمها التمويل، فهي مشكلة توجد في حالة عدم وجود نجم كبير يدفع الشركات لتمويل الفيلم.

ويقول رشوان: «لكن الأفلام المستقلة بشكل عام تعتبر غير مكلفة؛ لأنها تعتبر سينما منخفضة التكاليف تعتمد على أفكار جديدة ووجوه جديدة، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، كما أن مواقع التصوير منخفضة التكاليف، مما يجعل الفيلم في النهاية غير مكلف».

ويضيف: «أما بخصوص الموضوعات، فهناك أفكار يصعب تنفيذها في السينما التي يطلق عليها تجارية، وأظن أن فيلمي (بصرة) كان من الممكن تنفيذه بشكل عادي غير مستقل، لكن السينما المستقلة تعطي حرية أكبر في عرض الموضوع والفكرة؛ لأن المعايير تكون مختلفة، وهذا يدركه حتى النجوم الذين يشاركون في الأفلام».

وأوضح أن إحدى أهم المشكلات التي تواجهها السينما المستقلة هي دور العرض، فنتيجة أن الأفلام تعتمد على الوجوه الجديدة فغالبا لا يوجد حماس من الموزعين لعرض الأفلام، وإن عرضت تكون بعدد محدود وتوقيت عرض غير مناسب وعدد نسخ قليل وتقريبا من دون دعاية، وبالتالي يؤثر هذا على مدى جماهيرية الفيلم ومشاهدته.

وأعرب رشوان عن رفضه إطلاق البعض على تلك النوعية من الأفلام تسمية «أفلام مهرجانات»، وقال: «أنا أرفض هذه التسمية، هناك فيلم جيد وفيلم غير جيد، سواء أكان مستقلا أم غير مستقل، لكن السينما المستقلة تكون لديها مساحة حرية أكبر وطرق مختلفة وجديدة للسرد وأسلوب جديد، مما يناسب المهرجانات التي يناسبها الجديد دائما، فالتجارب الجديدة أثرت السينما المصرية، والدليل على هذا تمثيلها لمصر في المهرجانات خلال الـ3 سنوات الأخيرة».

يتفق المخرج تامر عزت مع رشوان، مخرج فيلم «الطريق الدائري» الذي عرض مؤخرا في مهرجان القاهرة السينمائي، في أن أهم الصعوبات التي تواجه الأفلام المستقلة هي التمويل، ويضيف إليه مشكلة أخرى هي التوزيع؛ حيث يرى أن عدم وجود مقاييس تجارية يجعل هناك صعوبة في إيجاد مصادر للتمويل؛ لأنها دائما تبحث عن مردود لما تنفقه، وهنا أيضا تكمن صعوبة توزيع هذه الأفلام، والموزعون لا يعرفون بعدُ ماذا يفعلون بها لتلقى رواجا. وبرأيه أن المهمة الصعبة أن تجعل الناس يدخلون دور العرض ويدفعون أموالا لمشاهدة أفلام صناعها غير معروفين لهم أو حتى للموزعين أنفسهم.

ويقول عزت: «لكي تستمر هذه النوعية من الأفلام يجب علينا إيجاد وسيلة (مستقلة) أيضا لعرضها وتوزيعها، أو بمعنى أعم وصولها لجمهورها، الإنترنت مثلا أو دور عرض مبسطة مخصصة لهذه الأفلام، أما مصادر التمويل فبحكم طبيعة هذه الأفلام ستظل هذه المصادر دائما غير تقليدية سواء من جيب المخرجين الشخصي أو عن طريق جهات دعم خارجية مرتبطة بمهرجانات دولية مثلا».

وأضاف عزت: «هناك صعوبة حول العالم في إنجاز مثل هذه النوعية من الأفلام وليس في مصر فقط، أما عن إقناع النجوم بالمشاركة فهناك نجوم ملوا من المنظومة التجارية ولديهم شغف بتجربة أنواع أخرى يكون الإبداع فيها أكثر حرية، ولكن عموما يكون الاعتماد في الأفلام المستقلة على الوجوه الجديدة والصاعدة».

ويرى عزت أن النجاح له عوامل كثيرة تُبنى على بعضها البعض، ويوضح: «الفيلم في البداية يجب أن يكون جيد الصنع؛ لأن المشاهد أصبح مثقفا بصريا ويعرف أو يحس بالفيلم إذا كان غير جيد، وكلمة جيد لا تعني الميزانية الضخمة ولكن تعني أكثر الفكرة اللامعة والتنفيذ الحرفي حتى لو كان بإمكانات متواضعة، وتلك هي براعة صانع الأفلام الماهر، بعد ذلك يأتي دور الدعاية التي تخبر الناس بوجود هذا الفيلم، وهذا العنصر تقريبا مفقود في حالة السينما المستقلة، كما أن مسألة معاملة هذه الأفلام على أنها غير جماهيرية من الأساس هو نوع من الاستسهال والكسل في رأيي، فمهما كان الفيلم مختلفا عن السائد فهناك جمهور متعطش له حتى لو لم يكن بحجم جمهور الأفلام الكوميدية مثلا».

ويضيف: «لديَّ تحفظ على إطلاق مصطلح الأفلام المستقلة بالطريقة الملتبسة التي يستخدم بها، فيجب علينا أن نفرق بين الفيلم قليل التكاليف، الذي يمكن أن يكون مصنوعا بإمكانات شخصية، والأفلام التي يصنعها أصحابها ويضعون السوق نصب أعينهم حتى لو كانت قليلة التكاليف، وتشمل التفرقة أيضا سينما المؤلف والأفلام الفنية أو التجريبية، وأيضا الأفلام القصيرة والأفلام الطويلة، ويجب علينا أيضا أن نتحرر من اللفظ المترجم من الحركة السينمائية الأميركية والتي استقل صناعها فعلا عن صناعة ضخمة في هوليوود».

ويقول عزت: «جاءت لحظة تاريخية أصبح من السهل على المخرج تصوير فيلم بكاميرا رخيصة من دون الاحتياج لخام السينما، وهو ما أتاح الفرصة للكثيرين من غير خريجي معهد السينما لكي يمسكوا بالكاميرا ويعبروا عن أفكارهم وإبداعهم»، مشيرا إلى أن «هناك نوعا جديدا من الأفلام ما زال في طور التكوين ويجابه ميراثا من السينما السائدة ولا أعتقد أن صناع هذه الأفلام (المستقلة) لا يريدون لأفلامهم الانتشار أو ألا يراها الناس، ولكن هذا هو الواقع، فحركة السينما المستقلة في أميركا مثلا لها منتجوها ومخرجوها ومؤلفوها وممثلوها وأيضا موزعوها ودور عرضها.. بما يعني أنها صناعة حقيقية موازية تنتج مئات الأفلام سنويا، ولكن في مصر هذه الأفلام هي ومضات أو تجارب شخصية، ولكن يطمح أصحابها في عرضها بطريقة جماهيرية تقليدية في دور العرض التقليدية - وهي تجارب معدودة طبعا - ولكن ما زالت هناك حلقة مفقودة، تجربة السينما المستقلة في مصر ما زالت وليدة، وهي تعتبر طاقة نفس للكثيرين من الواقفين في طابور الانتظار الطويل أمام بوابة ضيقة جدا».