الأخوان كوون: الشخصية القاسية مثيرة للاهتمام

المخرجان الأميركيان لـ «الشرق الأوسط»: لا فواصل بيننا بعد 26 سنة من العمل معا

الأخوان كوون وراء الكاميرا
TT

* شاهدت هذا العام 445 فيلما طويلا من بينها 265 فيلما جديدا والباقي (180) فيلما قديما لم يسبق لي أن شاهدتها من قبل. ولم أحص عدد الأفلام التي شاهدتها للمرة الثانية وما فوق.

وشاشات المشاهدة اختلفت: نسبة تلك التي شاهدتها في الصالات العامة، سواء أكانت في عروض خاصة للصحافة أو جماهيرية، تبلغ نحو 42 في المائة. تلك التي شوهدت في المهرجانات تصل إلى قرابة 30 في المائة. أما الباقي (28 في المائة) فشوهد كأسطوانات على شاشة البيت.

بالإجمال نالني فيلم وربع كل يوم من أيام السنة. يساعد على ارتفاع النسبة أنني توجهت من مطلع السنة إلى مهرجاني سندانس وبالم سبرينغ الأميركيين بالإضافة إلى جولتي المعتادة التي تشمل برلين وكان وفينيسيا ودبي وذلك الموسم العابق بالأفلام الذي يقع ما بين منتصف سبتمبر (أيلول) إلى مطلع ديسمبر (كانون الأول) حين يصبح لزاما علينا، نحن أعضاء جمعية هوليوود للمراسلين الأجانب مشاهدة كل ما يصلنا أو يعرض علينا من أفلام ترغب في الترشيح لجائزة الغولدن غلوب.

أعرف نقادا سينمائيين (أو هكذا تقرر تسميتهم) لا يشاهدون إلا ثلاثين فيلما في العام أو نحوها (وبعضهم يكتب عن مائة فيلم في السنة أو أكثر). بعض هؤلاء لا يستطيعون والبعض لا يرغبون. لكن إذا لم يكن النقد مشاهدة الأفلام من كل صنف ولون فلا أدري ما هو.

* تفاوتت الآراء بخصوص أفلام الأخوين إيتن وجوول كوون التي نفذاها على مدار سنوات. كثيرون لم يعجبوا بنقدهم الشخصية اليهودية ومفاهيمها في «رجل جاد»، وأكثر منهم اعتبروا «احرق بعد القراءة» عملا ثانويا لا يستحقانه، وكذلك الحال بالنسبة لـ «قسوة غير محتملة» و«قتلة السيدة». لكن في المقابل، فإن الفيلم الذي نال غالبية من المعجبين هو فيلمهما الوسترن الحديث (أي وسترن معاصر) المعروف بـ «لا بلد للمسنين» الذي نالا عنه حفنة لا بأس بها من الجوائز بينها أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل سيناريو مقتبس وأوسكار أفضل إخراج وذلك سنة 2007.

الآن لديهما عودة إلى الوسترن، في زمنه الأول، مجسدا في فيلم «عزم حقيقي» المأخوذ عن رواية تشارلز بورتيس سنة 1968 وتم تحويلها سريعا إلى فيلم سنة 1969 أخرجه هنري هاذاواي وقام ببطولته جون واين مع غلن كامبل وكيم داربي.. دار الفيلم، كالرواية، حول الفتاة الشابة (14 سنة في الكتاب وستة عشر عاما في الفيلم) التي تستأجر خدمات المارشال، مارشال روبن روستر كوغبيرن، للاقتصاص من رئيس العصابة (روبرت دوفال) الذي قتل ورجاله والدها. يشاركهما الرحلة المقاتل لابوف (كامبل). رجل القانون كوغبيرن ليس ككل رجال القانون: إنه شرس ويعترف بأنه قتل العشرات، ولو دفاعا عن النفس. وفوق ذلك سكير.

في «عزم حقيقي» يختلف الوضع على نحو ملحوظ باختلاف المعالجة. المخرجان يعودان إلى الرواية أكثر مما يعودان إلى الفيلم السابق ويقدمان في الأدوار الأولى جف بردجز (كوغبيرن) وهايلي ستينفيلد (في دور الفتاة) ومات دايمون في دور لابوف وجوش برولين في دور رئيس العصابة. والنتيجة: إجماع نقدي إيجابي بلغ نحو 82 في المائة من النقاد الأميركيين وحول العالم.

إيتان أطول قامة وذو شعر مجنون ومقتضب عموما في كلامه وقلما يبتسم. جوول يضع نظارة على عينيه ويحاول أن يشرح أكثر ويبتسم أكثر. يبدأ أحدهما جملة فيكملها الآخر. هل يخرجان أفلامهما على هذا النحو أيضا؟

* أول ما يلاحظ في الفيلم أن هناك مقاطع حوار لا علاقة لها بالحبكة حول العدالة التي تطلبها الفتاة من رجل القانون. لماذا؟

- إيتن: أول ما يسترعي الانتباه في الرواية هو أنها صغيرة وفيها فقرات عديدة لا يحدث فيها ما يتصل بالحبكة الرئيسية. بذلك هي رواية بسيطة حول الانتقام.

* مشهد المحكمة أول الفيلم موجود بكامله في الرواية.

- إيتن: مشهد المحكمة أخذناه بالكامل من الكتاب مع توليف بالطبع، لكنه قريب جدا.

- جوول: كنا مدركين عندما بدأنا كتابة السيناريو وتناقشنا في العمل أن الثلث الأول من الرواية، على الأخص، كان مليئا بالحوار. قلنا إنه جزء مثير للاهتمام وخطر بعض الشيء بسبب ذلك. لكن تلك الحوارات لها أسباب وليست مجرد حديث فائض. من خلالها نتعرف على الشخصيات الرئيسية التي سنتابعها طوال الوقت بعد ذلك.

* أي نوع من سينما الوسترن كان في المخيلة حينما قررتما تحقيق هذا الفيلم؟

- جوول: لست متأكدا أننا كنا نفكر في نوع معين. بل لست متأكدا أننا كنا نفكر فيه كـ«وسترن». كنا نحاول أن نأخذ الأمر على أساس أنه قصة مستقيمة الاتجاه مع معالجة أسلوبية قدر الإمكان.

* لكن لا بد أن فكرة «النوع» كانت خطرة على نحو ما. في نهاية الأمر هو ليس فيلما حربيا أو بوليسيا.

- جوول: صحيح، لكن لم نقصد أن ننسبه إلى نوع معين في سينما الوسترن. ولم نسع للاقتباس من مخرج محدد. بالطبع من المستحيل أن تحقق فيلم وسترن من دون مرجعيات معينة: سينما جون فورد، سينما سيرجيو ليوني... لكني لا أعتقد أن أيا منهما لديه ظهور في هذا الفيلم.

* في هذا الفيلم وفي أفلامكما الأخرى، هناك اهتمام جلي بالشخصية القاسية والشريرة. ما مرده؟

- جوول: نعتقد أنها الشخصية التي تثير أكثر من سواها. تحمل خصالا غير ثقافية. أنا شخصيا مهتم بها وفي هذا الفيلم هي مثيرة للاهتمام على نحو مساو مع بطل القصة المارشال.

- إيتن: هذا صحيح. الشخصية مستمدة من رواية بورتيس وقد حافظنا على وجهة نظر الفتاة التي هي صوت الرواية ومعلقها. أقصد أن الشخصيات التي تلحظها هي من وصفها هذه المرة وليست من وصفنا، لكننا وجدناها شخصيات مثيرة جدا للاهتمام، ليس فقط الشخصيات الشريرة بل كذلك الشخصيات البطولية إذا كان لا بد من استخدام هذه الكلمة.

* لقد أنجزتما من قبل فيلم إعادة. حققتما «قتلة السيدة» الذي كان إعادة صنع لفيلم ألكسندر ماكندريك سنة 1955 والآن هذا الفيلم؟ لماذا كان مهما لديكما إعادة صنع هذا الفيلم؟

- إيتن: بصراحة فكرنا أننا لا نريد أن نعيد صنع الفيلم الذي أخرجه هنري هاذاواي. بالنسبة إلينا، هذا الفيلم ليس إعادة صنع للفيلم السابق، بل هو اقتباس عن الرواية. هذه هي مرجعيته. شاهدنا ذلك الفيلم حين كنا صغارا... 12 أو 13 سنة ولم نره بعد ذلك. وليس لدينا إلا ذكريات شحيحة حوله. لكن الكتاب أمر مختلف. لقد قرأناه وأعجبنا به

* لكن ماذا عن جف بردجز؟ هل فكر جون واين أو فكر بالكتاب؟

- جوول: حين التقينا جف قلنا له إننا نريده أن يقرأ الكتاب. طبعا كان شاهد الفيلم السابق من فترة ليست بعيدة، وبالنسبة إليه فكر في أنه سيمثل دورا مثله جون واين قبله. لكننا اقترحنا عليه أن يقرأ الكتاب ويفكر في الشخصية بعيدا عن كيف ظهرت في الفيلم الأول. حين فعل، قال: سأتوقف عن التفكير في الشخصية السابقة

* قبل أشهر شاهدت فيلما تم اقتباسه عن أحد أعمالكما هو «امرأة، مسدس ودكان نودل»A Woman, a Gun and a Noodle Shop كما أخرجه الصيني زانغ ييمو. كيف استقبلتما المحاولة وهي بعيدة تماما عن الأصل «دم بسيط»؟ هل شاهدتماه؟

- إيتن (ضاحكا): نعم شاهدناه. شخصيا استمتعت به.

* لكن ما هي الخصال التي تتوخيانها من الفيلم المقتبس عن أحد أعمالكما؟ هل هناك مزايا تتمنيان وجودها في الاقتباس؟

- إيتن: آه... يا لها من فكرة. لا أود حتى الذهاب إلى هذا الوضع. هناك الكثير مما نحب أن نراه في فيلم مقتبس عن عمل لنا، لكننا في الوقت ذاته، إذا ما قام مخرج بتأمينها لم يعد الفيلم فيلمه بل نسخة تامة عن فيلمنا. ما أعجبني في فيلم ييمو هو غرابته عن فيلمنا نحن. ومكان وشخصيات الفيلم.

* ربما السؤال الذي يطرحه معظم المتابعين هو: كيف تعملان معا؟ من يفعل ماذا؟

- جوول: من البداية اعتمدنا أن الأقرب منا إلى الممثل أو الفني الذي لديه سؤال يستطيع الإجابة عن هذا السؤال من دون الرجوع إلى الآخر. على نحو شامل، ليست هناك فواصل. بعد 26 عاما من العمل معا لا يمكن التفريق بيننا. كل شيء يصبح تلقائيا بعد حين، بما في ذلك ما الذي نقوم به خلال التصوير والنظام الذي نتبعه. ربما هذا كله طبيعي.