نيكول كيدمَان لـ «الشرق الأوسط» التصقت بالشخصية في أحد أفلامي لدرجة البكاء

الفنانة الأسترالية: أنظر إلى الأمس فأشعر بأنني أريد أن أبذل أكثر

لقطة لكيدمان من «جحر الأرنب»
TT

يصدر قريبا العدد الأول من مجلة «فارايتي أرابيا» في نسختها العربية بمقالات غير مترجمة. ومجلة «فارايتي» الأميركية المعروفة في عالم السينما تم تأسيسها سنة 1905 وتابعت أخبار وقضايا صناعة السينما وتوزيعها وتسويقها وصولا إلى نقدها. تبوأت الصدارة لمعظم السنوات السابقة جنبا إلى جنب «ذا هوليوود ريبورتر» التي تحتفل هذا العام بمرور ثمانين سنة على ولادتها. الانتقال إلى العالم العربي بطبعة خاصة مرده الرغبة في التوسع والانتشار. لكن هذا ربما كان بدهيا. مما يستدعي التوقّف أنه لا توجد طبعة يابانية مثلا أو صينية أو فرنسية منها، لكن المجلة ما كانت لتكترث لاستحداث طبعة عربية لولا إدراكها أن المناخ الاقتصادي في السوق السمع بصري العربي (وفي منطقة الخليج بالذات) ليس مستقرّا فحسب، بل واعد مستقبلا بمزيد من التقدّم.

للأسف، هذا التقدّم لا يتم بناء على مناهج إنتاجية وتسويقية وتوزيعية مدروسة وشبيهة بتلك التي في باقي أنحاء العالم، لكنه أفضل اليوم مما كان عليه قبل عشرين سنة مثلا، وهذا ما يدعو هوليوود وسواها إلى إيلاء المنطقة العربية اهتمامها الحالي والتوجّه إليها طلبا للتمويل أو للتصوير أو لضمّها إلى الماكينة العالمية.

خلال السنوات التي تبعت فوزها بالأوسكار سنة 2002 عن فيلم «الساعات» تعرّضت مهنة نيكول كيدمَان إلى خضّة كبيرة: مجموعة من أفلامها اللاحقة أخفقت في العثور على جمهور كبير من بينها «دوغفيل» و«بقعة إنسانية» و«ولادة». إلى ذلك كانت هناك أفلام أخرى حاولت فيها استعادة ذلك الجمهور على اعتقاد منها أن نوعية تلك الأفلام الفنية في الغالب هي سبب الفشل، مما أدّى إلى سلسلة من الأفلام المخفقة تجاريا ومن دون أسلوب فني يعوّض ذلك الفشل. من هذه الأفلام «زوجات ستبفورد» و«مسحورة» وصولا إلى فيلمها الثاني مع المخرج باز لورمن (أستراليا) سنة 2008 (الأول كان «مولان روج» سنة 2001). الآن، تبدو الممثلة التي ما زال كثيرون يعتبرونها، وعن حق، إحدى أفضل الممثلات الأميركيات حين تجد الشخصية المناسبة في الفيلم المناسب، وقد استوعبت دروس المرحلة السابقة وباتت قادرة على التخطيط على نحو أكثر دراية وفهما. الممثلة الأسترالية التي ولدت قبل 43 سنة وفازت بنحو 33 جائزة مختلفة من أصل 61 ترشيحا، تدرك الآن أن سبيلها للبقاء على السدّة هو حسن الاختيار. ولديها مجموعة من المشاريع التي انتقتها بعناية كما قالت لي قبل بدء الحديث بقليل، مضيفة: «أشعر أنني الآن في فترة جديدة من حياتي العملية. الفترة التي لم أعد مستعدة فيها لأي تنازل. بالتالي آمل أن تكون كل أفلامي بدءا من هذا الفيلم من تلك التي رغبت بها دوما».

وهذا الفيلم الذي تتحدّث عنه هو حديثها المعروض حاليا تحت عنوان «جحر الأرنب»: دراما كلاسيكية عن حياة والدين فجعا بموت ولدهما وكيف يؤثر ذلك على حياتهما معا. إنه ليس الموضوع المناسب لكل الناس، لكنه الموضوع الذي جذب كيدمَان أكثر من سواه فاشترت حقوقه عن مسرحية نيويوركية وأقدمت على إنتاجه. وللعام الجديد، لديها ثلاثة أفلام تحمل مواضيع مختلفة أقربها للعرض «مرور ممنوع» الذي يشاركها بطولته نيكولاس كايج. ومن بينها فيلم من إنتاجها فقط عنوانه «مونتي كارلو» من بطولة أندي مكدوويل ومجموعة كبيرة من الممثلات الشابات.

* مسرحية خاصّة

* عددت عشرة أفلام جديدة يُقال إنك ستقومين بها. هل أنت مستعدة لثلاث سنوات من العمل المتواصل؟

- طبعا، بل مشتاقة لذلك، ولو أن بعض الأفلام التي يقولون إنني مرتبطة بها لم تصل إلي بعد. أحيانا ما أقرأ أنني سأمثل في فيلم ما وأنا لم أتسلم أي إشعار بذلك

* كلّما كان الدور صعبا، كلّما استهواك. هل هذا صحيح؟

- أشعر بالشخصية التي تروق لي ولذلك أؤدّيها. المسألة في الحقيقة أكثر تعقيدا من ذلك. أعرف الآن أن قراءتي لبعض الشخصيات كانت مبهمة بالنسبة إلي وربما لو أتيح لي أن أعود لتمثيلها لفعلت ذلك على نحو مختلف قليلا. هناك أفلام أخرى كثيرة كانت الشخصيات واضحة تماما وأتاحت لي فهمها من البداية. مفتاح كل شيء هو أن أجد السبيل لدخول الشخصية. لا لدخول عواطفها وتوتّرها. أن أفهم كيف تواجه ما تواجهه ومن أي منطلق.

* هذا ما حدث معك في «جحر الأرنب»؟

بالتأكيد. حين قرأت السيناريو قررت أن أعيش الشخصية مسبقا. كنت أقرأ وأبلور نفسي استعدادا لما سأقوم به. لاحظت أنني مشدودة تماما إلى ما تعيشه وما تعانيه. أصارحك، حين كنت أصحو أحيانا من النوم، وهذا حدث وقت التصوير، كنت أجد نفسي أبكي. كنت أجد نفسي مهتزّة أرتجف حتى العظم. سابقا حدث ذلك معي في سنوات عملي، لكنه لم يحدث على هذا النحو العنيف والمتتابع. ثلاث أو أربع مرّات في ستّة أسابيع. هنا أدركت أن الدور يزعجني ويؤثر في لكن مع هذا الإدراك شعرت أنني اقتربت من الشخصية إلى حد الالتصاق. وكان هذا هو المطلوب فعلا. كان علي بعد ذلك أن أحترم هذا الوضع وأبذل في الأداء كل ما أستطيع بذله.

* حماسك للعمل أدّى بك إلى القيام بإنتاج الفيلم وليس فقط بطولته؟ هل شاهدت المسرحية التي تم وضع السيناريو عنها؟

- لا، لأني أعيش في مدينة ناشفيل والمسرحية عرضت في نيويورك ولم أتمكّن من مشاهدتها. لكني قرأت النقد الذي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» لها، ودهشت لما قرأته عنها. منذ تلك اللحظة أمسكت الحكاية باهتمامي وقلت في نفسي «هذا مشروعي المقبل. سأقوم بإنتاج هذه المسرحية فيلما». اتصلت بشريكي في شركة الإنتاج وسألته إذا ما كان يستطيع الذهاب إلى نيويورك وحضور المسرحية وفعل ذلك وأبدى إعجابه. من حسن الحظ أن حقوقها لم تكن قد بيعت بعد. عادة ما يشتري (المنتج) سكوت رودين كل شيء (تضحك).

* كيف تقيّمين مراحل حياتك السينمائية، لنقل منذ أن أصبحت نجمة؟

- أعتقد أنها مرحلة طويلة مليئة بالنجاح والعثرات. أحيانا ما جنحت بعيدا ولكني كنت أعود إلى نهجي بحثا عن المادّة الجيّدة وعن الشخصية النسائية الرائدة بصرف النظر عن تشابكها وعمقها، بل لأنها عميقة، لأن عمقها وما تحتويه من مشاعر في الداخل هو ما كنت أصبو إليه باحثة لأتقدم. نعم، لقد ارتكبت أخطاء كبيرة في هذه الرحلة، لكني أيضا حققت نجاحات كبيرة. أتذكر أن أحدا قال لي في مطلع حياتي المهنية: إذا كنت تريدين أن تستمري طويلا في هذه المهنة عليك أن تتوقّعي الصعود والهبوط. وهذا حقيقي. أنظر إلى الأمس وأشعر أنني أريد الآن أن أبذل أكثر في سبيل تكوين كيان من الأفلام الجيّدة. أفلام ذات قيمة.

* تحت السطح

* سبق لك أن أنتجت فيلما واحدا على ما أعتقد. هل هذا صحيح؟

- نعم. قبل تسع سنوات قررت أن أنتج مع شركاء لي حينها فيلم المخرجة جين كامبيون «في الحسبة» كانت تجربتي الأولى. In the Cut

* والوحيدة.. إلى حين قمت بإنتاج هذا الفيلم. لماذا عدت إلى الإنتاج؟ ما الذي تتوخينه من ذلك؟

- أعتقد أن المسألة واتتني بالتدريج. بعد ذلك الإنتاج الأول اعتبرت أن إقدامي عليه كان لأسباب استثنائية. المشروع كان جميلا وأنا لم أشترك به كممثلة لكن الموضوع أعجبني والمخرجة لها سمعة فنية كبيرة في أستراليا والعالم. ولأني اعتبرته فعلا استثنائيا لم أهتم بإعادة الكرّة. لكن خلال كل تلك السنوات لا بد أن يكوّن الممثل وجهة نظر ما فيما يتم إنتاجه من مشاريع، وربما كان الشعور داخليا مثل نهر تحت سطح الأرض حتى إذا ما وجد منفذا ظهر فوقها. هناك أيضا سبب آخر يعود إلى شعوري بالإحباط من أنني لا أملك مؤسسة خاصّة بي وأنني بحاجة إلى هذه المؤسسة لكي أستطيع إنجاز الأفلام التي قد تتردد شركات أخرى في إنتاجها.

* هل تعتبرين بعض أفلامك في التسعينات وما بعدها مثل «دوغفيل» و«ولادة» و«زوجات ستبفورد» و«مسحورة» من بين العثرات التي كنت تتكلّمين عنها؟

- لكل فيلم حالته. بالطبع بعض الأفلام التي ذكرتها لم تحقق لي أي نجاح خاص. لكنها بدت مشجّعة ومختلفة حين قرأتها. الإنتاج بأسره بدا مناسبا والمشروع متكاملا بعناصر مختلفة. لكني أري ما تقصده حين تذكر فيلما مثل «مسحورة» إنه لا يحتوي على الشخصية التي تحدّثت عنها قبل قليل. تلك المركّبة التي تسبب الشغف بها. لكن إزاء كل مرحلة هناك مسائل لا تدركها حينها. الآن الأمر مختلف ولو عرض علي بعض هذه الأفلام سأكون أكثر تدقيقا.

* أنت سفيرة خير للأمم المتحدة وقبل أشهر قليلة زرت هاييتي. ما الذي خرجت به من تلك الزيارة؟

- المأساة التي وقعت في هاييتي معروفة الآن، لكن الاقتراب منها أو السفر إلى هاييتي للتعرّف على الحقيقة أمر آخر مختلف تماما. لقد قابلت فتيات يعشن في مخيّمات ومآو، وتحدّثت إلى عدد كبير منهن كن تعرّضن للاغتصاب وأنجبن باكرا نتيجة ذلك. شعرت بالأسف الشديد لهن، لكن من ناحية أخرى، وأنا لا أقول ذلك تخفيفا للوقع، فرحت أنهن في رعاية جمعيات خيرية قائمة على مساعدة المصابين خصوصا ضحايا مثل هذه العمليات التي تستظل بالأحداث السياسية والاضطرابات.

* فيلم «جحر الأرنب» يتحدّث عن زوجين فقدا ولدهما. هل هناك علاقة بين صور تلك المأساة والمأساة التي في الفيلم؟

- هذا سؤال مثير لأنه بالفعل هناك علاقة. أعتقد أن الفيلم لا يتعامل فقط مع مأساة زوجين فقدا ابنهما ويعانيان من ذلك، بل أيضا حول الأسى الذي يصيب الآباء والأمهات في شتّى الظروف. في هذه الناحية أردته رمزيا وفي الوقت ذاته يتحدّث عن المشكلة المعروضة مباشرة.

* أحد الأفلام التي أنتظرها بفارغ الصبر ويتردد أنك ستقومين بإنتاجه هو قصّة حياة المغنية البريطانية دستي سبرينغفيلد. أين أصبح هذا المشروع؟

- هل تذكر ما قلته لك قبل قليل؟ هناك مشاريع لا أدري بها تُنسب إليّ. لكني أوافقك؛ أي فيلم عن دستي سبرينغفيلد سيثير اهتمامي أيضا.