هل تتحول هزائم المطربين السينمائية إلى انتصارات؟

بعضهم قرروا الاتجاه إلى الدراما التلفزيونية في رمضان المقبل

عبد الحليم حافظ وأم كلتوم وهاني شاكر وهشام عباس وتامر حسني
TT

على طريقة نجوم السينما، قرر عدد من نجوم الطرب والغناء الاتجاه إلى الدراما التلفزيونية في رمضان المقبل.. أطلق إشارة البدء بالهجوم لاقتحام الشاشة الصغيرة «عمرو دياب»، وتبعه كالعادة «تامر حسني» ثم «حمادة هلال»، و«شعبان عبد الرحيم»، مؤخرا قرر «هاني شاكر» أيضا أن لا تفوته محطة قطار التلفزيون هذا العام، ولهذا يعقد جلسات عمل مع الكاتب «يوسف معاطي» لتقديم مسلسل لأول مرة في حياته، بعد أن ابتعد عن السينما قبل نحو 35 عاما.. ولكن على أرض الواقع، فإن الذي تعاقد على المسلسل ويبدأ التصوير، هو «تامر حسني»، وحصل على أعلى رقم عرفته الشاشة الصغيرة، 37 مليون جنيه، نحو 7 ملايين دولار، متفوقا على «عادل إمام» بربع مليون دولار، أجر «عادل» عن مسلسل «فرقة ناجى عطا الله» 35 مليون فقط!! في رمضان الماضي، كان «محمد فؤاد» قدم أول عمل درامي تلفزيوني له «أغلى من حياتي». هو الذي كتب القصة، وعلى الرغم من أنه قد حقق نجاحا متوسطا، فإنه يبدو وكأنه قد فتح شهية المطربين لاقتحام الشاشة الصغيرة.. أما «مصطفى قمر» فهو يحرص خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على أن لا يفوته شهر رمضان إلا ويلتقي مع الجمهور في مسلسل، وكان «مصطفى» قد ابتعد منذ تلك السنوات عن السينما على الرغم من أنه كان أحد نجومها، ولكن أفلامه الأخيرة لم تحقق إيرادات، ولهذا طالب بحق اللجوء التلفزيوني.. فهل يصبح التلفزيون بديلا عن السينما التي خذلت أغلب نجوم الطرب، حيث لم ينجح أحد سينمائيا بين المطربين والمطربات على مستوى الشباك، باستثناء «تامر حسني»، والنجاح الذي أعنيه لا علاقة له بالمستوى الفني، لأن أفلام «تامر» متواضعة جدا في هذا الشأن، ولكن بمقياس شباك التذاكر حقق «تامر» إيرادات مرتفعة في أفلامه الأربعة الأخيرة، وعلى هذا أصبح له سنويا مشروع سينمائي، بينما لم تعد السينما ترحب كثيرا بالمطربين الآخرين.. هل بالفعل التلفزيون يملك كل هذه الجاذبية ليحيل هزائم المطربين السينمائية إلى انتصارات تلفزيونية، ولكن قبل أن نقلب صفحات تلك الهزائم السينمائية والانتصارات المأمولة تلفزيونيا، أشعر بأننا ينبغي أن نتوقف أولا أمام حالة تبدو في مرحلة وسيطة بين الفيلم والمسلسل، أعني بها «الفيديو كليب»، الذي أراه هو المسؤول الأول، وأقول الأول، وليس الوحيد، عن هذا الفشل الذريع الذي مني به أغلب المطربين سينمائيا، على الرغم من أن الفيديو كليب أكثر الوسائط التي هوجمت بضراوة، باعتباره هو عنوان الرداءة، على الرغم مما في هذا الرأي من تجنٍّ فادح، بل وفاضح، لأن الفيديو كليب مثل كل المستحدثات في حياتنا؛ تبدأ عادة بالدهشة، ثم الرفض، ثم التقنين ومحاولة اختيار السمين من الغث.. هذا هو حال الفيديو كليب، حيث انتشرت أغاني الفيديو كليب وأصبحت مادة ثابتة ومطلوبة على كل المحطات التلفزيونية؛ أرضية أو فضائية خلال 20 عاما!! ولهذا، فلقد عقدت الكثير من المهرجانات المتلاحقة على امتداد الوطن العربي؛ في القاهرة وبيروت والمنامة والدوحة للفيديو كليب، فهو حلقة الوصل بين السينما والفيديو، ولكن هل أغنية الفيديو كليب تصبح بديلا عن الشريط السينمائي؟

الذي استوقفني هو أنه منذ أكثر من عشر سنوات وهناك انحسار للفيلم الغنائي على مستوى عالمنا العربي، والسنوات العشر الأخيرة هي بالتحديد عمر ازدهار أغاني الفيديو كليب عبر كل المحطات التلفزيونية، وعندما تأملت ذلك وجدت أن هذا الاختفاء سببه أن المطرب لم يعد عزيز المنال كما كان يحدث في الماضي.. إن أفلام «عبد الحليم» و«ليلى مراد» و«فريد الأطرش»، وقبل ذلك «أم كلثوم» و«عبد الوهاب»، وغيرهم، كان السر وراء إقبال الجمهور عليها هو حالة الندرة، لأن الناس لا تشاهدهم كثيرا، لأنه قبل انتشار التلفزيون في عالمنا العربي في الستينات كان المطرب لديه وسيلة واحدة مضمونة، وهي الأسطوانة الغنائية، يستمعون إليهم كصوت فقط، ولا يشاهدونهم، أما الحفلات الغنائية فإنها تظل محدودة وروادها قلائل، ولهذا جاء الفيلم السينمائي الغنائي لنجد أن التهافت أساسا على المطربين والمطربات، وتبدو السينما التي نطقت عالميا عام 1927 بالفيلم الأميركي «مغني الجاز»، كأن هذه السينما نطقت لكي تغني، وكما قال الفيلسوف «شوبنهاور» إن كل الفنون في عمقها تريد أن تحاكي الموسيقى.. وأنا أعتقد أن السينما الخالصة تسعى لكي تصبح ترديدا مرئيا للموسيقى المسموعة!! إن مسيرة السينما والموسيقى، وتلك العلاقة الوطيدة بينهما، تعود إلى بداية السينما عندما عرفنا أول عروض للسينما منذ نهاية 1895، كان يصاحب هذه العروض عزف موسيقي، وهذه المحاكاة مع الموسيقى انتقلت إلى السينما العربية، والدليل أن السينما المصرية، التي نطقت عام 1932 بفيلم «أولاد الذوات»، سارعت بعد ذلك بعدة أشهر بتقديم «أنشودة الفؤاد»، بطولة المطربة السورية «نادرة»، ثم «الوردة البيضاء» لمحمد عبد الوهاب عام 1933، وبعد ذلك بثلاثة أعوام تقدم «أم كلثوم» فيلم «وداد»، ويستمر الحال بالفيلم الغنائي، ولا يهم بالطبع أن المطرب يجيد مفردات التمثيل السينمائي أو لا، المهم هو أن هناك مطربا، أو مطربة، يقف أمام الكاميرا، والناس تريد أن تشاهد أفلامه، ولهذا مثلا نجح «فريد الأطرش» سينمائيا بأفلامه التي تتجاوز الثلاثين، والتي بدأها في مطلع الأربعينات بفيلم «انتصار الشباب»، وكانت علاقته وطيدة بالسينما، حتى إن آخر أفلامه «نغم في حياتي» يعرض بعد رحيله بعام، وذلك في 1975.. ويقدم «محمد فوزي» هو الآخر 30 فيلما غنائيا، و«عبد الحليم حافظ» 15 فيلما، و«ليلى مراد» 28 فيلما، وعندما تعتزل «ليلى» السينما عام 1955 نكتشف أن التراث الغنائي الذي احتفظنا به لهذه الفنانة يعود 90 في المائة منه إلى السينما، ويتكرر الأمر مع «عبد الحليم حافظ»؛ 70 في المائة من أغنياته هي التي احتفظت بها الأشرطة السينمائية، وهكذا حفظت لنا السينما عبر التاريخ أغنيات هؤلاء المطربين والمطربات مرئية!! وبعد رحيل جيل العمالقة، ومنذ الثمانينات، حدث انتشار هائل للقنوات التلفزيونية الفضائية، ووجدنا أن المطربين والمطربات لا يكتفون فقط بتقديم أغاني الحفلات، ولكن تعددت أحاديثهم التلفزيونية، فصاروا متاحين أكثر أمام الجمهور، ثم انتشرت أغنيات الفيديو كليب ولم يعد يحقق المطرب في الأفلام السينمائية الغنائية أي نجاح يذكر.. لقد قدم «هاني شاكر»، «وليد توفيق»، «عمرو دياب»، «محمد فؤاد»، «عمر فتحي»، «أحمد عدوية»، «محمد ثروت»، «مدحت صالح»، «مصطفى قمر»، «شعبان عبد الرحيم»، «حكيم»، «هيفاء وهبي» وغيرهم أفلاما كثيرة، إلا أن النجاح ظل محدودا على مستوى شباك التذاكر، وحتى فيلم «إسماعيلية رايح جاي» الذي لعب بطولته «محمد فؤاد» وحقق ما يربو على 3 ملايين دولار عام 1997، ولم تتجاوز تكلفته نصف مليون دولار. هذا النجاح يعود إلى كوميديا «محمد هنيدي» وليس إلى غناء أو تمثيل «محمد فؤاد»، وذلك لأن الجمهور وجد في أغنية الفيديو كليب بديلا عن الفيلم الغنائي، لأنها الأكثر تكثيفا وتتمتع بخفة ظل.. محاولة أيضا المخرج «خالد يوسف» مع «هيفاء وهبي» في فيلم «دكان شحاتة» ظل نجاحها محدودا، لأن «خالد» راهن على الممثلة «هيفاء»، وموهبة «هيفاء» في التمثيل محدودة جدا، ولكن من الممكن أن تنجح جماهيريا لو تم صياغة فيلم غنائي استعراضي تلعب بطولته.. والواقع أنه لم يستطع مخرجو تلك الأفلام الغنائية تقديم نبض آخر في أفلامهم لم تصل إليه أغنية الفيديو كليب، وهكذا أحجم المنتجون في السنوات الأخيرة عن المغامرات في الأفلام الغنائية، وعلى الرغم من ذلك فإن لا أغنية الفيديو كليب ولا المسلسل التلفزيوني يمكن أن يصبحا بديلا عن الفيلم الغنائي، على شرط واحد، أن يبحث المخرجون والمطربون والمطربات عن مناطق إبداع أخرى لم يطرقوها من قبل؛ في الفكرة والسيناريو والإخراج عبر الشريط السينمائي.. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك عددا من المطربين، مثل «راغب علامة»، «إليسا»، «وائل كافوري»، «إيهاب توفيق»، «هشام عباس»، «عاصي الحلاني»، «كاظم الساهر»، «نانسي عجرم» وغيرهم لا يزالون مترددين، ليس فقط سينمائيا، ولكن أيضا تلفزيونيا، على اعتبار أنهم لا يملكون موهبة التمثيل، إلا أن السؤال: هل المطلوب أن يتمتع المطرب بموهبة عالية في فن الأداء، أم أن الناس قد تتسامح معه تمثيليا، على شرط أن يشبعها غنائيا؟ الحقيقة هي أن الجمهور مستعد لأن يتسامح، ولهذا السبب يقتحم المطربون والمطربات السينما والتلفزيون عبر التاريخ طمعا في التسامح!