بيتر وير يتحدث لـ «الشرق الأوسط» عن دوافعه وراء «العودة إلى الوطن»

المخرج الأسترالي: كل أفلامي صنع اليد

المخرج بيتر وير
TT

يواجه الإعلامي الكبير روبرت مردوخ مشكلات متجددة منذ بضعة أسابيع، أي منذ أن واجه معارضة قوية داخل أجهزة الإعلام البريطانية وبعض أعضاء الحكومة لخطّته القاضية بشراء 61 في المائة من أسهم محطة «BSkyeB» البريطانية.

سبب المعارضة هو أن مردوخ يملك حاليا 39.1 في المائة من هذه المحطة المستقلة الضخمة (10 ملايين مشترك في بريطانيا وآيرلندا)، وإذا ما وضع يده على الباقي فإن ذلك سيحوله إلى مالك أكبر مؤسسة إعلامية منفرد في التاريخ البريطاني، أو ربما العالم، خصوصا إذا ما أضفنا حقيقة أنه، وعبر مؤسسة «نيوز كوربوريشن»، يملك كل أسهم «سكاي إيطاليا» و78 في المائة من «سكاينتوورك نيوزيلاند». يود مردوخ الاستحواذ على كل هذه السلطات لمزيد من الشأن الإعلامي والمزيد من الشأن المادي أيضا، وهذا حقه إذا استطاع. ما يذكرني بفيلم جيمس بوند «الغد لا يموت» (1997) الذي وجدنا فيه جيمس بوند يواجه بارونا إعلاميا اسمه كارفر (جوناثان برايس) يود الاستيلاء على العالم (إعلاميا) عبر إشعال فتيل حرب جديدة تتيح له متابعتها كونه المتسبب فيها. مردوخ لا يود إشعال حرب، لكنه جاد في محاولته أن يتبوأ المركز الأول إعلاميا علي أي حال.

يحتوى ماضي المخرج بيتر وير على ما يكفي للتأكيد على أنه مخرج مستعد لأن لا يعمل على أن يحقق الفيلم الذي لا ينجزه تبعا لمعاييره وفهمه وأسلوبه. فمنذ أول أفلامه التي جذب إليه الأنظار، وهو «رحلة عند هانكينغ روك» سنة 1975، وهو ينجز أعماله تبعا لتلك المعايير الخاصة. رؤيته للأشياء لا رؤية غيره. وفي حين أن أفلامه الأسترالية الأولى، مثل ذلك الفيلم المذكور، وأفلامه اللاحقة مثل «الموجة الأخيرة»، و«غاليبولي» (الذي تم تصوير مشاهد منه في مصر)، و«سنة العيش في خطر»، لم تعكس هذا الصراع الجاهز بين المبدع والممول، إلا أن تلك اللاحقة لم تكن سهلة الإنجاز حتى وإن جاء بعضها على هواه، بداية بـ«شاهد» (1985)، ثم «ساحل موسكيتو»، و«مجتمع الشعراء الموتى»، و«ترومان شو».. لكن الأمور تعرقلت في «غرين كارد» الذي يشبه أفلاما كوميدية - عاطفية أميركية كثيرة، ثم عانى في «سيد وقائد» قبل أن يستطيع تحقيقه على هواه.

فيلمه الجديد «العودة إلى الوطن» يجيء بعد انقطاع 8 سنوات عن العمل لأنه ما عاد يحتمل شروط هوليوود. رغم ذلك هو فيلم لحسابها ولو على طريقته. إنه ليس الفيلم الذي سيدخل تاريخ السينما كعمل فني مميز، لكنه - على الأقل - عمل ذو معنى بالمقارنة مع معظم ما تورده هوليوود هذه الأيام. يدور حول 7 هاربين من معتقل سايبري في مطلع الأربعينات يجتازون أكثر من 4000 ميل مدركين أن الملجأ الوحيد هو ذلك الذي يقع خارج الحدود الشرقية الجنوبية. حكاية آسرة وصعبة الإنجاز، وإن كانت تبدو بلا دافع إثر مرور أكثر من عقدين على انهيار الاتحاد السوفياتي.

* حسب معلوماتي فإن عمر هذا المشروع لا يقل عن 5 سنوات.. أليس كذلك؟

- استرعت القصة اهتمامي مطلع سنة 2007 لكنني لم أجد الوقت الكافي للعمل عليه إلا في العام الماضي عندما وجدت أنني فعلا متعلق بهذه القصة وأريد نقلها إلى الشاشة. عام 2008 كانت أولى محاولاتي الجادة لتحقيق الفيلم، كتبت السيناريو لكنني لم أجد أن أحدا مهتم لحكاية حول مساجين من سيبيريا يجتازون المسافة إلى الهند هربا من الحكم في الأربعينات. وهي قصة حقيقية كما لا بد أنك تعلم.

* هل تعتقد أن السبب الذي من أجله استطعت إقناع هوليوود بتمويل الفيلم اليوم له علاقة بالمستجدات السياسية حول العالم؟

- ليس لي علم أكيد بهذه الناحية، لكني أفهم السؤال وأجده يحمل بعض المعاني المتصلة بالفيلم فعلا، خصوصا ونحن ننظر إلى ما يحدث حول العالم من تغييرات اجتماعية مهمة وعلى مختلف الوجوه، اقتصاديا وصناعيا وسياسيا. لكن في الوقت ذاته، يتشبث الفيلم بأحداثه التي تقع في أربعينات القرن الماضي. لذلك فإنه إذا ما كان هناك خيط رفيع بين الأمس واليوم، فهو خيط إنساني بالدرجة الأولى.

* لا بد أن التصوير في الأجواء الطبيعية، حتى لا أقول الأماكن ذاتها، كان صعبا للغاية.. تلك الأجواء الباردة وطول فترة التصوير وانتقاله من منطقة إلى أخرى..

- هذا أصعب فيلم صورته ليس من هذه الناحية فقط، بل أيضا من ناحية أنه فيلم لا ينسى أن عليه أن يؤدي دورا ذهنيا ذكيا وليس تشويقيا فقط. وهذا ما يجعل الممثل يبذل جهدا إضافيا لمنح شخصيته اختلافها وتطورها. هذا إلى جانب أن هناك جهدا بدنيا فائقا وفره كل الممثلين المشتركين وأنا أقدر ذلك. لكن بالدرجة الأولى أؤكد على التحدي الذي واجهه كل ممثل مع الشخصية التي يؤديها وكيف يجعلها مثيرة لذاتها، وليس فقط بسبب الأحداث التي تقع معها.

* هل اضطررت إلى أن تكتب مشاهد إضافية خلال التصوير نظرا لأن ما لديك القيام به هو أكثر مما استوعبه السيناريو لسبب أو لآخر؟

- ليس على هذا النحو. ليس تحديدا. ما فعلته بالطبع هو بعض التعديل هنا وهناك.. وهذا عادي حتى في أفلام لا تتطلب التصوير الخارجي على هذا النحو. لكن ما كنت حريصا عليه دائما هو أن أجل كل لقطة من الفيلم في محلها ومهمة وتعني شيئا في الفيلم.

* اختيارك جيم ستيرجز للبطولة أقرب إلى الكشف عن وجه جديد لموهبة هذا الممثل الشاب لم نرها من قبل..

- كنت شاهدته في «عبر الكون» (2008) ولفت نظري. عرفت أنه موهوب وفكرت فيه منذ ذلك الحين. علمت أنه صور فيلما قصيرا، وأرسله إلى مخرجة الفيلم (جولي تايمور)، يؤدي فيه بعض المشاهد لإقناعها بصلاحيته، وهي اقتنعت بالفعل. طلبت ذلك الفيلم وشاهدته وقررت أن شخصية ذلك البولندي الشاب الذي يحلم بالعودة إلى زوجته طوال الوقت لا بد أن تذهب إليه. لقد أدركت لماذا اختارته حين حققت الفيلم. على أي حال حين التقيت به غيرت رأيي.. (يضحك) بدا لي مشوشا وقلت في نفسي ربما كنت على خطأ. لكنه عاد فأرسل لي شريطا مثّل فيه أحد مشاهد «العودة إلى الوطن» المهمة، وحينها اقتنعت فعلا.

* هذا هو فيلمك الأول منذ عام 2003 حينما قدمت «سيد وقائد»، هل عملت على مشاريع أخرى قبل هذا المشروع ولم ير أي منها النور؟

- نعم... «أفاتار» (يضحك). جديا.. طُلب مني أن أحقق «هاري بورتر» (يضحك).. لا. لم يحدث. لا أتحدث عن مشاريع لم أوافق عليها، لكن كان هناك 3 مشاريع أخرى. أعتقد أن الحظ لم يكن معي خلال تلك الفترة. مرة لأني رفضت مشروعا بسبب أنه لم يستحوذ على إعجابي، ومرة لأني لم أتفاهم مع المنتج.. كنت كمن يغير سيارة تلو سيارة من دون أن يصل إلى غايته.

* قرأت لك حديثا شيئا كان بمثابة نقد لكيفية قيام هوليوود هذه الأيام بتحقيق أفلامها.. الشروط والالتزامات التي يتطلبها الفيلم إلى آخره.. هل تغير رأيك بعد هذه التجربة على أساس أنك حققت الفيلم بشروطك أنت؟

- نقدي كان ولا يزال ناتجا عن الاتجاه العام لصناعة السينما وليس لأني خضت صراعا ضد هوليوود بخصوص هذا الفيلم. طبعا لم يكن تحقيق هذا الفيلم هينا إنتاجيا، وتحدثنا عن السنوات التي قضيتها لإنجاز هذا الفيلم. إنه منهج عام، وحين يكون هناك مخرج لا يستطيع إلا أن يحقق الفيلم الذي يريده هو فإن إيجاد الجهة التي تصغي إليه وتوافق معه يصبح مسألة مهمة وصعبة. أفلامي هي صنع اليد فعلا.

* لسبب ما ذكرني هذا الفيلم بعملك القديم «غاليبولي».. لماذا؟

- ربما لأنهما الفيلمين الوحيدين من بين أفلامي اللذين كانا اقتباسا عن خلفيات حقيقية.

* ما هو منهجك حيال الأفلام التي تستند إلى أحداث حقيقية إذن؟

- منهجي هو أن علي أن ألتزم بالوقائع. هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على كل ما له علاقة بالحدث كما وقع. لا تستطيع مثلا أن تحوّر الحقيقة لتخدم مصلحة خاصة.

* ما أخذته من الفيلم الجديد أيضا هو سؤال حول لماذا العودة إلى تلك الحقبة.. ما الذي أردت أن تقوله عنها؟

- ليس عنها، بل عن عزيمة مجموعة من الرجال قررت أن تستعيد حريتها بالهرب من معتقلها في سيبيريا. لم تكن تعلم شيئا عن مستقبلها، وإذا ما كانت تستطيع النجاح في هذه العملية وسط الصقيع والطبيعة القاسية وطول المسافة التي عليها أن تجتازها للوصول إلى آسيا. روسيا بلاد كبيرة، وتستطيع أن تتصور، وأعتقد أن الفيلم عكس ذلك، المسافة التي على الهاربين اجتيازها قبل الوصول إلى الأمان. كل يوم كان يمر عليهم، كان يوما يمكن الاحتفال بمولدهم من جديد. هذا ما أردت نقله وهذا ما أعتقد أنه يصل إلى المشاهد. أما الحقبة ذاتها فهي مستمرة. هناك دائما حلم لفرد بالحرية التي حرم منها.