حرب أهلية في الوسط الفني المصري.. فمن يطفئ الحريق؟

فريق ثالث ظل يرقص على الحبل

الفنان العالمي عمر الشريف اتخذ موقفا صريحا ضد النظام (أ. ب)
TT

تستطيع أن ترى وتسمع بجلاء شديد طبول الحرب وهي تدق بكل صخب وعنف في كل جنبات الوسط الفني بعد أن أصدر قطاع كبير من شباب ثورة 25 يناير قائمة سوداء ضمت قطاعا وافرا من الفنانين، وألحق بهم أيضا قطاعا من الإعلاميين ولاعبي الكرة. صرنا أمام فريقين في الوسط الفني، من أيّد الثورة ومن أيّد مبارك.. من تظاهر ضد مبارك في ميدان التحرير، ومن خرج في مظاهرة مضادة إلى ميدان مصطفى محمود الشهير، تم التخطيط لها من خلال فلول الحزب الوطني التي استعانت بعدد من الفنانين بقيادة أشرف زكي نقيب الممثلين، الذي استطاع أن يحشد عشرات من النجوم ردا على النجوم الذين توافدوا على ميدان التحرير منذ يوم 25 يناير وواصلو البقاء حتى بعد رحيل الرئيس السابق حسني مبارك!! هناك بالفعل حالة من الغضب اشتعلت بين من ثار ضد مبارك وعهده، ومن أيّد مبارك وكان من مصلحته التمهيد لابنه وريثا لحكم مصر من بعده. وبين هؤلاء يظل لدينا الفريق الثالث وأعضاؤه كثيرون، وأعني بهم الذين رقصوا على الحبل. في البداية أيدوا مبارك وطالبوه بعد الخطاب الذي أعلن فيه عن عزمه بعدم الترشح مرة أخرى، طالبوه بالبقاء رئيسا مدى الحياة. الفريق الأكثر ضعفا الآن من أشهر رموزه عادل إمام وإلهام شاهين وغادة عبد الرازق ونهال عنبر وهالة صدقي وأحمد عز، الممثل بالطبع وليس رجل الأعمال، ولقاء سويدان وطلعت زكريا وسماح أنور وعمرو مصطفى ونادية الجندي ونبيلة عبيد وتامر حسني وحسن يوسف وشمس البارودي وروجينا ومحمد فؤاد وزينة. حتى يسرا التي كانت في باريس وقت اندلاع الثورة قررت أن تحدد موقفها المؤيد لحسني مبارك في الاتصالات التليفونية التي أجريت معها، حيث من المعروف أن يسرا هي أكثر الفنانات اقترابا من ابني الرئيس علاء وجمال.

ونفس الموقف تعرض له أحمد السقا الذي كان قريبا من ابني الرئيس السابق، بينما محمد هنيدي تربطه صداقة مع علاء مبارك.. وليس الأمر بالتأكيد قاصرا فقط على الصداقة، هناك ولا شك ما يمكن أن نعتبره قناعات لدى البعض بأن يبقى مبارك وأن يأتي ابنه جمال من بعده رئيسا! لأن الصداقات التي توطدت بين هؤلاء النجوم ورجال الحكم حققت لهم نوعا من الحماية! وهناك بالتأكيد مواقف لعدد من الفنانين تدل على قصر النظر السياسي، تجد ذلك مثلا في حسن يوسف وزوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودي، حيث إن حسن يوسف هاجم الشباب في التحرير وأعلن تأييده لمبارك، بينما زوجته شمس قالت إنها بسبب مظاهرات التحرير تخشى أن تذكر أنها مصرية.. رغم أن مظاهرات التحرير هي التي أعادت لنا الإحساس بقيمة وكرامة المصري، بل هي من وجهة نظري أعادت لكلمة الزعيم مصطفى كامل معناها، والتي يقول فيها: «لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا»!! الأيام الطويلة التي استغرقتها الثورة، حتى أعلن الرئيس مبارك الرحيل بعيدا عن السلطة وصار يحمل لقب «الرئيس السابق»، هذه الأيام التي وصلت إلى 18 يوما أدت إلى أن نرى انقلابات وتحولات كثيرة في الوسط الفني.. من كان يؤيد مبارك صار يعارضه، وهناك من انتظر حتى خطاب التنحي وأعلن معارضته للنظام ولمبارك، وهناك من تنكر تماما لكل مواقفه السابقة المعلنة، بل والموثقة في تسجيلات. لقد أدى الأمر إلى أن نرى أصدقاء في الوسط الفني مثل المخرج خالد يوسف، الذي كانت الشائعات تؤهله للزواج بغادة عبد الرازق وقدم لها أربعة أفلام آخرها «كف القمر» الذي لم يعرض بعد، هذه الصداقة الفنية صارت نوعا من العداوة بعد أن أعلنت غادة في الصحف أنها قطعت علاقتها بخالد بسبب موقفه المؤيد للثورة!! لقد بدأت التناقضات في النقابات الفنية مساء الأربعاء 26 يناير، عندما وجّه خالد الصاوي الدعوة للفنانين من أجل أن يتخذ الفنانون رأيا في ما جرى قبلها بـ24 ساعة عندما اندلعت الثورة في ميدان التحرير. وأيد عدد كبير من الفنانين موقف المتظاهرين، ورفض كل من نقيب الممثلين أشرف زكي ورئيس اتحاد النقابات الفنية ممدوح الليثي التوقيع على البيان. وبدأ الشرخ يتسع حتى إن نقابة السينمائيين، والتي كانت تبدو بعيدة عن تلك الصراعات، اعترض عدد كبير من أعضائها على موقف النقيب مسعد فودة المؤيد للدولة ولنظام حسني مبارك وقرروا إسقاطه من مقعد النقيب، رغم أنه انتخب قبل بضعة أشهر وتفوق في عدد الأصوات على منافسه المخرج علي بدرخان. وتواكب مع ذلك موقف مماثل من نقابة الموسيقيين، التي يرأسها منير الوسيمي، حيث احتدم الخلاف بين عمرو مصطفى الملحن المعروف الذي هاجم الفنانين الثائرين، بينما شاهدنا شيرين عبد الوهاب وهي تذهب للتحرير للغناء للثائرين بعد أن هاجمتهم وتقبل منها الجمهور هذا الموقف، بينما عندما حاول تامر حسني أن يكرر هذا الموقف ويعتذر لأنه هاجمهم احتجوا ولم يتقبلوا منه وأسقطوه من فوق المنصة!! يجب أن نعترف أن جرحا عميقا قد حدث بين الفنانين، وأن هذا الجرح قابل للزيادة مع الأيام. وهذه هي المعضلة الكبرى التي أرى أنها سوف تواجه الحياة الفنية في مصر خلال السنوات القادمة.. ولا شك أنها سوف تخصم الكثير من قيمة الإبداع ونرى فريقين، كل منهما لا يشارك الآخر في أعمال فنية، بدعوى أنه لم يكن ثوريا! إن القانون الذي يحكم مع الأسف الحياة الفنية هو أن الفنان ينحاز إلى ما يراه سياسيا في صالحه محققا لطموحاته.. وأغلب النجوم كانوا يعتقدون أن الرهان على السلطة يحقق أمانهم المادي والشخصي، ولكن لا يعني ذلك أن يتحول الآن الخلاف السياسي ليصبح خلافا شخصيا بين من أيّد ومن عارض.

المؤكد أن الدولة كانت تنظر إلى المثقفين والفنانين ولاعبي الكرة باعتبارهم خطوط الدفاع عن السلطة، ولهذا فإنها كانت تحرص في انتخابات النقباء في النقابات الفنية الثلاثة على أن مرشح الدولة هو الذي ينتصر.. تدعمه إعلاميا وتحشد وراءه كل قواها في التأثير، لأنها تدرك أن أمامها بعض المواقف التي تحتاج فيها إلى أن يستمع فيها الناس إلى رأي الفنان. ومن هنا مثلا كان وزير الثقافة السابق فاروق حسني دائما ما يستخدم تعبير «المثقفون في الحظيرة»، لأن المطلوب هو أن المواقف المصيرية التي تعيشها الدولة تضمن ولاء المثقف والفنان، لأن كلا منهم يعتبر بمثابة قائد رأي له معجبوه وجمهوره الذي سوف يتأثر لا محالة بتلك الآراء التي يستمع إليها من هذا الفنان أو المثقف أو لاعب الكرة... «النجومية» من المؤكد أنها تلعب دورا في الترويج للأفكار، والدولة تريد ولا شك أن تنتصر في معاركها. وهكذا لعب الفنان في كثير من الأحيان هذا الدور سواء أدرك ذلك أم لا!! لا أعتقد أن الدولة انتظرت أن تدخل في معركة بهذا الحجم من الغضب الجماهيري.. كانت المعركة المرتقبة هي أن يتم توريث الحكم في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) القادم من مبارك الأب إلى مبارك الابن، وذلك بعد إجراء انتخابات ليبدو الأمر ليس توريثا ولكنه إرادة جماهيرية. كانت الدولة تتوقع ولا شك قدرا من الممانعة بين عدد من المثقفين والفنانين، ولكن كانت الأغلبية قد تأكد ترحيبها، ولهذا كانت تقدم برامج من نوعية «واحد من الناس» تشير إلى معاناة المواطنين، ولكنها تنتهي بسؤال للضيف النجم في نهاية اللقاء، تكرر هذا السؤال في كل البرامج، وهو: ما رأيك في أن يتولى جمال مبارك الرئاسة بعد والده؟ وكانت الإجابة التقليدية هي أن هذا لا يعد توريثا، لأنه سوف تجرى انتخابات، وجمال مواطن مصري من حقه أن يمارس حقه في الترشح!! كانت هذه هي الخطة التي تم وضعها لتمرير توريث جمال للسلطة خلفا لوالده، وساهم فيها عدد من البرامج وليس فقط «واحد من الناس»، ولكن كان للأقدار رأي آخر.

ويبقى أن أكثر ما يعاني منه الوسط الفني حاليا هو تلك الفرقة والانقسام بين فناني ثورة 25 يناير وفناني عصر مبارك، وتلك هي المعضلة التي تهدد الحياة الفنية، بل والثقافية في مصر.. فمن يطفئ الحريق؟!