كل متاعبي الأولى دروس نشأت عليها

حديث صريح لـ «الشرق الأوسط» لمارك وولبرغ الذي تسبب في منح الآخرين الأوسكار

مارك وولبرغ
TT

في عرض أحد الأفلام اضطررت إلى تغيير مكاني في الصالة ثلاث مرات: المرة الأولى بعدما دخل شابان اعتمر كل منهما صحنا من الأرز والأكل الهندي إلى الصالة وأخذ يأكل ورائحة الطعام تزكم الأنوف. لو كان ذلك كل ما فعلاه لكان الأمر محمولا على مضض، لكنهما أخذا يتحدثان إلى بعضهما البعض حول الطعام، ثم أخرج كل منهما هاتفه الجوال وأخذ يأكل ويتحدث ويرسل الرسائل و... في ما تبقى، يشاهد الفيلم. في المكان الثاني الذي انتقلت إليه بدا كل شيء هادئا إلى أن أخذ رجل يعلق للفتاة التي بصحبته على ما يقع على الشاشة فأسكته بقذيفة «هش» موجهة. لكن بعد قليل دخلت نحو ثلاثين أو أربعين طالبة الفيلم بعد بدايته بنصف ساعة وأخذن يتوزعن في المقاعد الشاغرة ومعظمها أمامي. غيرت مكاني من جديد لأنه لا قذيفة «هش من فضلكم» لا تصلح هنا وجلست غير مرتاح في آخر الصالة فإذا بالمشهد سريالي غريب: ما يزيد على عشرة أضواء، على شكل بصيص، ناتجة عن أشخاص يستغلون عرض الفيلم لقراءة أو إرسال الخطابات. كانت مثل أعين تنظر إلي من هنا وهناك وما إن يتم إغلاق واحد حتى يبدأ آخر. وجدت نفسي لا أدري كيف انتقل الفيلم من المشهد السابق إلى اللاحق، ولا كيف تفجرت المشكلة بين شخصياته. فما كان مني إلا أن غيرت مكاني للمرة الثالثة... هذه المرة تسلمت باب الخروج ووليت.

المسألة تتعلق بالآداب الاجتماعية. ليس هناك قانون يجبر المشاهد على تنفيذ السبب الذي من أجله دخل صالة عرض وهو فعل المشاهدة، سوى أهم قانون وضع للإنسان: الأخلاق الاجتماعية العامة.

حسنا، لم ينل مارك وولبرغ الأوسكار عن دوره في «المقاتل» لكن فيلمه هذا تسبب في منح الآخرين أوسكارات وخصوصا ماليزا ليو، التي لعبت دور الأم في الفيلم، وكرستشن بايل الذي لعب دور شقيقه.

لكن مارك وولبرغ اليوم مثل قطار أكسبرس لا يتوقف في المحطات المعتادة. بالنظر إلى أعماله السابقة وتلك اللاحقة فإن الخط الممتد بتوازن واستقامة بينها هو العمل الدؤوب.

ولد قبل 39 سنة في عائلة فقيرة. كان الأصغر بين تسع إخوة كلهم بنات ما عدا شقيقا واحدا (تقريبا كما في الفيلم) وانفصل والداه وعاشت الأم وأولادها وضعا أصعب مما كان عليه لدرجة أن مارك وجد نفسه منحرفا في سن شابة يبيع ثم يتعاطى المخدرات قبل محاولته سرقة رجلين فيتناميين وضربهما. لكن إيداعه إصلاحية الأحداث كان بداية تقويم خطه السلوكي والاجتماعي. خرج جديدا أو على مستهل طريق جديدة، ومنذ أن سار فيها ابتعد تماما عن كل ما يهدد نجاحه.

في السينما منذ عام 1995 في فيلم بعنوان «مفكرة كرة السلة» ما يجعل «المقاتل» فيلمه الرياضي الثاني. لكن ذلك الفيلم هو الأول أيضا بالنسبة للقائه بالممثل ليوناردو ديكابريو الذي التقاه بعد إحدى عشرة سنة حين لعبا وجها لوجه في فيلم مارتن سكورسيزي «المغادر».

في عام 1999، لفت الأنظار في فيلم «ثلاثة ملوك» الذي مثله جنبا إلى جنب آيس كيوب وجورج كلوني، وكان أحد أوائل الأفلام الأميركية التي تعاطت مع حروب الخليج، وأكثرها نجاحا. مشاريعه المستقبلية تحتوي على نحو عشرة أفلام معظمها مؤكد وفي العديد منها يلعب دور المنتج وراء الكاميرا.

* ما خلفيتك الاجتماعية؟ قرأت أنك أتيت من بيئة محدودة الدخل وكل خطوة من الطريق كانت بمثابة معركة.

- صحيح. أنا آمل أنني ما زلت الشخص الذي كنت عليه سابقا: متواضع وبسيط وأؤمن بالجهد والبذل. لا أريد أن أخسر شيئا مما نشأت عليه. كل تلك المتاعب التي عايشتها هو ما جعلني اليوم أكثر انتباها وإدراكا للفرصة الكبيرة المتاحة أمامي. لذلك، دائما ما أردد لنفسي أن كل متاعبي الأولى دروس نشأت عليها واستفدت منها كثيرا.

* فرصة أنك أصبحت ممثلا؟

- نعم. أشعر بأنني محظوظ. وهبني الله فرصة لن أفعل شيئا يطيحها. أعلم أن هناك من ينظر إلى ما هو عليه ويقول... «أنا وصلت. أملك الآن ثروة كبيرة استحقها وشهرة علي أن أمارس منافعها في كل شيء. أنا لا أملك هذه الأفكار. لم أشعر يوما بأن علي أن أفعل شيئا خارج نطاق حياتي ومبادئي لكي أبقى في الصف الأول أو حتى الثاني. كل ما فعلته وسأفعله هو العمل المكثف والمجهد تماما كما كان حالنا حين كنت صغيرا. لم تكن الأمور سهلة في حينها، ولو كانت لما عرفت كيف أتصرف اليوم.

* هل كنت الابن المفضل في العائلة؟

- كلنا كنا مفضلين. ليس كما الحال في فيلم «المقاتل»، إذا كنت تقصد المقارنة.

* نعم. لأنه في الفيلم تبدو والدتك تفضل شقيقك كما أداه كرستشن بايل. هل فتح ذلك أي ذكريات خاصة؟

- لا لم يفعل لكني أعرف الكثير من العائلات التي تمارس مثل هذه التفرقة أو على الأقل أعرف أن هذا ممكنا في أي مكان. صحيح. والدتنا، أنا وكرستشن لديها تفضيل، وهذا مستقى من التحقيقات التي أجريناها على الفيلم. كما تعلم هي سيرة لا يمكن تغييرها كثيرا. بالنسبة إلي لم يحدث ذلك، لسبب وجيه: كنا تسعة أولاد، ما شكل صعوبة تفضيل واحد على آخر (يضحك).

* أعتقد أنك كنت على الرغم من ذلك تكتنز الكثير من الغضب. ففي سن السادسة عشرة اعتديت على ولدين فيتناميين. توافق؟

- لا أستطيع أن أقول إنني كنت أعلم ما أقوم به. المسألة هي أنك في ذلك السن ما زلت شابا صغيرا تجهل الكثير من الوقائع. وتجهل أيضا أن الظروف الخاصة تولد فيك كل السلبيات وتهدد مستقبلك.

* تتحدث عن الفقر وانفصال والديك قبل ذلك بسنوات قليلة؟

- نعم. وربما السقوط في الخطأ مبكرا هو أفضل ما يمكن أن يحدث لأحد. لأن لدى الواحد فرصة لكي يتعلم أو يصحح سلوكه. وهذا ما فعلته. دخولي الإصلاحية كان أفضل علاج. مكنني من التفكير في حياتي ومنهجي وسلوكي وما مصدر ذلك الشعور غير الصحي.

* كيف إذا لعبت كل هذه العوامل في جعلك تتحمس لفيلم «المقاتل» وتقرر إنتاجه؟ هل يداخل ذلك بعض الحب لرياضة الملاكمة؟

- لا أعتقد. الاهتمام يعود إلى أنني وجدت السيناريو وقصة الملاكم ميكي وورد طبيعيين بالنسبة إلي. الشخصية وخلفياتها لا تستدعي الكثير من تخيل واقع آخر. لقد مررت بأوضاع وجدت نفسي فيها أقاتل لكي أثبت فيها جدارتي وكفاءتي. إلى ذلك، فإن ما جذبني إلى الدور هو أنني لم أمثل شخصية ملاكم من قبل. في الملاكمة، هناك قدر من النضال. إثبات الذات، لذلك وعلى الرغم من أنني لم أرد أن أكون ملاكما في حياتي فإنني وجدت العلاقة الكامنة بيني وبين ذلك المجال. بالمناسبة، لم يكن هذا أول فيلم ملاكمة أشعر بأني أريد التمثيل فيه. إذ لا شك عندي في أن الرابط موجود.

* كنت تريد براد بت أو مات دايمون للدور الذي لعبه كرستشن بايل. صحيح؟

- نعم. لفترة وأصارحك القول، كنت على استعداد للموافقة على أي اسم توافق عليه شركة الإنتاج. طبعا كنت أريد ممثلا جيدا ويمكن الاعتماد على اسمه لتحقيق النجاح. لكن دايمون وبت لم يكونا حاضرين. كلاهما كان مشغولا وهنا تم اختيار بايل وأنا سعيد بذلك.

* قبل أن أتحول إلى موضوع آخر، هل التعارض بين طريقة تمثيل كل منكما كانت مقصودة منذ البداية؟

- أعتقد نعم، لكن الجواب يتعلق أيضا بالمخرج راسل فهو أرسى قواعد مهمة في هذا الشأن. من البداية كنت أعرف كيف أريد أن أمثل الدور ولا شك عندي في أن بايل كان يعرف كيف سيمثل الدور. إذا كنت تقصد أنني كنت الهادئ وكان هو الشاغل للمكان فهذا مقصود تبعا لشخصية كل منا. وأنا سعيد بأنه نال الأوسكار عن دوره فهو يستحق ذلك تماما.

* هل هو ثاني فيلم لك مع المخرج ديفيد أو راسل. الأول بالطبع كان «الملوك الثلاثة». هل كان المخرج في بالك منذ البداية؟

- في الحقيقة لا. صحيح لقد كان في بالي من حين لآخر، لكن تم اعتبار المخرج دارن أرونوفسكي للإخراج لكن هذا لم يتم.

* لم يتم لأن دارن كان مشغولا أو لأنه سبق له أن أخرج «المصارع» الذي يدور في عالم مشابه؟

- كان ذلك ميزة مهمة ولم يكن عائقا. طبعا فيلمه الجديد «بجعة سوداء» هو أيضا عن ميدان من الرياضة، ولو كان رياضة رقص الباليه، لكن مقوماتها واحدة. كل هذه الأفلام تتحدث عن الفرد ضد العالم. ضد المشاكل التي تبدو مستعصية، ولو أن «المقاتل» كما تعلم لا بد أن يختلف بعض الشيء.

* أعتقد أننا كنا سنتحدث عن فيلم آخر مختلف لو أن مخرجا آخر غير ديفيد أو راسل هو الذي حقق الفيلم.

- صحيح تماما. ديفيد صديق ومتعاون وأحببت العمل معه. لكنه جاء متأخرا بعض الشيء. كنا ارتبطنا مع مخرج آخر. لقد أسندت لديفيد أولا مهمة استشارية وهو جعل مراجعة السيناريو من بين أهم مشاغله وكان يتصل بي دائما ليعرض مقترحاته وأفكاره، إلى أن قررت ذات مرة أن ديفيد هو من يستحق أن يخرج هذا الفيلم. لقد عايشه بالفعل. أعنى أن العديد من المخرجين كانوا يستطيعون تحقيق فيلم جيد، لكن ديفيد في رأيي كان يستطيع تحقيق فيلم ممتاز وأعتقد أنه فعل ذلك.

* كنت أراجع قائمة مشاريعك المستقبلية فوجدت أن الكثير منها من إنتاجك بما فيها فيلم «آلة شاركي» الذي كان بيرت رينولدز لعب بطولته سابقا. هل ترتاح لدور المنتج؟

- نعم بلا ريب. هناك أعمال أريد أن اكتفي بإنتاجها وهناك أخرى أريد أن أنتجها وأمثلها وأفلام أمثلها فقط. الغاية هو الحرص على تقديم ما أريد تقديمه. لكن «آلة تشاركي» لا يزال مشروعا غير مؤكد، لكني أحب أن أعمل عليه. هل شاهدت الفيلم الأصلي. أحببته.