تساؤلات حول اختيار مصر ضيف شرف لمهرجان «كان»

تشارك بفيلم «18 يوما» الذي يروي قصة تنحي مبارك

تشارك مصر بفيلم «18 يوما» في مهرجان كان الدولي الذي يروي قصة تنحي الرئيس السابق («نيويورك تايمز»)
TT

حضور السينما المصرية هذه المرة في مهرجان «كان» الذي يفتتح مساء الأربعاء الماضي له مذاق خاص حيث اختلطت المشاعر السياسية بروح السينما فأصبحت مصر هي ضيف الشرف في هذه الدورة التي تحمل رقم 64 بفيلم عنوانه «18 يوما»، والمقصود من العنوان هو الأيام التي استغرقتها الثورة المصرية حتى رحل الرئيس المصري حسني مبارك عن الحكم.

ورغم ذلك فإن السؤال الذي ردده عدد من السينمائيين المصريين هو هل كل من شارك في إخراج هذا الفيلم هم حقا من الفنانين الثائرين أم هناك من تسلقوا وتسللوا ليصبحوا في لحظة أمام الرأي العام من السينمائيين الثائرين بل والذين ناضلوا وقدموا النفس والنفيس لإسقاط مبارك رغم أن بعضهم كان من الذين لعبوا أدوارا محورية ومعلنة في تلميع النظام السابق.

كثيرا ما غابت السينما المصرية عن مهرجان «كان» رغم أن علاقة السينما في مصر مع «كان» بدأت مع الدورة الأولى لهذا المهرجان عام 1947 بفيلم «دنيا» إخراج محمد كريم، وشاركت في بطولته فاتن حمامة، وكان يوسف وهبي عضوا في لجنة التحكيم ذلك العام، وكان للمخرجين صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وعاطف سالم وهنري بركات مشاركات في بدايات المهرجان، إلا أن الحقيقة هي أن يوسف شاهين هو العنوان المصري الأبرز في «كان» ولا يزال هو واحدا من أكثر مخرجي العالم الذين شاركوا في مهرجان «كان» على مدى تاريخه، حيث إنه في تظاهراته المختلفة له 12 مشاركة طوال دورات المهرجان كما أنه في الدورة التي أقيمت عام 1997 بمناسبة اليوبيل الذهبي للمهرجان تم إهداء يوسف شاهين تكريما خاصا عن مجمل أعماله.. مشاركتنا محدودة في الثلاثين عاما الأخيرة خارج دائرة يوسف شاهين، مثلا المخرج الراحل عاطف الطيب في مطلع الثمانينات يشارك بفيلم «الحب فوق هضبة الهرم» في قسم أسبوع المخرجين، والمخرج يسري نصر الله عام 2004 بفيلم «باب الشمس» يشارك رسميا ولكن خارج المسابقة.. المخرجة تهاني راشد شاركت بفيلمها التسجيلي الطويل «البنات دول» عام 2006 أيضا خارج التسابق.

وللحقيقة فإن دولة مثل فلسطين لديها مشاركات كثيرة في السنوات الأخيرة من خلال المخرج إيليا سليمان أكثر من السينما المصرية، ورغم ذلك فلقد حرص رئيس مهرجان «كان» جيل جاكوب عند الإعلان عن التكريم الخاص للسينما المصرية التأكيد على أن لمصر باعا طويلا في المهرجان على مدى تاريخه، إلا أن الحقيقة هي أن السينما المصرية لم تحقق إلا عددا محدودا جدا من الجوائز لا تتجاوز سوى جائزة يوسف شاهين عن مجمل أفلامه.. بينما الجزائر على سبيل المثال حققت عام 1975 السعفة الذهبية أهم جوائز المهرجان بفيلم «وقائع سنوات الجمر» للمخرج محمد الأخضر حامينا، إلا أن المخرج الذي كان يشعرنا بمكانة للسينما المصرية هو شادي عبد السلام بفيلميه «المومياء» و«الفلاح الفصيح» الأول عرض عام 2009 من خلال المؤسسة التي يرأسها المخرج العالمي مارتن سكورسيزي، وتم ترميم المومياء على نفقة هذه المؤسسة وكتب سكورسيزي كلمات أشاد فيها بفيلم شادي حرص خلالها على التأكيد على خصوصية هذا الفيلم، وتلك الروح المشعة التي غلفت أحداثه وإيقاعه ومنحته إحساسا مصريا خالصا كما عرض أيضا لشادي في العام الماضي فيلمه التسجيلي «الفلاح الفصيح» ضمن كلاسيكيات السينما المصرية هذا العام يعرض للراحل حسين كمال فيلمه «البوسطجي» ضمن نفس القسم.. الفيلم أخرجه حسين كمال قبل نحو 40 عاما.

الأفلام العشرة التي سوف تعرض هذه الدورة في إطار تكريم مصر تحت عنوان «18 يوما» هي «احتباس» لشريف عرفة و«داخلي خارجي» ليسري نصر الله و«تحرير 2 - 2» لمريم أبو عوف و«19 - 19» لمروان حامد و«لما يجيك الطوفان» لمحمد علي و«خلقة ربنا» لكاملة أبو ذكري و«حظر تجول» لشريف البنداري و«كعك العيد» لخالد مرعي و«شباك» لأحمد عبد الله و«حلاق الثورة» لأحمد علاء.

وقررت وزارة الثقافة المصرية تشكيل وفد رسمي من مخرجي هذه الأفلام وبعض ممن شاركوا فيها.. كان حلقة الوصل بين المهرجان وهذا المشروع هو المخرج يسري نصر الله ومن بعدها بدأت الأفكار السينمائية تتابع وبالتأكيد فإن المهرجان سوف يعرض هذه الأفلام تحية لمصر والثورة المصرية.

وصرح جيل جاكوب أن إدارة المهرجان قررت اختيار ضيف شرف في كل دورة وذلك قبل قيام الثورة المصرية في 25 يناير (كانون الثاني) ولكن فرضت مصر نفسها هذا العام، وسوف تقام أمسية للسينما التونسية مساء 17 مايو (أيار) الحالي يعرض فيها أيضا عدد من الأفلام التي واكبت ثورة الياسمين.

في مصر تساءل عدد من السينمائيين مثل المخرج الكبير محمد خان كيف أن من شاركوا في تلميع النظام ولعبوا أدوارا معلنة في الحملات الانتخابية لحسني مبارك كيف يصبحون هم الآن عنوانا للثورة من خلال أفلامهم ويصعدون على خشبة المسرح في «كان» خلال هذه الاحتفالية التي تؤازر الثورة. ولم ينته الأمر عند ذلك الحد بل قرر عدد من السينمائيين إصدار بيان يشجبون فيه هؤلاء الذين قرروا القفز على الثورة وكانوا من رموز العهد البائد لأنهم شاركوا في تلميعه والمقصود تحديدا المخرجين شريف عرفة ومروان حامد؛ شريف أخرج لمبارك برنامج «كلمتي للتاريخ» وهو أطول برنامج مصور سجله مبارك على مدى 6 ساعات مع عماد الدين أديب عام 2005، وكان الغرض الوحيد لهذا البرنامج هو تلميع حسني مبارك، وتقديمه للشعب المصري باعتباره هو الأمل والمنقذ لمصر في ولايته الخامسة.. البرنامج حرصت الدولة على أن تضمن له أفضل العناصر الإبداعية مع شريف مثلا كان عمار الشريعي هو واضع الموسيقى التصويرية، وشريف اسم كبير في عالم الإخراج السينمائي وكان الهدف من إسناد هذه المهمة إليه التأكيد على أن أفضل المخرجين يشاركون في مبايعة مبارك رئيسا قادما لمصر.. أما مروان حامد فلقد شارك أيضا في إخراج عدد من أفلام مبارك الدعائية في نفس التوقيت كما أنه بعدها بعامين أخرج لمبارك برنامجا له ولأسرته بمناسبة عيد ميلاده.. ومن العناصر الفنية التي شاركت أيضا في فيلم «18 يوما» الفنانة يسرا التي أسند لها يسري نصر الله بطولة فيلم «داخلي خارجي» رغم أنها هي أقرب فنانة إلى أسرة مبارك خاصة ابنيه جمال وعلاء وأيضا زوجته سوزان حيث كانت كثيرا ما تشارك في كل الاحتفاليات التي تقيمها أسرة مبارك بل إن كل من لديه طلب للرئاسة من بين الفنانين كانت يسرا هي الوسيلة لتحقيقه عن طريق قربها من بيت الرئيس.

يسرا كانت خارج البلاد عند اندلاع ثورة 25 يناير وأيدت مبارك تليفونيا من الخارج ثم الآن تشارك في بطولة فيلم عن الثورة.. صحيح أنه لم يعرض بعد إلا أن المؤكد هو أن الفيلم يؤيد الثوار هل صارت بعض هذه الأفلام هي الوسيلة لإثبات الولاء والرهان على الثورة.. ألا يتطلب الأمر أولا من هؤلاء المخرجين والنجوم الذين تورطوا في زمن مبارك أن يعتذروا عن مواقفهم السابقة حيث إنهم كانوا يقدمون برامج دعائية تخدع الناس من أجل الترويج لمبارك رئيسا.. لا أحد من الممكن أن يدافع عن الحوار الذي أجراه عماد مع مبارك لينفي بأن الغرض من تسجيله شيء آخر غير تلميع مبارك وخداع الناس.. من حق كل فنان أن يعلن مثلا أنه كان مخدوعا في مبارك ودافع عنه لأنه كان مؤمنا بأفكاره ولكن العكس تماما هو الذي حدث، مثلا المخرج شريف عرفة يدافع عن برنامجه الذي سجله لمبارك مرددا أنه كان يسجله للتاريخ وليس للترويج لحسني مبارك.

الدولة بالطبع لم تتدخل في إنتاج فيلم «18 يوما» ولكن الكل ساهم بمجهوده مجانا وبعض الفنانين مثل يسرا قالت إنها سوف تسافر إلى «كان» على نفقتها الخاصة ولن تنتظر قرارا من الدولة بالسفر إلى هناك بعد أن ترددت الكثير من هذه الاعتراضات التي صاحبت فكرة عرض الفيلم في «كان» من خلال وفد مصري رسمي يرأسه وزير الثقافة.. هل الفنان يملك جهازا أقرب إلى السويتش يستطيع أن يفتحه ويغلقه في التوقيت الذي يريده تبعا للمصلحة.. عندما كان مبارك يحكم فهو يشارك في تلميعه وعندما يغادر الحكم فإنه مع الثورة يعبر ويدافع عنها.. أين القناعة الفكرية هل كان هؤلاء الفنانون مضللين أم كانوا منتفعين من عهد مبارك وصار عليهم الآن أن يعترفوا بخطئهم أولا قبل أن ينضموا للكفة الثورية الرابحة.

ورغم ذلك دعنا نكون صرحاء أن الأكثر ثورية ليس هو الأكثر إبداعا.. معنى ذلك أن المخرج الذي كان له مواقف رافضة ومعلنة قبل الثورة ليس بالضرورة هو الأقوى إبداعيا ربما نجد على الشاشة شيئا آخر وعلينا أن ننتظر أفلام هؤلاء المخرجين التي تعرض يوم 18 مايو ولنا بعد ذلك عودة.