علي الحجار: غنيت ضد ظلم النظام بطريقة «السم في العسل»

قال لـ«الشرق الأوسط»: انتظروني قريبا في برنامج موسيقي من فكرتي.. و«اصحى يا ناير» هديتي للثورة

علي الحجار
TT

غنى المطرب علي الحجار لثورة «25 يناير» (كانون الثاني)، وتنسم عبيرها في ميدان التحرير، وامتزج صوته بحناجر الحشود، وهي تدوي ضد الظلم والطغيان، معلنة إرادة التغيير، والحلم بحياة حرة، وغد أكثر عدلا وإنسانية، وأخيرا ضم باقة أغنياته في ألبوم خاص أطلق عليه اسم «اصحى يا ناااير».

في حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث الحجار عن مشواره الفني وبعض الأمور على الساحة الفنية، لافتا إلى أن ما حدث للفن خلال الثلاثين عاما الماضية من حكم النظام السابق يستحق أن يرصد ويحلل في كتاب، حيث كان الفن يعامل على أنه شيء ترفيهي فحسب وليس قيمة ثقافية. وقال الحجار إنه حاول خلال تلك السنوات أن يحارب الظلم المنتشر في المجتمع عن طريق غناء مقدمات المسلسلات. مبينا أن سر نجاح حفلاته في «ساقية الصاوي الثقافية» سببه أن الجمهور بفئاته المختلفة يبحث عن الفن النظيف. وهذا نص الحوار:

* أحداث ثورة «25 يناير» كانت سبب تأجيلك ألبوما وطرح آخر، حدثنا عن ذلك؟

- كان من المفترض أن يطرح ألبوم «معلش» في الأسواق يوم «25 يناير» متضمنا أغنيات رومانسية وعاطفية، ولكن مع اندلاع أحداث الثورة قمت بإرجاع الألبوم والبوسترات الخاصة به مرة أخرى إلى المخازن، فأين المشاعر العاطفية التي سأخاطبها والبلد تمر بهذه الظروف، وقمت بتحضير ألبوم آخر يحاكي الثورة وأطلقت علية اسم «اصحى يا ناااير (يناير)»، وقد طرح مؤخرا في الأسواق وقمت بتصوير 3 أغنيات «فيديو كليب» والباقي في الطريق.

* كنت من الفنانين الذين حرصوا على النزول إلى ميدان التحرير.. فماذا أكثر ما أثر فيك؟

- الفنان الحقيقي هو الذي يتأثر مع الشعب بكل الأحداث المحيطة، وعندما نزلت إلى الميدان شعرت بجميع أطياف الشعب المصري وشاركتهم الفرحة والغضب، كان الميدان شيئا عظيما، وألبومي يحتوي على أغنية اسمها «في الميدان» تصف حالة الناس فيه، فأنا ومعظم أبناء جيلي لم نكن نحلم أن يحدث ما حدث، فقد كان الظلم يحتلنا واليوم تحررنا.

* لماذا لم تحاول محاربة مظاهر الظلم هذه بالغناء؟

- هناك شعراء رائعون كانوا يضعون «السم في العسل»، فأغلب المسلسلات التي غنيت «تتر» المقدمة الخاص بها، كانت تتكلم عن الفساد في البلد أو تحكي عن فساد البطل، فكانت أغنيات تنتقد الحاكم تحت ستار انتقاد البطل، ولي مسلسلات كثيرة حدث فيها ذلك مثل «الشهد والدموع»، «المال والبنون»، «الليل وآخره»، وقد تغنيت بها رغم وجود كثير من المطربين الذين لا يفضلون هذا اللون من الغناء ويقولون: «خلينا في السكة السهلة» والأغاني الخفيفة.

* لماذا استبعدت من الغناء في حفلات «ليالي التلفزيون»، ومُنعت إذاعة أغانيك من التلفزيون المصري؟

- في البداية تسببت واحدة من رباعيات صلاح جاهين من منعي من التلفزيون فترة طويلة، فكانت تقول: واقرأ في سورة عبس في ناس تقول الهزل يطلع جد وناس تقول الجد يطلع عبس لا أدري هل كانت حجة منهم أم حقيقة، ولكن هناك مجموعة من مشايخ الأزهر اعترضوا على ما غنيت، وقالوا إني تعرضت لأية في القرآن الكريم، ولكنها مقوله تتردد طوال الوقت في حياة المصريين عندما نقول لشخص شيئا ولا يفهمه فنقول: «يا آخى هو أنا بقرا في سورة عبس»، والقرآن الكريم دائما يجب أن يكون حجة لنا للاستناد عليه. أما استبعادي من الاشتراك في «ليالي التلفزيون» فكان قرارا غير مكتوب أخبرني به أحد المعدين بأنه في أحد الاجتماعات قالت رئيسة التلفزيون وقتها: ممنوع إذاعة أي شيء لعلي الحجار. وأقول إن السبب هو أنني لم أكن أدفع رشوة، وأنا وغيري من المطربين الذين نعلم قيمة فننا لم ولن ندفع رشى لكي تعرض أغنية لنا.

* تعد من جيل الثمانينات، فماذا حدث للفن من وجه نظرك خلال الـ30 عاما الماضية؟

- ما حدث لحال الفن خلال الثلاثين عاما الماضية يذكر في كتاب. ولكن باختصار، كان يعامل الفن على أنه شيء ترفيهي وحسب، وليس قيمة ثقافية أو له أي أهمية، وكان في السنوات الأخيرة أن الفن ومباريات الكرة هدفه إلهاء الناس عن واقعهم وأحوال البلد، وهذا حتى تأخذ الحكومة راحتها وتلعب بمقدرات الشعب، أي سلب عقولهم وسرقة ما في جيوبهم. النظام طغى على الفن لمدة 30 عاما وتركة مصابا بالتفاهة والهشاشة.

* ولهذا السبب تقوم بإنتاج أعمالك بنفسك؟

- منذ عام 1981 وأنا أنتج لنفسي ابتداء من ألبوم «اعذريني»، وكان لي حظ حلو عندما أنتجت أول شريط سياسي بعنوان «لَمّ الشَمْل» أصدرته وقت حرب الخليج وحقق أرباحا كبيرة، ولكن التجارب الأخيرة لم تحقق أرباحا، فألبوم «معلش» كلفني 900 ألف جنيه، وتعتبر «فلوس مجمدة بعد سحبه»، وشريط «اصحى يا ناااير (يناير)» كلفني 450 ألف جنيه وهو سياسي، وأنا أعلم أنه لن يباع بسبب الإنترنت، فقد أصبح الألبوم يطرح في الأسواق وبعد ساعات يكون على الإنترنت.

* معنى ذلك أنك جازفت وأصدرت ألبوم «اصحى يناير»؟

- الألبوم خاص بالثورة، ولدي أمنية أن يُسرق عبر الإنترنت، فالمهم أن يصل للناس، لأنه إذا كانت مساهماتي في الثورة بمبلغ إنتاج الألبوم فهذا ثمن زهيد تحية لأرواح لشهداء، فأنا لست منتظر منه أي ربح.. هو إهداء مني للثورة.

* هل حصلت بالفعل على إجازة من الأزهر الشريف لقراءة القرآن الكريم؟

- هذه حقيقة، فقد حرص والدي - رحمه الله - منذ صغري على إلحاقي بـ«الكُتّاب» لحفظ القرآن الكريم وتعلم أصولة من تجويد وتفسير، ولكن عملي اليوم ليس قارئ قرآن، فأنا مطرب، ولكن عندما أصدر تسجيلا للقرآن الكريم بصوتي، فلن يكون للبيع، ولكن لإهدائه للأهل والمعارف والأصدقاء، أي: شيء في تاريخي الشخصي.

* كيف أثر والدك في مشوارك الفني؟

- بعد الله، هو كل شيء، فقد كان أبي كل يوم صباحا يجود القرآن الكريم نصف ساعة، وبعدها يمسك العود ويغني، كان يريد أن يعلمني كما علم تلاميذه، أن أساس الفن في مصر منذ القرن الـ19 هم المشايخ من أول زكريا أحمد، وسيد درويش، وأبو العلا محمد نهاية بسيد مكاوي. وللعلم، عندما بدأت الاحتراف كان والدي ضد احترافي الغناء خوفا علي أن أرى ما رآه من صعاب في مشواره عندما احترف الغناء، وعندما سألته وقتها: لماذا علمتني الغناء؟، قال لي: «حتى يرتقي إحساسك. من يسمع جيدا ويتذوق الفن، يكون ذوقه أفضل من الإنسان الذي لا يتذوق الفنون».

* وما دور الموسيقار بليغ حمدي في مشوارك؟

- مكثت مدة سنة ونصف أذهب إليه.. يستمع إليّ حتى يكتشف كل مساحة صوتي، ويعرف أين المناطق المضيئة فيه، حتى بدأ يخرج مني شيء مختلف عن أي مطرب كان يتعامل معه في هذا الوقت، فكانت بدايتي بأغنية «على أد ما حبينا» التي جعلها بليغ حوارا بيني وبين الكورال، وكانت الفكرة جديدة، والمنطقة التي قدمني منها كذلك مختلفة، فقد ظل معي فترة طويلة إلى أن أخرجني للوسط الفني، بعكس ما يحدث الآن في البرامج والمؤسسات التي تزعم أنها تخرج فنانين، لكن همها الأكبر هو الربح فقط.

* ابنك أحمد يسير اليوم في طريق الفن، ما نصائحك له؟

- أحمد علم نفسه بنفسه الموسيقى، ويراسل الآن بعض الجامعات في الخارج، وألمس اجتهاده في المجال الفني؛ فهو يؤلف، ويوزع، ويغنى بالعربي والإيطالي والإنجليزي. أما نصائحي له، فلا شيء سوى أنني علمته ما علمني والدي، فعرفته أنه ليس من المهم أن تكون أحسن مطرب ولا أعظم صوت ولكن المهم أن الناس «لما تسمعك تعرفك»، وأهديته نصيحة قالها لي والدي في بداية مشواري: «حاول تعمل أغاني تعيش بعد ما تموت، ولا تراها تموت وأنت حي».

* هل عملك بهذه النصيحة يتعلق برفضك ظهور الراقصات (الموديلز) في أغنياتك المصورة؟

- فكرة الرقص في حد ذاتها غير مرفوضة، ومن ينظر إلى جدران المعابد الفرعونية يجد هذا واضحا، فقد كان الرقص أحد مظاهر العبادة، وشعوب كثيرة لا تغفل عن الرقص، فهو من طقوسها وحضارتها. ولكاظم الساهر فيديو كليب رائع لأغنية «قولي أحبك» خلفه ما يزيد على 40 فتاة يرتدين فساتين بيضاء ويقمن برقصات في غاية الروعة والرقة تحاكي الفكر والروح وليس الغريزة، وأعتقد أننا عندما نقدم فيديو كليب لمغنية «تستحم في بانيو مملوء باللبن» يكون من حق السلفيين أن يقولوا إن الفن حرام، لأن هذا من مظاهر الكفر بالنعم، وليس معنى هذا أن كل الفن حرام، فقد قال الشيخ الشعراوي رحمة الله إن الفن مثل الكوب؛ يمكن أن يوضع فيه خمر وممكن أن يوضع فيه عصير.

* من على الساحة اليوم من الجيل الجديد ترى أنه امتداد للفن الأصيل؟

- شيرين عبد الوهاب، ولؤي، وآمال ماهر ولكن يجب عليها أن تخرج من عباءة أم كلثوم التي ارتدتها وتعود للناس بشخصيتها الحقيقية، قد يأخذ هذا وقتا، ولكن هي قادرة على هذا. كذلك بهاء سلطان صوت ذكوري ونحن نفتقد إلى هذه الطبقة على الساحة، وأيضا ابني أحمد الحجار صوته رائع. ومن خارج مصر، صابر الرباعي يشعرني أنه لمس أوتار الفن القديم، ووائل كافوري، وراغب علامة أحبه بشكل شخصي لأنه يغني بشكل صحيح.

* قمت بالتمثيل بجانب الغناء.. أيهما أقرب إليك؟

- الغناء بالتأكيد، فالتمثيل هواية، لكن لو الدور فيه غناء لا أتردد أبدا، وهذا لا يعنى ضعفي في التمثيل، فخلال مراحل دراستي سواء في المدرسة أو الجامعة كنت أمثل وأحصل على جوائز، وعلى المستوى الاحترافي حصلت على أفضل ممثل مسرحي عامي 2005 و2006، وتعرض علي أعمال كثيرة أرفضها لأنها لا تحتوي على الغناء.

* ما سر نجاح حفلاتك في «ساقية الصاوي»؟

- حقيقي، لا أعرف سوى أن الجمهور أصبح يبحث عن الفن النظيف، والدنيا تتغير للأحسن، فالتذاكر تنفد قبل الحفل بثلاثة أسابيع، وبعد أن كنت أقدم حفلة أصبحت اثنتين، ورواد «الساقية» من أعمار وفئات مختلفة.

* تردد أنك تنوي تقديم برنامج تلفزيوني.. ما حقيقة ذلك؟

- هذه حقيقة، سأقوم قريبا بتقديم برنامج موسيقي هو فكرتي، وهناك محاولات مع عدة قنوات لإنتاجه لأن تكلفته مرتفعة، وتتلخص الفكرة في إعادة غناء بعض الأغاني القديمة من 100 سنة بأسلوب معاصر.. مثلا نحضر كاظم الساهر ونطلب منة غناء أغنية «فوق النخل» بالطريقة القديمة والتخت الشرقي، وبعدها أطلب منه الغناء بالطريقة الحديثة حتى يستوعبها الشباب. نحاول تجميع أغلب الأغاني القابلة للتوزيع الجديد من أيام سيد درويش وزكريا أحمد وعبده الحامولي ومحمد عبد الوهاب.. مع عرض البرنامج سيشعر الجمهور بالأصالة.

* من تأخذ رأيه من الوسط الفني في عمل ستقدمه؟

- لا يوجد، ولكن صداقاتي قوية مع محمد منير، ومحمد الحلو، ومدحت صالح.. علاقتنا جميلة، ومتابعون لأعمالنا، وعندما نجتمع معا نتكلم عن الفن بحرية ويمكن أن ينتقد أحدنا الآخر أيضا.