المرأة المفقودة في أفلام الصيف

لقطة من فيلم Bad Teacher
TT

* الأوسكار تغيّر قوانينها من جديد، وذلك بحثا عن الوسيلة الأفضل لتقديم الجائزة والحفاظ على الجمهور، إن لم يكن زيادة عدد هذا الجمهور. فمن بعد أن قامت بتخصيص جائزة منفصلة للأفلام الكرتونية قبل بضع سنوات، ومن بعد أن رفعت عدد الأفلام المشتركة في مسابقة أفضل فيلم روائي إلى عشرة، أعلنت قبل يومين أنها سوف تترك تحديد عدد الأفلام الروائية مفتوحا أمام المفاجآت. قد يكون الرقم ستة وقد يكون ثمانية أو تسعة، لكن ليس بالضرورة عشرة. هذا يعني أنه إذا لم تكن هناك عشرة أفلام جيدة، فلا بأس من تقديم ما هو جيد حتى ولو كان ستة أو سبعة. هذا أفضل بكل تأكيد من النظام الذي حدد العدد بعشرة لأنه يعني أنه لم يعد إلزاما حشر أفلام ضعيفة أو غير مستحقة لكي يرتفع العدد إلى عشرة.

قد يرى البعض أن هذا هو نوع من اللاقرار، كل سنتين أو ثلاثة نظام جديد. لكن الحقيقة هي أن المنافسة التي تحصدها هذه الأيام من كل الجوائز الأخرى، وفي مقدمتها «غولدن غلوبس»، وكونها آخر الجوائز في الموسم، أثرت على مستوى نجاحها في السنوات العشر الأخيرة، مما يجعل من المحق لها أن تفعل شيئا (أو تفعل أي شيء فعلا) لكي تحسّن من حجم الإقبال، وهذا يعتمد على تحسين أدائها أولا وقبل كل شيء.

في المقابل؛ ماذا لدينا نحن من تقاليد سينمائية تسمح لنا بنقد الجوائز والجمعيات العالمية من الـ«سيزار» إلى الـ«أوسكار»؟

أقصد، لمَ لا نكون منطقيين ومتواضعين ونعترف أننا حتى ننتقد تقليدا ما علينا أن نؤسس لتقاليد مماثلة. ليس لدينا جهة مسؤولة واحدة تؤسس لجائزة عربية مماثلة ولو أصغر حجما. ليس لدينا اتحاد من النقاد السينمائيين ولا مجلة سينمائية ولا نظم إنتاج أو توزيع جيدة، ولا ننظر إلى السوق العربية الواسعة نظرة اقتصادية سليمة، ومع ذلك يسارع كل عام بالكتابة عن الأوسكار على أساس أنه أشبه باتفاق بين استوديوهات هوليوود يتم فيها منح الأوسكار للفيلم الأكثر نجاحا، وهذا الإدعاء فانتازيا بعيدة جدا عن الصحة. للأوسكار مشكلاته وهو، ككل شيء آخر، ليس متكاملا، لكنه خطوات متقدمة بألوف الأميال عما نحن عليه.

أصبح أمرا معتادا أن يتم تحويل الصيف إلى منطقة يسود فيها الرجل على الشاشة، عبر أفلام من تلك المسلسلة التي تحمل أرقاما، أو تلك التي تحمل مخيّلات تحيلنا إلى أحداث مستحيلة في الأمس أو المستقبل أو في الزمن الموازي.

وبات من المتوقع أن لا يكون للمرأة نصيب يُذكر في هذه الأفلام أو في الموسم الممتد من مطلع شهر مايو (أيار) إلى نهاية شهر أغسطس (آب)؛ كيف تستطيع والجمهور يبدو منصرفا للبحث عن المثير والجاذب والعاطفي؟

لكن لحظة؛ ألم تكن هذه المواصفات ذاتها، المثير والجاذب والعاطفي، من مزايا الأفلام النسائية والممثلات اللواتي يقمن بها؟ طبعا، لكن في غفلة منّا جميعا لم تعد تلك المواصفات حكرا على المرأة، بل باتت تعني الشخصيات الرجالية و«الولادية» التي تحمل إيقاعا مثيرا، موضوعا جاذبا وتلفيقة عاطفية كأن يبكي «ويني ذ بوو»، وهو أحد الأفلام الكرتونية المقبلة حين يتم حرمانه مما يتمناه.

ماذا عن المرأة؟ نصف المجتمع؟ الشريك رقم واحد للرجل؟ لماذا هذا الغبن اللاحق بها؟ أين هي من أفلام الموسم الحالي؟ من بين 33 فيلما رئيسيا تعرض خلال هذا الصيف، فإن عدد الأفلام ذات البطولة النسائية (منفردة أو مشتركة مع الرجل) خمسة مع فيلم سادس ليس نسائيا لكنه رعب تحت عنوان «لا تخافي من الظلام» من بطولة كاتي هولمز لا يمكن اعتباره عملا يطرح المسألة النسوية أو يتعامل مع الجانب الأنثوي من بطلته إلا بمقدار ما قد يثير التساؤل حول كيف ستتخلص بطلة الفيلم من الشرير الذي يريد إلحاق الأذى بها.

فوق الثلاثين أو تحتها

* وكان الموسم بدأ بأفلام تعكس روحه. بدأ بـ«خمسة سريعة» حول مجموعة من الأخيار ضد مجموعة من الأشرار في ريو دي جانيرو وامتد ليشمل حتى الآن «ثور»، «قراصنة الكاريبي 4»، «رجال إكس: فيرست كلاس»، فيلم الأنيماشن «كونغ فو باندا 2»، «آثار السهرة 2» و«سوبر 8».

الفيلم النسائي الوحيد الذي ظهر في ظل الفترة المذكورة حتى الآن هو «Bridesmaids».

فيلم من إخراج (الرجل) بول فيغ وبطولة كرستن ويغ، مايا رودولف، روز براين وإيلي كمبر. يدور حول المرأة التي ستسعى جهدها لإنجاح مهمّتها التي اختيرت من أجلها: أن تكون «خادمة شرف العروس» بامتياز، فالعروس صديقتها الأولى.

نجاح الفيلم (127 مليون دولار حتى الآن على الرغم من صغر ميزانيّته واعتماده على ممثلات غير نجمات) يعني أن الجمهور موجود لمثل هذه الأفلام، كما كان موجودا في السنوات الأخيرة في كل مرة ينجز فيها فيلم نسائي صغير نجاحا لا يتحقق لأفلام كبيرة، لكن هوليوود بين أن تؤم أفلاما بميزانيات ضخمة (150 - 200 مليون دولار) أو مضخّمة (200 - 300 مليون دولار)، وبين أن تصرف أقل من ثلاثين مليونا على فيلم صغير، تفضّل دوما المخاطرة الأكبر، وما تصرفه على أفلام ذات تواصل مع الجمهور النسائي أقل بكثير مما يجب. ووجود خمسة أفلام، بشكل أو بآخر لكن ليس بالضرورة على نحو لازم، نسائية أكبر دليل على ذلك.

الفيلم التالي في السلسلة النسائية عنوانه «معلّمة سيئة» من إخراج جايك كاسدان وبطولة كاميرون دَياز ولوسي بَنش وجايسون سيغال وجوستين سيغال. دَياز تلعب شخصية الأستاذة لكنها ليست المعلّمة التي في البال، ولا المرأة التي يمكن اعتبارها نموذجا يُحتذى: إنها معلمة تستخدم الكلمات النابية تعكس فيها إحباطها وغضبها الدائمين، ولديها مشكلة أن صديقها التي اعتقدت أنه سيتزوج منها قرر تركها، مما يجعلها تبحث عن آخر.

مع قصة كهذه، لا يمكن تسمية الفيلم كعمل أنثوي، بل ربما هو ضد الأنثى مرتديا زيها. لكن لاحظوا معي، إذا شئتم، أن دور الأستاذة هو أيضا من نصيب وجه مألوف في عالم التمثيل؛ ففي فيلم «لاري كراون» تؤدي جوليا روبرتس دور أستاذة لديها مشكلات عاطفية (أيضا) لكنها تقع في حب تلميذ جديد اسمه لاري كراون، ولاري كراون ليس سوى توم هانكس (في ثاني إخراج له).

الفارق الرئيسي بين الفيلمين المذكورين يكمن في أن الأستاذة في «أستاذة سيئة» أقل أهلا للدور الاجتماعي الذي تقوم به، ومشكلاتها - في فيلم كوميدي هزلي كهذا - مصطنعة لإبقاء وتيرة الأحداث سريعة. بالتالي، جمهور الفيلم المتوقع هو مزيج من الجنسين دون الثلاثين (وربما دون الثلاثين بكثير). أما في «لاري كراون» فإن العمل أرقى وأكثر جدّية وبطلته لديها مشكلات فعلية تجعلها لا تكترث، في البداية على الأقل، لكيف ستمارس عملها. حقيقة أن البطولة مناصفة مع توم هانكس، الذي يؤدي شخصية رجل في سن الأربعين أو نحوه يعود إلى الكلية للدراسة من جديد، يخفف من عبء اعتبار أن هذا الفيلم نسائي. الجمهور المتوقع هنا هو أيضا من الجنسين لكن غالبه سيتشكل مِن مَن هم فوق الثلاثين.

كذلك لن يمكن اعتبار الفيلم الرابع من تلك الأفلام ذات البطولات النسائية والميزانيات الخفيفة نوعا نسائيا، كون البطولة مشتركة والمحور رجاليا. لكن تبعا لتعدد الممثلات، وفي مقدمتهن إيما ستون، ولكون الفيلم عاطفيا مع لمسات كوميدية يؤمنها ستيف كارل فإنه، على الأقل، فيلم مختلف عما سينتشر على شاشات شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، من أفلام مثل «كونان البربري» و«هاري بوتر» و«كابتن أميركا» و«حارس حديقة الحيوان».

الفيلم النسائي الأمثل سنجده قابعا في نهاية الموسم تحت عنوان «المساعدة» (The Help) حول امرأة شابة بيضاء تعود إلى إحدى الولايات الجنوبية (في أحداث تقع في ستينات القرن الماضي) لتكتشف الغبن الواقع على امرأة أفرو - أميركية. الوضعان الخاص والاجتماعي يدفعان نحو صداقة إنسانية باتت لغة غريبة وسط أفلام الكوارث من ناحية والتهريج المبتذل من ناحية أخرى. الفيلم هو الوحيد الذي تؤمّه امرأة بين هذه الأفلام، واسمها تايت تايلور. أما البطولة فمن نصيب فيدا ديفيز وإيما ستون وبرايس دالاس هوارد.

بين ممثلتين

* هناك بضعة أفلام مستقلة عن الاستوديوهات الكبيرة (ولو أن بعضها نال ثقة تلك الاستوديوهات لمرحلة التوزيع) من بينها فيلم بعنوان «يوم واحد» مع آن هاذاواي وجيم ستيرجز و«أصدقاء بمنافع» مع ميلا كونيس وجوستن تمبرلايك، لكننا بتنا نعلم أن الغاية حتى في الأفلام التي تدّعي أنها رقيقة وحميمة وأليفة، ليست سوى استنساخات من أفلام أخرى قيل عنها أيضا إنها رقيقة وحميمة وأليفة، لكنها لم تكن سوى معالجات تمنح المرأة وجودا على الشاشة لا تمنحها إياه الأفلام الأخرى. طبعا، هناك العامل الاقتصادي. يقول لك الهوليووديون إن المسألة في صلبها بسيطة: معظم جمهور الصيف رجالي يبحث عن الإثارة الناتجة عن صراع المعادن والعضلات المنفوخة، ولا يبالي إذا ما كانت المرأة التي في الفيلم تعكس وضعا شخصيا أو اجتماعيا، فالمهم هو أن تتحرك تبعا لمواصفات الفيلم وليس العكس.

لكن ما الذي حدث للبرهان الساطع على أن أفلام المرأة تستطيع أن تبيع التذاكر، وهو البرهان الذي قدّمه «خادمات العروس»؟ الجواب لا شيء. ذلك أن هوليوود لا تبحث عن بدائل ولو أنها سعيدة بأن ينجح أي من أفلامها بصرف النظر عن من هم أبطاله. و«خادمات العروس» ليس الوحيد الذي برهن على فاعليته في هذا الصدد. أكثر منه نجاحا على الصعيدين، النوعي والتجاري، هو «بجعة سوداء» مع نتالي بورتمن وميلا كونيس، لكن بقدر ما عاشت نتالي على مجد أدائها في ذلك الفيلم، رأيناها تغرق سريعا في فيلمها اللاحق «ثور»، حيث لم يكن دورها سوى فعل تشخيصي تستطيع أي ممثلة أخرى القيام به.

قارن بينها مثلا وبين ممثلة أخرى ذات أسلوب أداء مختلف ومنهج متغاير مثل أنجلينا جولي: صحيح أن أنجلينا لا ترضى بأن تكون في موقع بورتمن، أي أن تمثّل فيلما تؤدي فيه شخصية الفتاة التي تقع في حب رجل وحسب (لا شيء آخر تقوم به سوى الركض خوفا)، إلا أن الصحيح أيضا أنها أثبتت قدرتها على أن تقود من موسم إلى موسم عبر «سولت» و«السائح».

والأهم أن هذا الدور المساند هو الغالب في كل ما يظهر في أفلام هذا الصيف. البطولة العضلاتية التي رأيناها متوفّرة في «ثور» (بطولة كريس همسوورث) ستتكرر في «كونان البربري» (مع ممثل جديد اسمه جاسون موماو)، والسوبر هيرو الذي خرج إلينا في «رجال إكس: فيرست كلاس» ونراه قريبا جدا في «المصباح الأخضر» سيطالعنا مرّة أخرى في «كابتن أميركا». والباقي هو من سينما الرسوم المتحركة (أربعة) أو من بطولة حيوانات، «ثورة كوكب القردة»، أو أفلام رعب أو أفلام خيال علمي، «ترانسفورمرز 3»، أو فانتازيا، «هاري بوتر»، في دورته الأخيرة.