حركة ورقص في «قراصنة الكاريبي ـ 4»

المخرج روب مارشال يتحدث لـ «الشرق الأوسط» عن فيلمه الأخير

المخرج مارشال مع جوني دب خلال التصوير
TT

أثار اختيار المخرج روب مارشال لتحقيق الجزء الرابع من «قراصنة الكاريبي» استغرابا شديدا حينما تم الإعلان عن ذلك. أولا، لأنه يملك أسلوبا مختلفا عن أسلوب المخرج غور فابرينسكي الذي وقع الأجزاء السابقة كلها، وثانيا، لأن روب مارشال خريج سينما تعتني بالدراما والموسيقى بدأت بفيلم «شيكاغو» الذي نال أوسكار أفضل فيلم سنة 2002 واحتوت على «مفكرات الغيشا» و«تسعة». كل واحد من هذه الأفلام حمل حسناته وسيئاته لكن الحكم الغالب كان لصالح تلك الإيجابيات الموزعة في أرجاء الطموح والمعالجة والرغبة في بلوغ مستوى فني جعل من هذه الأفلام مجتمعة مجموعة صغيرة متميزة ومنحت المخرج صيتا أعلى مستوى من سواه.

ليس أنه الأول الذي يتم إخراجه من الصف الفني للصف التجاري في الآونة الأخيرة، بل سبق لاختيار مارك فورستر لإخراج «قدر من الأسى» من سلسلة جيمس بوند، وهو الذي أنجز «عداء الطائرة الورقية» (حول أفغانستان) و«أغرب من الخيال» (حول عالم النشر) و«حلبة الوحش» (حول العلاقة العاطفية بين امرأة أفرو - أميركية وأبيض) أن أثار نفس الاستغراب.

روب مارشال الذي يبلغ من العمر خمسين سنة، أنجز واحدا من الأجزاء التي يمكن القول إنها ممهورة بأسلوب قصصي يحمل أجواء مثيرة للاهتمام، وحافظ في الوقت ذاته على سرد مشوق لا يهدأ، لكن الفيلم في نهاية مطافه ليس سوى حلقة أخرى من مسلسل لا يمت إلى الفن بصلة ولا يحمل في مضمونه علامات فارقة. فهل أصاب المخرج في اختياره؟ هذا ما يكشف عنه الحديث مع روب مارشال في مقابلة تمت بعد العرض الأول لـ«قراصنة الكاريبي: فوق الأمواج الأغرب» وقبل الشروع في تحضير جزء جديد من المسلسل إلا إذا ما تم الإسراع في إنجاز مشروع آخر له هو «الرجل النحيف» The Thin Man الذي سيقوم جوني دب، الممثل الأول في سلسلة «القراصنة» ببطولته أيضا. «الشرق الأوسط» التقت المخرج مارشال في لوس أنجليس وكان هذا الحوار:

* كيف تفسر توجه عدد من المخرجين المهتمين بالأعمال ذات الحضور الفني، مثلك ومثل مارك فورستر ومثل سام منديز الذي سيقوم بإخراج الجزء المقبل من «بوند»، إلى أفلام تجارية محضة؟

- هذا سؤال رائع وشكرا لأنك طرحته. بالنسبة إلي، وعلى نحو شخصي تماما، كنت رغبت دوما بإنجاز فيلم أكشن. أعتقد أنه بالنسبة لكثير من المخرجين من الجميل أن ننوع فيما نقوم به. هذا يجعلنا قادرين على تغيير النمط الواحد من الأفلام التي نقوم بها وعلى التجديد وتجنب السقوط في نطاق معين وحده. أيضا ما كان مثيرا لي هو أن الفيلم الذي اخترت أن أحققه في إطار ما اعتبره تجديدا هو فيلم يتطلب الكثير من الإدارة التصميمية. تصميم المعارك عوض تصميم الرقصات، ولا تتعجب إذا ما قلت إن هناك علاقة أساسية بين الاثنين فكلاهما يتبع فن «الكوريوغرافي». لقد شعرت بأنني في الميدان نفسه حينما بدأت تحقيق الفيلم.

* ما هو الشيء الجامع بين الاثنين تحديدا؟

- لقد شعرت بالراحة حينما بدأت تصميم الحركات. سواء أكانت الرغبة في تصميم حركة استعراضية راقصة أو تصميم حركة لمشهد أكشن، فإن فن التصميم هو في بدايته وحتى في تطبيقاته واحد. أعتقد أن المسألة الأساسية التي تجمع بينهما هي أنك بحاجة لأن تسرد القصة من خلال الحركة. مشاهد الحركة يتم التدرّب عليها كما مشاهد الرقص وخلال ذلك عليك معرفة الإيقاع الذي تتم فيه الحركة في فيلم الأكشن كما تلك التي في فيلم الاستعراض الغنائي أو الراقص.

* أعلم أنك لم تسع لأن تحقق هذا الفيلم. لقد تم الاتصال بك. هل تعرف السبب؟

- حين اتصل بي (المنتج) جيري بروكهايمر وجوني دب وسألاني أن أقوم بتحقيق الفيلم قالا لي إنهما يرغبان في «عين فنية» لتحقيق هذا الجزء. وكم أسعدني سماع ذلك. لكن أحد الأسباب التي من أجلها قبلت العرض فورا كان فرصة العمل معهما ومع بقية الفريق. بالنسبة لي كان ذلك تعاملا مع شخصيات جديدة مختلفة تماما عن الشخصيات التي كنت أقوم بتحقيق أفلامي السابقة عنها.

* هل صحيح ما قيل إنك كنت تسمع الممثلين الموسيقى قبل التصوير لكي تضعهم في الجو الذي تريده؟ أكاد لا أصدق.

- طبعا لا. قيل ذلك في بعض الصحف وهو أمر غير معقول. لست بحاجة لكي تلعب الموسيقى لوضع الممثلين في الجو. هؤلاء ممثلون محترفون لا يحتاجون إلى شحن. لكني أقول لك شيئا آخر له علاقة. لقد بدأت حياتي كراقص في فرق موسيقية ولذلك كنت أنظر إلى جوني دب وبينيلوبي كروز كما لو كانا راقصين هما وغيرهما طبعا. هناك الممثل سام كلافين كان لاعب كرة. ما هو الرقص إن لم يكن رشاقة الحركة بصرف النظر عما تؤديه أو تمارسه عبر تلك الحركة. جوني دب سيقتلني إذا ما قرأ ذلك، لكنه راقص جيد جدا. كان ينظر إلى البديل الذي يقوم بأداء الحركات مسبقا، ثم في دقيقة واحدة كان ينبري ليقوم بها بنفسه وببراعة مماثلة. إنه رقص.

* الفيلم مليء بمشاهد الأكشن، وهذا هو المتوقع منه على أي حال، لكن هل يعني ذلك أن كل أيام الإخراج كانت متشابهة؟

- تعلم شيئا؟ كل يوم كنت أتوجه إلى العمل كنت أجد نفسي أحلم بتحقيق مشهد صغير ينتمي إلى «عشائي مع أندريه» دراما كوميدية خفيفة للمخرج الفرنسي لوي مال حققها سنة 1981] وفي كل يوم كنت أجد نفسي مع مشهد يختلف كليا عن ذلك الحلم. كل مشهد كان تطويرا مهما للمشهد اللاحق، لذلك حتى تلك التي لم تكن مشاهد أكشن فعلية كانت مشاهد تحضير لأكشن ما جعلها مشاهد أكشن صغيرة (يضحك). لكن من يدري، ربما في فيلمي المقبل سأستطيع تنفيذ مشاهد قليلة بسيطة التكوين.

* أعتقد أن هذا الفيلم كان أكثر أفلامك جهدا بدنيا منك ومن سواك. كم يوم تصوير استغرق هذا الفيلم بالمقارنة مع أفلامك السابقة؟

- استغرق تصوير هذا الفيلم 107 أيام، بينما أقصى ما استغرقه تصوير أي من أفلامي السابقة 80 يوما. كنت أعلم منذ البداية ما كنت سأقدم عليه. هذا الفيلم يتطلب طاقة دائمة. كنت أشعر بأنني في ماراثون. تصوير هذا الفيلم كان شاقا وجذابا في الوقت نفسه. أحيانا ما كان يتسنى لي أن أخلد إلى النوم خلال ساعتي الغداء، لكن ما كان يساعدني على التحمّل هو وجود بينيلوبي وجوني وإدراكي بأنني مسؤول عنهما ومسؤول عن فيلم يجب أن ينجز ما يقصد إنجازه من نجاح.

* سمعت أن جوني دب لم يكن مرتاحا خلال التصوير. آلام في الظهر قبل نهاية العمل؟

- قبل نهاية التصوير بفترة بسيطة انتابه شعور بالألم في ظهره لكنه كان شعورا طفيفا. سألته إذا ما كان يريد التوقف عن التصوير لذلك اليوم فرفض قائلا إنه لن يتسبب في إيقاف التصوير للحظة. «هذا غير مقبول» قال لي. لكنه صور باقي المشاهد وتحسن وضعه بعد ذلك. كان أمرا مدهشا.

* في أفلامك تحتاج الشخصيات جميعا لأن تؤكد وجودها بالسعي لتحقيق شيء ما. حتى في فيلم «تسعة» الذي تحدث خفية عن فيديريكو فيلليني، وجدنا تلك الشخصية تبحث عما هو مفقود في حياتها. لكن في «قراصنة الكاريبي» المساعي متناقضة أكثر مما هي موحدة. هل توافق؟

- إلى حد. نعم أوافق. لكن هذا مقصود بالطبع. أنظر. الجميع بحاجة إلى ينبوع الحياة الأبدية. كلهم جوني دب، جيفري رش، إيان مكشاين يسعون إلى ذلك الينبوع متسابقين فيما بينهم، لكني أعتقد أن لكل واحد سببا مختلفا عن الآخر. السبب الذي يجعل بارباروزا (رش) مستميتا بغية الوصول إلى المكان قبل سواه ليس هو ذاته الذي عند الآخرين مثلا. هو يريد الانتقام. بينما مكشاين يريد غسل خوفه من النبوءة بأنه سيموت قريبا. إنها دوافع مختلفة بما فيها دوافع أنجليكا (كروز) التي تريد مساعدة أبيها. بالنسبة لجاك سبارو (دب) المسألة مختلفة. لقد أعجبني أن جاك وصل إلى ينبوع الشباب الدائم، لكنه قرر ألا يشرب منه.

* هذا كان لافتا لأنه لو فعل لاختفت الحاجة إلى التشويق في الأجزاء المقبلة..

- بالتأكيد. هذه ملاحظة جيدة وهي ذاتها التي أعجبتني في السيناريو. كل يوم من أيامه قد يكون الأخير وهذا شأننا جميعا.