جولة في سينما العالم

TT

السبب في أن هناك جمهورا كبيرا من المشاهدين العرب يقبل على الأفلام العربية القديمة التي تبث عبر قنوات متخصصة بها، أو من حين لآخر عبر قنوات أخرى تبثها عادة بعد ظهر يوم الجمعة، هو مجموعة عوامل لا يمكن فصلها عن بعضها البعض.

إنه من الخطأ اعتبارها مجرد «نوستالجيا» للأمس حينما كانت الأفلام العربية ذات قدرة على الاستئثار بالاهتمام إلى حد بعيد لا بسبب ما تثيره من قصص تقع في عالم يبدو الآن كما لو كان خياليا فقط، بل أيضا بسبب صياغتها لشخصياتها وجدية تناولها لما تحاول تقديمه بصرف النظر عن المستوى الفني الذي تبلغه. كذلك من الخطأ الكبير أيضا اعتبار أن هذا الاهتمام محصور في مشاهدينا العرب، بل هو ظاهرة عالمية. واحدة من أفضل المحطات الأميركية وأكثرها نجاحا في فئة المحطات المتخصصة هي محطة «Turner Classic Movies» التي لا تكف عن عرض كل ما هو قديم من أيام ما كانت السينما صامتة إلى نحو خمس وعشرين سنة مضت.

العوامل المكملة لهذا الاهتمام تعود إلى اعتقاد المشاهدين بأن أفلام الأمس أفضل من أفلام اليوم. وهذا ليس اعتقادا سطحيا على الإطلاق، بل في مجمله صحيح تماما. ما عايشه المشاهد في السينما السابقة كان الواقع الآخر. الخيال الذي تحمله بطبيعة كيانها كان (ولا يزال لمن يهواها) هو العالم الحقيقي الذي يريد أن يعتبر نفسه جزءا فيه. اليوم، هذا العالم لم يعد جزءا منه. ما نراه حاليا من أفلام هي ميكانيكيات إخراج تكشف زيفها لجمهور نشأ وهو يعرف عن هوليوود أكثر مما تعرف هي عن نفسها ما أزال اللغز الجميل لا حولها (وحول كل عاصمة سينمائية فقط) بل حول صنع الفيلم وعناصره الإنتاجية ما أفقد الأفلام غرائبيتها.

السينما اليوم أصبحت جزءا من الواقع وهذا أسوأ ما تعرضت إليه إلى جانب المستجدات التقنية التي جعلتها متاحة على أشرطة فيديو ثم على أسطوانات وعبر البث المباشر ما جزأ المفهوم الشامل لماهية الفيلم وجعل بالإمكان لكل منهم متابعة الفيلم وحيدا في منعزله. المتغيّرات المصاحبة لسلسلة التدخل التقني في صنع الفيلم كثيرة، وبدأت مع مطلع الثمانينات وما زالت مستمرة. وفي حين يفرح لها بعضنا، إلا أنها مدعاة أسف لبعضنا الآخر. ذلك الذي عنت لهم السينما الحياة الأفضل عن تلك التي يعيشونها خارج صالاتها.