نجوم وسياسيون وسجناء في سوق ياميش رمضان

من بلح «صفية العمري» إلى بلح «الثورة»

الفنانة غادة عبد الرازق
TT

مع اقتراب شهر رمضان تعودنا أن نرصد الخط البياني لنجوم ورجال السياسة ولاعبي الكرة والمطربين والمطربات من خلال ثمن بيع كيلو البلح وأسعار الفوانيس التي تحمل أسماء هؤلاء المشاهير «الغالي تمنه فيه» كما يقولون في المثل الشعبي المصري، هكذا يعبر سعر السلعة عن القيمة الحقيقية للحب الذي يشعر به الجمهور تجاه عدد من الفنانين ورجال السياسة، والوجه الآخر للصورة أنه من الممكن أن يصبح سلاحا أيضا للتعبير عن مقدار الكراهية.

في هذا العام صار كل شيء مطعما بمذاق الثورة، وهكذا تسيد بلح «الثورة» وأصبح هو الأغلى واقترب ثمن الكيلوغرام منه من 3 دولارات بينما هبط سعر الأنواع الرديئة من البلح وأطلقوا عليه اسم سجن «طرة» إلى سعر أقل من نصف دولار.

الأسعار ليست ثابتة قد تتغير تبعا لتوجه «ترمومتر» المشاعر.. السعر في شهر «شعبان» له علاقة مباشرة بالتوقع المسبق، من الممكن أن يرتفع ثمن نجم يعرض له عمل فني في رمضان إلا أنه ربما يخذل جمهوره بعد الأسبوع الأول ويأتي الواقع بعيدا عن التوقع فينخفض سعر البيع مع هبوط مؤشر الإعجاب.

هذه الظاهرة عرفت في مصر بقوة عندما ارتبط الناس بمسلسل «ليالي الحلمية» الذي كان ينتقل بنجاح من جزء إلى آخر ومن رمضان إلى رمضان وحظيت بطلة المسلسل «صفية العمري» وقتها بأعلى سعر لأن دورها «نازك السلحدار» قبل 25 عاما حقق جماهيرية ضخمة في الشارعين المصري والعربي.. احتلت «صفية العمري» المقدمة بل انتقلت وقتها من سوق البلح إلى سوق السيارات، وأطلقوا على أحد أنواع السيارات الفارهة اسم «عيون صفية» وبعد ذلك هبطت أسهمها لأنها لم تقدم عملا فنيا لافتا بعد «ليالي الحلمية»، ومنذ 15 عاما لم توجد أساسا «صفية» في سوق البلح، بينما نجد أن زميلها في البطولة «يحيى الفخراني» الذي أدى دور الباشا «سليم البدري» لا يزال له بلح يحمل اسمه لأنه يحرص على أن يقدم في كل رمضان مسلسلا جديدا يحظى بالاهتمام الجماهيري.

ليس صحيحا أن نجوم مسلسلات رمضان هم فقط الذين يحظون بالاهتمام.. نجوم السينما والغناء لديهم أيضا أجولة من البلح تحمل أسماءهم.. عندما قدم «محمد هنيدي» فيلمه «إسماعيلية رايح جاي» عام 1997 ارتفع سعر بلح «هنيدي» واحتل المقدمة، بعد ذلك تراجعت أسهمه فتراجع سعره لذيل القائمة.. ثم في عام 2002 مع النجاح الطاغي لفيلم «اللمبي» حدث انقلاب عندما ظهر في الأسواق بلح «محمد سعد» وأزاح عن المقدمة بلح «هنيدي».. بعدها ببضع سنوات كانت زعامة مملكة البلح من نصيب «أحمد حلمي» وأصبح اسمه في السوق هو الأعلى ولا ينافسه إلا بلح «أحمد مكي» وصاحب ذلك خفوت في بلح «محمد سعد» و«محمد هنيدي» وإن كان كل منهما لا يزال يحاول البقاء في السوق ولكن بسعر منخفض.

إنها ظاهرة تستحق دراسة اجتماعية ونفسية، حيث يتوجه الناس لا شعوريا إلى كل الطقوس التي لها علاقة وطيدة برمضان وليس فقط البلح، ولكن أيضا في سوق الفوانيس يتكرر ذلك وبات شائعا أن يقبل الناس على شراء فانوس يحمل اسم شخصية أحبوها أو يرتفع سعر نوع من البلح عن أقرانه من أنواع البلح الأخرى، ونكتشف في شهر رمضان أن كل محلات «الياميش» أطلقت على صنف من البلح اسم هذا الفنان أو لاعب الكرة أو حتى رجل السياسة.

في السنوات الأخيرة كنا نرى التنافس على أشده بين بلح «هيفاء وهبي» وبلح «نانسي عجرم» بل امتد إلى سوق مجاور وهو الجلاليب، جلباب «نانسي» ينافس جلباب «هيفا»، ولم يكن السوق كله لبنانيا فـ«روبي» مثلا كان لها قبل سنوات اسم بلح وجلباب ولكنها اختفت سريعا.. «ليلى علوي» و«يسرا» توجدان أحيانا ثم تختفيان ولكن بسعر متوسط.

لاعبو الكرة ليسوا بعيدين عن سوق البلح، في الماضي كان «أبو تريكة» هو الأكثر تداولا، الآن صار بلح «جدو» و«شيكابالا».. العام الماضي كان مثلا فانوس المفتش «كرومبو» هو المسيطر على السوق لأن الجمهور في مصر والعالم العربي أحب «كرومبو» فأصبح يلهث وراءه، هذا العام احتل المقدمة «فانوس الثورة».

الرئيس الأميركي «أوباما» كان له بلح باسمه وأيضا فانوس، ولكنه اختفى هذا العام، إلا أن الرؤية السياسية لم تبتعد عن سوق البلح، في العام الماضي بدأ التمهيد لجمال مبارك رئيسا من خلال طرح كميات كبيرة من البلح تحمل اسمه، لم تكن التجربة لصالحه إلا أن الخطة التي كانت موضوعة قبل الثورة، وكانت تتجه إلى أن تزداد الكمية المطروحة باسمه في الأسواق وبثمن مرتفع من أجل أن تصل الرسالة للجمهور وهي أنه محبوب في الشارع، والدليل أن سعره غال والإقبال لا ينقطع عن شرائه، ولكن إرادة الشعب المصري حسمت تلك اللعبة السياسية.

الكرة والسياسة والفن؛ ثلاثة مؤثرات تراها في سوق البلح، والحقيقة هي أن الإنسان مهما تعددت الثقافات التي ينشأ عليها يظل بداخله جزء عاطفي لا يخضع لمنطق العقل.

تذكر ما حدث مع الأخطبوط «بول» في أكثر الدول عقلانية ألمانيا وكيف رصدت أغلب الدول الأوروبية وبينها صاحب الكأس إسبانيا آمالا ضخمة للاستحواذ على الأخطبوط الذي اتهمته المستشارة الألمانية «ميركل» بعدم الولاء والخيانة للوطن الذي نما وترعرع في مياهه لأنه توقع هزيمة ألمانيا وتوعدته بأنها سوف تنتقم منه وتأكله على العشاء مشويا ومحمرا ومسلوقا وهو ما تم بعد رحيله عن الحياة.

لاعبو الكرة ونجوم التمثيل والغناء يشتركون في هذا التسابق السنوي عندما يتحول الفنان إلى سلعة.. البلح يعتبر سلاحا شعبيا لإعلان الإعجاب وأيضا للتشهير، ولهذا يوجد نوع من البلح الذي يسيطر عليه السوس أطلقوا عليه منذ أربعة أعوام في رمضان اسم «شارون» يقصدون «أرئيل شارون» وليس بالطبع نجمة الإغراء «شارون ستون» كما أنهم هذا العام استبدلوه باسم «نتنياهو».

يوجد نجوم كان لهم حضورهم التاريخي في سوق البلح، فقبل 15 عاما كانت «نادية الجندي» و«نبيلة عبيد» بينهما تنافس في أفيشات السينما وتنافس في سوق البلح وعندما يرتفع سعر كيلو بلح «نادية» كانت «نبيلة» تحرص على أن تسارع بعمل دعاية للبلح الذي يحمل اسمها حتى تصل الرسالة بأنها لا تزال هي الأعلى سعرا منها، وهكذا كان الصراع بين نجمة الجماهير ونجمة مصر الأولى - كما أطلقت كل منهما على نفسها - يشتعل أيضا في رمضان.

ربما تسأل عن أسماء الكتاب والمفكرين وما هي مكانتهم في الأسواق، أقول لكم: لكل مقام مقال. وهؤلاء الكتاب تباع أقلام تحمل أسماءهم في بعض المكتبات ليس فقط في رمضان لكن في كل شهور العام، وأعلى الأقلام سعرا هي تلك التي تحمل أسماء «نجيب محفوظ» و«نزار قباني» و«فاروق جويدة» لكنها لا تنافس في السعر فانوس «أبو تريكة» ولا جلباب «هيفاء» ولا بلح «حلمي».

رمضان هذا العام بطعم الثورة، حتى في سوق البلح والفوانيس لا يزال بلح «الثورة» يطالب بالقصاص من بلح «سجن طرة».