نجوم القائمة السوداء تكسب في رمضان!!

معركة الفضائيات اشتعلت في الجولة الأولى

ليلى علوي وجمال سليمان في مسلسل «الشوارع الخلفية»
TT

العدد الضخم من القنوات التلفزيونية التي قصت شريط الافتتاح قبل رمضان بأيام قلائل، صارت واحدة من الأسلحة الاستراتيجية في معركة «الثوار والفلول» تستطيع أن تلمح في تفاصيل عشرات من البرامج الرمضانية أننا بصدد فريقين، فمهما تعددت الأسماء فالمعركة مشتعلة.

لم تكتف القنوات الخاصة التي كانت تمارس نشاطها قبل ثورة 25 يناير بأداء دور المتفرج، وليس معنى ذلك أن تلك القنوات الخاصة التي كانت جزءا من النظام أو تلعب على يسار النظام المصري السابق توقفت عن الوجود، إنها حاضرة أيضا بقوة ولكن القنوات الجديدة التي انطلقت بعد الثورة هي التي فرضت علينا التساؤل حول رؤوس الأموال المتدفقة التي تغذي هذه القنوات فهي تثير علامات استفهام حول التمويل السخي في وقت يتقلص فيه العائد الإعلاني وأصبح حجم التورتة الإعلانية محدودا، ولا يسمح بالمزيد من تقسيم هذا العائد، إلا أن اللهاث لإنشاء قنوات تلفزيونية جديدة مستمر ودائما سوف تكتشف وجهات نظر متناقضة تطرح عن الثورة وزمن «مبارك».. تعددت الأسئلة وتصاعدت علامات الاستفهام حول تمويل عدد كبير من هذه القنوات.. هل ظهورها في هذا التوقيت يحمل الإجابة عن الدور الذي تلعبه أم أن انتهاء القيود التي كان يفرضها نظام «مبارك» في الماضي سقطت فانفتحت شهية أصحاب رؤوس الأموال في الاستثمار الفضائي.. هل أصحاب المليارات سواء الذين يقيمون الآن في سجن طرة أو الذين تمكنوا من «تستيف» أوراقهم ولا يزالون أحرارا طلقاء في مصر أو فروا خارج الحدود قبل أن تطالهم يد العدالة هل هؤلاء ليسوا ضالعين ولو حتى من وراء ستار لتعضيد تلك القنوات لتبرئة ساحتهم والتأثير على الرأي العام ليتقبل منطقا جديدا في التصدي للإدانة الشعبية التي أصدرتها الجماهير ضد رموز العهد البائد ليصبح الأمر مجرد سوء تقدير لدى الثورة والثوار.. لن نستطيع أن نجزم بشيء إلا أن الأمر بالفعل يدعو للريبة التي انعكست بطبعها على العديد من هذه البرامج.

سوف تكتشف وأنت تتابع البرامج تكرارا لمثل هذه التعبيرات التي صارت من فرط استخدامها «كليشيهات» أنا كنت مع الثورة ولكني ضد الفوضى، أنا بكيت على مبارك لأني إنسان وكل الذي طلبه من الناس أن تنتظره بضعة أشهر حتى يتم تجنب الفوضى، الرجل لم يطلب أكثر من ذلك.. وسوف يؤكد هؤلاء أنهم مع الثورة بل هم ثوريون أبا عن جد.. نعم ليس فقط الفنانون بل السياسيون أيضا شاركوا في نفس اللعبة الكل صار مناضلا.. أتذكر فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق وهو لاعب أساسي في نظام مبارك على مدى ربع قرن بعد أقل من شهر على الثورة كان يتبرأ من كل العصر بل ويعدد مواقفه التي اعترض فيها على مبارك والتوريث.. محامي مبارك فريد الديب هو القائل في أحد أحاديثه التلفزيونية إن مبارك كان أول من أيد الثورة.

رمضان هو الملعب الأساسي الآن لهذه البرامج التي سوف تمتد إلى باقي شهور العام وكأنها بمثابة جولة فضائية لثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام مبارك وأطاحت أيضا بمصداقية العديد من النجوم، إلا أن هذه البرامج تحولت إلى وسيلة لكسب العيش ولإكساب هذه الوجوه «نيولوك» سياسي لتغيير الملامح والأفكار والقناعات.. أغلب النجوم باتوا فجأة يتنكرون لكل ما صدر عنهم في الماضي إنهم يراهنون على أن الناس لديها ذاكرة الأسماك التي تنسى بعد أقل من الفيمتو ثانية.

تستطيع أن ترى برامج رمضان على هذا النحو نجم يبكي تارة ويستعطف الجمهور تارة أخرى لا يدري إذا دافع عن مبارك هل يعتبر في هذه الحالة مدافعا أيضا عن الفساد ولهذا يفصل زيد عن عبيد يقر بأن هناك فسادا ولكن مبارك آخر من يعلم وإذا كان هو متهم فإنه رجل كبير طاعن في العمر يستحق الشفقة وليس الهجوم والتشفي.. وصارت تُردد كثيرا على ألسنة العديدين سلاح الأجندة الأجنبية يبايعون الثورة، ولكنهم يضيفون أن هناك أجندة أجنبية رغم أن هذا كان هو سلاح النظام البائد لإجهاض الثورة.. ما الذي يعني أغلب النجوم؟ الشيء المؤكد أنهم فجأة اكتشفوا أن هناك مسافة بينهم وبين الجماهير ربما كانت بعض الناس تتسامح معهم في دعمهم لمبارك ولأسرته والتوريث قبل الثورة لإحساسهم أنهم مثلهم يخشون بطش السلطة ولكنهم لن يسامحوهم لو أنهم استمرءوا الكذب وتنكروا لأقوالهم السابقة والمسجلة على «اليوتيوب».. الناس تعرف من هم المقربون لمبارك ومن هم الذين لعبوا أدوارا من أجل التمهيد لابنه وريثا في الحكم ولكن الفنان خاصة النجم يدرك أن البقاء داخل دائرة الجذب الجماهيري لن يتحقق إلا إذا تم برضاء الجماهير، والناس غاضبة منهم، إذا قالوا إنهم كانوا مع الثورة أصبحوا منافقين وإذا قالوا إنهم مع مبارك رفضتهم الأغلبية فماذا يفعلون.. أمسكوا العصا من المنتصف واستعانوا بالخطة رقم اثنين وهي أنهم مع الثورة وضد الفوضى.

يسرا مثلا وهي من نجمات تلك البرامج نظرا لأنها احتلت مكانة خاصة داخل دائرة أعداء الثورة في القائمة السوداء.. كانت يسرا حريصة على أن تبرئ ساحتها سريعا في أعقاب الثورة وتشارك في فيلم روائي قصير يدعم الثورة وهي أول نجمة من جيلها تفعل ذلك، حيث شاركت في بطولة فيلم روائي قصير عنوانه «داخلي خارجي» إخراج يسري نصر الله وعرض بين عشرة أفلام قصيرة في مهرجان «كان» تحت اسم «18 يوما» وهو يؤيد الثورة.. قدمت يسرا هذا الدور حتى تضمن ألا تصنف على قائمة العهد البائد وهي مثل الكثيرين تراهن على أن الناس لن يتذكروا أنها كانت من دعائم النظام السابق، بل هي مثلا كانت على رأس قائمة النجوم الذين أعلنوا مقاطعتهم للجزائر بعد موقعة «أم درمان» قبل أقل من عامين لمجرد إحساسهم أن هذا كان هو الموقف الرسمي لعائلة الرئيس. قادت يسرا الفنانين الغاضبين وهم يقفون تحت سفح الهرم رافعين العلم المصري احتجاجا على الجزائر كل ذلك لإرضاء بيت الرئيس السابق.. كانت يسرا هي بمثابة قناة الاتصال بين الفنانين وبيت مبارك.. الفنان الذي كانت لديه شكوى كان يحرص أن تصل شكواه عن طريق يسرا لحلها، فهي الأقرب للعائلة التي كانت تحكم مصر ولهذا بقدر ما أعلنت تأييدها للثورة لم تنس التحذير من الأجندة الأجنبية لتقسيم العالم العربي.

ليلى علوي حالة أخرى محسوبة بقوة على عهد مبارك بسبب صلة النسب لأنها متزوجة من شقيق والد «خديجة» زوجة «جمال».. كانت ليلى مثل يسرا تتبنى مواقف النظام ووقفت بجوارها تحت سفح الهرم متظاهرة ضد كل ما هو جزائري في تلك الغضبة التي تحولت إلى اختبار لتحديد مواقف النجوم ومدى ولائهم لبيت مبارك في البرامج التي تدعى إليها تطلب التسامح مع مبارك ولا تنسى أن تذكر بعض إنجازاته.. رهان «ليلى» على وجودها داخل الدائرة الفنية يجعلها تمسك دائما بالحل السحري وهي ارحموا عزيز قوم ذل مع التأييد للثورة.

الإعلاميون أيضا جزء من نفس اللعبة وهكذا كانت الفرصة مهيأة لدى مفيد فوزي وتامر أمين.. فهم في القفص باعتبارهم نماذج من الإعلاميين الذين نافقوا السلطة، إلا أن الجميع يؤكدون أنهم ليسوا منافقين وكانوا يذكرون الحقيقة بل إنهم يستشهدون بأنهم كانوا ينتقدون بين الحين والآخر الحكومة مع اعترافهم بالتزامهم بالخط الأحمر وهو عائلة الرئيس.. هناك من يصر على التلويح بأن كل الإعلاميين كانوا «في الهوا سوا» وأنه ليس الوحيد الذي نافق مبارك ولكن الجميع كان ينتظر الفرصة للنفاق إلا أن الفرصة لم تأت لبعضهم.. أشهر شخصية عوقبت بضراوة بسبب مواقفها المعادية للثورة ورغم ذلك فإنه نجم هذه البرامج هو طلعت زكريا؛ لأنه الوحيد الذي التقى مع مبارك بين الفنانين منفردا لمدة تجاوزت الساعتين قبل رحيله عن الحكم بنحو ثلاثة أشهر.. طلعت لم يكن مدركا في البداية خطورة قرار المقاطعة إلا أنه بعد سقوط فيلمه «الفيل في المنديل» وتبرؤ الشركة المنتجة من موقفه قبل عرض الفيلم في إعلان نشرته أدرك، لم يكن «طلعت» يدرك تلك القوة التي يملكها الناس ولكنه اكتشف ذلك عمليا أيضا في التلفزيون بعد استبعاده من المسلسل الرمضاني «جوز ماما» إلا أنه وجد في برامج التلفزيون وعلى مختلف القنوات فرصة العمر للمكسب المادي الذي يسعى إليه، وأيضا للوجود مع الناس وكانت تصاحبه في كل مرة دموعه على مبارك.. هل كان يبكي على مبارك أم يبكي على نفسه.. لو تذكرت التصريحات التي خرج بها بعد لقائه مبارك وكيف أنها رفعته درجات بين كل النجوم حيث اتفق معه على إعادة عيد الفن وكلفه بالتنسيق مع وزير الثقافة.. حكى لمبارك عن فيلمه الجديد بعد «طباخ الرئيس» وقال إنه سوف يواصل الجزء الثاني منه ولن تستطع الرقابة أن تتصدى لأفكاره لأن مبارك يدعم خطواته.. اعتقد «طلعت» أنه أصبح هو فنان النظام وفجأة انهار النظام فهو يبكي أولا على حاله إلا أنه بدأ يضيف وقائع جديدة في الحوار بينه وبين مبارك تبدو لي أنه يختلقها للدفاع عنه مثل أن مبارك قال له إن دخله الشهري يصل إلى 15 ألف جنيه مصري ولمدة 30 عاما وكأنه يريد أن يبرر ثروة مبارك لأن نفس هذه المعلومة ذكرها فريد الديب محامي مبارك في أحد البرامج.

الفضائيات ببرامجها المشوبة بالسياسة بل ومذيعوها مثل «بسمة» التي تقدم برنامج عنوانه «من أنتم» على قناة «القاهرة والناس» كانت «بسمة» وجها معارضا للنظام وشاركت في الثورة، .. وأتصور أن هذه البرامج حتى تلك التي تمسك العصا من المنتصف لن تستمر هكذا للأبد سوف تضطر مع الزمن لإظهار الوجه الحقيقي لها وساعتها سوف يعلو صوت رأس المال.

الفضائيات هي ساحة المعركة الحالية يكفي أن نذكر مثلا أن السلطة المصرية منعت مؤخرا من البث على النايل سات 15 فضائية أطلقها معمر القذافي لتأييده وليس من المستبعد أن فلول الثورة أصحاب المليارات المنهوبة يضخون بعض تلك المليارات في معركة الفضاء ليستعيدوا جزءا من مواقعهم على الأرض.. ما شاهدناه حتى الآن هو فقط الجولة الأولى.