العنصر النسائي حيلة الدراما الخليجية لجذب المشاهدين

«بنات سكر نبات» و«بنات آدم» و«أم البنات» و«بنات الثانوية» و«بوكريم وسبع حريم» و«أميمة في دار الأيتام» أشهرها

مسلسل بنات سكر نبات
TT

بدا أن الشاشة الخليجية لم تعدم حلا أو سبيلا للتميز، مؤخرا، وهي الشاشة التي لطالما اشتكى أباطرتها في العشرية الأخيرة، مما اعتبروه إقلال الكتاب وشح أفكارهم وغياب النصوص الملائمة والجديدة، إلا عن التكرار الممل أو التسطيح المخل.

لكن الشاشة الخليجية الولادة للأفكار استطاعت، عبر عدد من المسلسلات في العامين الماضيين خلال شهر رمضان المبارك، تزيين الشاشة بعدد من الممثلات الشابات اللواتي يظهرن لتناول قضايا الجنس الناعم بقالب متأرجح، تجاهل التراجيديا المعتادة، وشقت عليه الكوميديا المطلوبة، ليكتفي بعرض ممتع يضمن استراحة عيون المشاهدين والمشاهدات أمام الشاشة فقط.

المسلسلات وصفها لـ«الشرق الأوسط» أحد المتابعين بـ«الجذابة من خلال أسمائها، فضلا عن فحواها وأنها دافعة بشكل مباشر إلى شاشات التلفزيون، وإلى الـ(يوتيوب) للبحث عن روابطها الفيلمية ومتابعتها وتكرارها».

ذلك الرأي أتت به أسماء تلك المسلسلات، كـ«بنات الثانوية» و«بنات سكر نبات» و«بنات آدم» و«بوكريم برقبته سبع حريم» و«أميمة» وغيرها، التي تستعرض قصص فتيات يجمعهن مكان واحد، بيت أو مدرسة أو دار يتيمات أو مكتب، ولكل منهن قصتها الخاصة التي تحدث لأمثالهن ممن تبلغ أعمارهن ما بين 17 إلى 25 عاما في أعمال المسلسل.

الفنان هاني ناظر أبدى اندهاشه من الأمر، وعزا الفكرة إلى ما يتحدث عنه الجميع، وهو ندرة النصوص، مضيفا أن الأقلام النسائية لعبت دورا في إشاعة هذه الطريقة في العرض، خاصة في ظل حديث عن ارتفاع نسب الإناث عن الذكور عددا في مجتمعاتنا.

وبعد أن شبه بعض تلك المسلسلات بالفيديو كليب، ألقى ناظر باللوم على المنتجين باعتبارهم أصحاب القرار المادي، لكنه زاد في لومه على الفنانين الذين تحولوا لمنتجين، لأنهم تناسوا رسالية الفن، على حد تعبيره.

وأضاف: «أصبحت العملية مادية، فما يمكن أن يأتي بالمال يمرر حتى لو كان يحتوي على إيحاءات غير لائقة أو مكررة، فمسلسل كـ(بنات الثانوية) قد يتطور ويصبح بعد مدة بنات الجامعة.. وهكذا، من دون فحوى يستفيد منها المشاهد».

وذكر ناظر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن شركات الإنتاج تصنف المشاهدين، وتدرس رغباتهم، وتعلم أن مجتمعاتنا يغلب عليها المراهقون من الجنسين، الأمر الذي يدفعها للتركيز على جمال المظهر، لا على جودة المضمون الذي لم يعد يهتم به إلا قلة من الشباب والبقية من كبار السن ومن عاصروا الأعمال الفنية والدرامية القديمة، كما يقول.

واعتبر هاني ناظر أن في ذلك تسطيحا لعقلية المشاهد وحصرها فقط في الاهتمام بالجسد واللباس والماكياج، قائلا إن انتشار الدراما التركية لعب دورا في الأمر، إلا أنه استدرك بإشارته إلى ما قد تسببه الثورات العربية اليوم من تصحيح للمسار السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى الثقافي الذي سيكون له تأثير مباشر على الفن، خاصة أنه يمثل ركيزة حضارية تعبر عن الشعوب وتهتم بها، معتبرا أن الثورات أتت لتلغي ذلك التسطيح بكل أشكاله وأنواعه.

ودعا ناظر المثقفين والإعلاميين والفنانين لنقاشات جادة حول مستقبل الدراما، من أجل تنميتها وتماهيها مع القضايا الجوهرية للأمة ككل، خوفا من انهيار هذا المنبر الإعلامي المؤثر، قائلا إن المجاملة أثقلت كاهل الوسط الفني، وجعلت الرديء فيه يطغى على الجيد.

أحد المشاهدين والمهتمين بالشأن الدرامي ذهب أبعد في وصفه للأمر قائلا: «الأمر فيه الكثير من الابتذال»، مضيفا: «لا مانع من مناقشة هذه القضايا، لكن ليس بطريقة الحلقة المفرغة التي يدورون فيها ويأخذون المشاهد معهم إليها».

«الشرق الأوسط» سألت هاني عبد العزيز البلوي، أحد المهتمين بالشأن الدرامي، عن أسباب تفشي هذه النوعية من المسلسلات، فأجاب: «تحول الفن ككل إلى تجارة، زادت عدد المسلسلات وكل المواد الفنية، فأصبح من الطبيعي بالتالي أن يزداد عدد الممثلين والممثلات، في وقت قلت فيه النصوص الدرامية الحقيقية، لذا كان من السهل أن يزداد الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، أو تزداد الكوميديا السطحية».

وأضاف: «بعض الممثلين القدامى الذين نسيهم الناس اضطروا للدخول في العملية، فعادوا إلى الأعمال الأقل من مستوياتهم، لأن الأمور تحولت من الفن الذي يقدم للناس، إلى المال الذي يقدم للمنتج».

وفي حين استنكر البلوي رغبة البعض في أن نظهر جريئين دون أن يكون لما نعرضه مغزى عميق، لم يعر الأرقام العالية لمشاهدة تلك المسلسلات اهتماما، مبينا أن الأرقام العالية لا تعني النجاح، واستشهد في هذا السياق بعدد من الأعمال التي لاقت رواجا بين الناس عند ظهورها، لكنها سرعان ما اختفت بسبب تأثيرها الضعيف.

وحول المشاهد وطريقة تلقيه لمثل هذه المواد الفنية، قال البلوي: «المشاهد إنسان مثلي ومثلك، يؤثر ويتأثر، فالعمل السيئ سيحط من ذائقته، والجيد سيرتقي بها، لذا فلا يصح القول إن المشاهد يريد عملا بشكل وبطريقة معينة».

وبدا البلوي متفائلا بقوله إن هناك أسماء قوية وجيدة في عالم الكتابة الروائية، لكنها تفتقد القدرة على تحويل أعمالها إلى أعمال درامية حقيقة، إذ لم تجد تلك الأسماء الفرصة المناسبة، على حد تعبيره، موضحا أن الأسماء الشابة منها تحتاج لصقل وتأهيل، وهو أمر مغيب في البنية التعليمية الخليجية حتى اليوم.

وتمنى هاني البلوي في نهاية حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تحذو تلك المسلسلات حذو المسلسلات التركية، في طريقة كتابتها وإخراجها وأداء الممثلين فيها، بدلا من محاولة استنساخ الشكليات فقط.

يذكر أن الشاشة الخليجية أمطرت خلال العامين الماضيين بمسلسلات ركزت على جوانب لا تتعلق بقضايا الجنس اللطيف ككل، بل فقط على قضايا المراهقات، وتدور أحداثها حول العلاقات التي تنشأ بينهن وبين أقرانهن من الشباب، أو حول طريقة تعاملهن مع آبائهن، فيما لا تخلو تلك المسلسلات من المبالغة التي تشهدها المسلسلات الخليجية ككل، مؤخرا، في اللباس والحياة المترفة والزينة، التي توصف بأنها فوق الضرورية والعادية والمبالغ فيها، وتتكرر في تلك المسلسلات أسماء معينة من الممثلات.