التوأمة الفنية بين الشاعر والملحن.. كما يراها ملحنو اليوم وشعراؤه

أجمل الأغنيات هي وليدة ثنائيات لحنية شعرية

TT

كل الأغنيات الناجحة هي ثمرة توأمة فنية بين شاعر وملحن، وصلت إلى الناس عبر صوت مطرب يتمتع بأداء عال ومتميز. ولقد عرفت الساحة الفنية الكثير من الثنائيات الشعرية - اللحنية الناجح، التي قدمت روائع غنائية لا تزال محفورة في وجداننا حتى اليوم، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، فمثلا شكل الملحن كمال الطويل ثنائيا متميزا مع الشاعر مرسي جميل عزيز عندما التقيا في مجموعة من أغنيات عبد الحليم، من بينها «الحلوة حياتي»، «هي دي هي»، «قولوله الحقيقة»، «بتلوموني ليه»، «في يوم في شهر في سنة»، «جواب»، «راح.. راح»، «الحلوة»، «بلاش عتاب»، كما نجح أيضا مع الشاعر مأمون الشناوي وغنى لهما عبد الحليم حافظ «كفاية نورك»، «حلفني»، «بيني وبينك إيه»، «صدفة»، «في يوم من الأيام»، «بعد إيه»، كذلك التقى الطويل الشاعر صلاح جاهين في مجموعة من الأغنيات الوطنية مثل «إحنا الشعب»، «بالأحضان»، «صورة»، «ناصر يا حرية»، ومع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي في مجموعة من الأغنيات الوطنية أثناء حرب يونيو (حزيران)، منها «إنذار»، «راية العرب»، «أحلف بسماها»، «بالدم»، «اضرب»، «بركان الغضب»، «ابنك يقولك يا بطل» و«صباح الخير يا سينا». أما الملحن بليغ حمدي الذي كتب بنفسه مجموعة من أغنياته، فلقد نجح أيضا مع الشعراء مأمون الشناوي، محمد حمزة، مرسي جميل عزيز، عبد الرحمن الأبنودي، ومعهم قدم للفنان عبد الحليم أجمل أغنياته، كـ«خايف مرة أحب»، وكذلك اجتمع الشاعر أحمد شفيق كامل بالموسيقار محمد عبد الوهاب في الأغنيات التي لحنها للفنانة أم كلثوم.

الملحن سمير صفير يشبه علاقة الملحن بالكاتب بعلاقة رجل بامرأة، يغرمان ببعضهما ثم يتزوجان وينجبان قائلا «الشاعر والملحن هم (البابا والماما) اللذان ينجبان أطفالا، ويجب أن تكون عندهما رؤية واحدة، ثقافة واحدة، مبادئ واحدة، وتفاعل مشترك. أنا مثلا متذوق جيد للشعر، وأرفض شعرا (بلا طعم) كالذي نسمعه في أغنيات هذه الأيام التي ينطبق عليه وصف (لا فكاهة ولا مازية). الشعر يجب أن يعبر عن موقف ما، ومن يكتبه يجب أن يكون مخضرما ومثقفا، وكما أنه مطلوب من الملحن أن يكون فنانا بامتياز، فكذلك مطلوب من الشاعر. ولذلك فالانسجام ضروري بينهما، لكي يقدما أعمالا ناجحة ويستمرا لمدة 24 عاما كما تجربتي مع الشاعر نزار فرنسيس، الذين قدمت معه نحو 500 لحن. نزار عندما يكتب (لا يصف كلاما على الورق)، ولا يجمع القوافي وكأنها كلمات متقاطعة أو بازل، بل هو شاعر صاحب موهوبة كبيرة، جاهز دائما للكتابة وعندما يقرر بالإمساك بالقلم والورقة، ينظم أجمل الأشعار. هناك الكثير من الأصوات التي تعاملنا معها، فأبدعت وحلقت، من بينها عاصي الحلاني، باللون البدوي الصحراوي، المودرن والبلدي اللبناني، ومثله وائل كفوري باللون اللبناني الكلاسيكي، ونانسي عجرم التي جسدت صوتها في أعمالنا، وأيضا إليسا مع أن التجربة معها كانت محدودة. في المقابل ثمة أصوات أخرى، أعمالنا معها لم تر النور، بسبب سوء الإدارة الفنية، الصوت أو التنفيذ، وأنا أعترف بأنني أشعر بالندم على تعاملي مع بعض الفنانين».

إلى جانب نزار فرنسيس، تعامل صفير مع شعراء من مختلف الدول العربية «تعاملت مع كريم العراقي، وهو شاعر حساس جدا ومعه حققت نجاحات كثيرة وكبيرة، من مصر، أيمن بهجت قمر، مصطفى مرسي وليد زريقة، ومن لبنان، نبيل أبو عبده ومارسيل مدور. كل هؤلاء أحب التعامل معهم، ولكن نزار فرنسيس يفهمني أكثر من غيره، لأن تجربتنا تمتد لسنوات بعيدة».

الشاعر نزار فرنسيس تحدث عن تفاهم روحي متبادل بينه وبين الملحن بقوله «لكل مبدع روحه الخاصة، لذلك أنا أفضل أن يكون التزاوج بين الكلمة واللحن، هو نتيجة لتفاهم روحي وعشق بين الشاعر والملحن، لأن العمل سيصبح أغنية واحدة متكاملة. ومع الملحن سمير صفير تحقق هذا الأمر، فنحن بدأنا المشوار منذ أكثر من 20 عاما، وحققنا نجاحا كبيرا مع أغنية (ليل ورعد وبرق وريح) للفنان وائل كفوري، ولا نزال نحقق نجاحات كبيرة وسوف نستمر معا. تفاهمنا وصل إلى حد أنه يعرف بشكل مسبق ماذا أريد أن أكتب، كما أعرف أنا ماذا سيلحن. الأغنية معنا تولد (ابنة ساعتها)، وبمجرد أن أكتب مطلعها، يبدأ هو بالتلحين، وهذا التزاوج يصل إلى المتلقي عبر عمل جميل، لكنه لا يدري بأي طريقة».

وهذه الحالة يعيشها فرنسيس أيضا مع ملحم بركات «كنت أحب جملته الموسيقية قبل أن أتعاطى العمل الفني وسنحت أمامي الفرصة للتعامل معه لأنه أحب شعري، ومعا قدمنا (تعا ننسى)، (بدك مليون سنة)، (جيت بوقتك)، (روحي شوفي اللي حبوك)، (اعتزلت الغرام) للفنانة ماجدة الرومي وغيرها من الأعمال الناجحة. لكنني لا أستطيع أن أقول إنني أرتاح للتعامل مع سمير أكثر من ملحم، أو العكس، فأنا أتعاطى مع كل واحد منهما بطريقة معينة، لأن لكل منهما روحه الخاصة، وأنا أشكر الله لأنني تمكنت من النجاح مع (الروحين). عادة أنا أسمع الملحن مطلع الأغنية، ومن خلال عينيه أستطيع أن أعرف، إذا أحبه أو لم يحبه، لأن يوجد في الشاعر شيء من الملحن، وفي الملحن شيء من الشاعر الذي يجب أن يعشق الكلمة، لكي يلبسها الثوب المناسب لحنا. وفي الفترة الأخيرة اتجهت إلى التعامل مع الملحن رواد رعد لأنني أحب ألحانه، وقدمنا معا لمعين شريف (شو بيشبهك تشرين) و(هلا يما وهلا يوم) لأيمن زبيب».

كما تحدث فرنسيس عن أغنيات تولد في «ساعتها» ومن دون تحضيرات مسبقة، وقال «أنا أؤمن وأتفاءل بهذه الأغنيات لأن الإحساس فيها يكون صادقا، مثلا أغنية (أنت مشيت وبكيت الوردة) للفنان ملحم زين، ولدت خلال نصف ساعة مع سمير صفير، ومثلها (خيل العرب) للفنان عاصي الحلاني، الذي تعجبني هو أيضا ألحانه، ولقد تعاملنا معا في أكثر من 35 عملا، من بينها (صوت الحدا) التي رأت النور بسرعة قياسية».

في الوقت نفسه، لا يهمل فرنسيس دور المطرب في نجاح الأغنية فيقول «أحيانا لا تصل الأغنية، على الرغم من براعة الشاعر والملحن، لأنه أي أغنية عبارة عن كلام ولحن جميلين، تنفيذ جيد وأداء سليم، ولذلك يلعب المطرب دورا في نجاحها وكذلك توقيت طرحها في السوق. للأسف كلتا الأغنيتين، الجميلة والقبيحة، تحتاج إلى توقيت مناسب».

الملحن سليم سلامة تحدث عن كيمياء، تجعل الملحن ينجح مع شاعر أكثر من سواه، وهذا الأمر تحقق عنده مع الشاعر فارس إسكندر «هو يفهم ماذا أريد وأنا مثله، كما أن العلاقة الشخصية تلعب دورها، فأنا كانت تربطني علاقة صداقة بعائلته، قبل أن أتعاون معه فنيا، مما جعل العلاقة بيننا تتوطد أكثر بعيدا عن المصلحة المادية، ونحن لم نختلف يوما على دولار واحد. وعلى الرغم من أنني تعاونت قبله، مع عدد كبير من الشعراء ونجحنا معا، من بينهم ناشد إسكندر في أغنيات (اللي بتقصر تنورة) للفنان فارس كرم و(التحدي) و(بجرب أنسى) للفنانة نجوى كرم، و(دخلك يا ليل) و(قلبها معلق في) للفنان سيمون حدشيتي، والشاعر محمد دلول في أغنية (لا والله ما ماني) للفنانة ديانا حداد ولكن (الشرقطة) والنجاح الأكبر تحقق مع فارس إسكندر، لأنه قدم الأغنية بلغة جديدة ومختلفة عن كل الآخرين، وكل الشعراء أصبحوا اليوم يستعملون عباراته، تماما كما أن الملحنين، يلامسون جملي اللحنية في أغنياتهم، وهذا يعني أنني أشكل معه حالة، ربما تستمر وقد لا تستمر. هذا الأمر يعود إلى الناس، لأنهم قد يصلون إلى مرحلة لا يتقبلون فيها ما نقدمه لهم، والتجارب على ما أقوله كثيرة، فالكل يعرف أن هناك ثنائيات لحنية - شعرية، كانت في مرحلة من المراحل (صواريخ فنية)، بينما كل ما يقدمونه اليوم (بلا طعم)».

مع فارس إسكندر وسليم سلامة تبدأ الأغنية بفكرة يطرحها الأول على الثاني أو جملة موسيقية يسمعها الثاني للأول «نحن نجتمع في مكان خاص عبارة عن مكتب واستوديو تسجيل، واللقاء بيننا يكون في الشتاء يوميا وفي الصيف يوما بعد يوم. ما قدمته مع فارس، وتحديدا والده الفنان محمد إسكندر شكل صدمة في الوسط الفني، خاصة أنه كان مبتعدا عن الساحة وعاد بثلاث أغنيات كل واحدة منها حققت نجاحا أكبر من التي سبقتها، الأولى (بخرطش فردي)، الثانية (جمهورية قلبي) والثالثة (غرفة عمليات)، كذلك نحن حققنا نجاحات لافتة مع نانسي عجرم في أغنية (شيخ الشباب) التي تميزت في ألبومها الأخير، نوال الزغبي في أغنية (ألف ومية) وإليسا في أغنية (عبالي حبيبي) وملحم زين في أغنيتي (كان صديقي) و(شو هالدمع اللي سال)».

سليم سلامة جمد تعامله مع كل الملحنين الذين تعامل معهم قبل مرحلة فارس إسكندر، وأوضح ذلك بقوله «حفاظا على الأفكار من التشتت، ليس هناك ما يستوجب أن ألحن لغيره من الشعراء أو أن ينظم هو شعرا لملحن آخر».

الملحن هيثم زياد الذي بدأ حياته كمطرب، قبل أن يتجه نحو التلحين، شكل ثنائيا فنيا مع أكثر من شاعر، وقال «بدأت مع الشاعر أحمد ماضي، وقدمنا معا أكثر من 30 أغنية ناجحة من بينها (أغلى الحبايب) للفنانة نوال الزغبي، (رجب) للفنانة هيفاء وهبي، وغيرها.. التوأمة بيننا كانت نتيجة تناغم روحي، هو اعتاد على طريقتي في التلحين والعكس صحيح أيضا.. ولكن يجب أن يكون الملحن منفتحا، وقادرا على تحقيق توأمة فنية مع أكثر من شاعر، لأنني لا أؤمن بالتوأمة المطلقة، فأنا مثلا تعاملت مع الشاعر المصري هيثم شعبان، وحققت توأمة معه ولكن بطريقة مختلفة، لأن أسلوبه يختلف تماما عن أسلوب أحمد ماضي، وأخيرا حصلت توأمة بيني وبين الشاعر يوسف الشامي ومعظم ما قدمنا يدخل في إطار تيترات المسلسلات الرمضانية، من بينها أغنيات دينا حايك (أصعب شعور) في مسلسل (العشق الحرام) التي ألفت أيضا موسيقاه التصويرية، (بلحظة غدر) للفنان أيمن زبيب في مسلسل (الدبور) و(دوارة الأيام) للفنان جورج وسوف في مسلسل (ما ملكت أيمانكم). العلاقة بين الشاعر والملحن، ليست بحاجة إلى وساطة، وأنا أجتمع بالكثير من الشعراء، ولكني لا أشعر أني أستطيع أن ألحن لهم.. المسألة ربانية، وثمة تناغم ما يشعر به الملحن مع شاعر دون سواه». ويرى زياد ألا يفضل شاعرا على آخر «كل شاعر له أسلوبه الخاص، ولكن يوجد شاعر معين يستطيع أن يعطي كل الألوان بنفس المستوى، ومثله الملحن. يلفتني كثيرا النص، ويمكن أن أتبع الكلمة الحلوة، حتى ولو كانت من الصين، ولكني لا يمكن أن أطرق باب شاعر، ولم أقدم على خطوة مماثلة في يوم من الأيام، كما أنني لا أتجنب التعامل مع شاعر نجح مع ملحن غيري، ولكني آخذ في عين الاعتبار زعل الملحن الآخر، إذا كانت الطريق لا تزال مفتوحة مع هذا الملحن».

في المقابل هناك فنانون، يجمعون في آن واحد بين موهبتي التلحين وكتابة الشعر، من بينهم سليم عساف، الذي يرى أن نجاح العمل لا يرتبط بكون أن الشخص نفسه هو الملحن والشاعر، فيقول «أنا أستطيع أن ألحن لشعراء غيري، كما أنني يمكن أن أكتب كلام أغنية لملحن آخر، ولكن عندما أكون أنا المسؤول، كلاما ولحنا عن الأغنية، أشعر أن العمل أكثر صدقا وحميمية. وأنا أرى أن الملحن المهم يشارك الشاعر في صوغ كلام الأغنية أو إجراء بعض التعديلات عليها. لا أعرف ما إذا كنت أكثر صدقا من غيري، وكل ما أعرفه أنني أعمل بإحساس عميق عندما تكون الأغنية من كلماتي وألحاني، عدا عن أنني بذلك، أشعر أنني أسيطر على الأغنية من كافة جوانبها، وهذا أفضل بالنسبة إلي، لأنني لست بحاجة لأن أنتظر شخصا، حتى يتعدل مزاجه، لكي يعطيني لحنا أو كلام أغنية. قلائل جدا هم الفنانون الذين نجحوا في الجمع بين التلحين والكتابة، ففي مصر مثلا يوجد فنان أو ثلاثة فنانين من بينهم الراحل بليغ حمدي و30 في المائة من أغنياته الناجحة تحمل توقيعه كلاما ولحنا، وفي لبنان يوجد حاليا مروان خوري.