الدويتو الغنائي.. بين الأمس واليوم

أحبها الناس في «حكيم عيون» وتقبلوها في «الناطور»

TT

الغناء، الاستعراض، الرقص والتمثيل، كلها ثمار من ثمرات المسرح الذي يعرف بـ«أبو الفنون»، وإليها ينضم أيضا «الديالوغ الغنائي»، أو ما يعرف حاليا بـ«الدويتو» وهو عبارة عن حوار غنائي منسجم، كلاما وأداء ولحنا وصوتا، يدور بين فنانَيْن حول موضوع معين، قد يكون عاطفيا أو اجتماعيا أو سياسيا أو وطنيا، ويحمل رسالة فنية وطنية أو إنسانية، غالبا ما يستسيغها المتلقي، لأنها تبعده عن «رتابة» الاستماع إلى صوت غنائي واحد.

ولكن على الرغم من التشويه الذي شاب بعض الأعمال الفنية التي تدخل في هذا المجال، نتيجة استسهال البعض و«تركيب» جمل غير منسجمة ومترابطة، لمجرد تنفيذ دويتو، يعتقدون أنه سيحقق لهم شهرة واسعة أو يزيد إلى شهرتهم، يظل الدويتو عملا فنيا مطلوبا بامتياز من قبل الفنان، كما الجمهور، الذي يميل عادة إلى سماع نجومه المفضلين، يتشاركون في غناء عمل واحد، وربما هذا ما دفع ببعض المحطات التلفزيونية إلى إنتاج برامج، ترتكز فكرتها الأساسية على استضافة فنانين يتقاسمون أداء أغنيات معروفة ومنتشرة الناس، كبرنامج «تاراتاتا» الذي حقق نجاحا جماهيريا لافتا دفع إدارة محطة «دبي» إلى إنتاج أكثر من جزء منه.

وقبل انتشار موضة الفيديو كليب، انتشرت الدويتوهات الغنائية المصور عبر السينما، وتأتي الفنانة المعتزلة شادية في مقدمة الفنانات اللواتي شاركن أصواتا رجالية في الغناء بشكل ثنائي، حتى إنها ضربت الرقم القياسي في عدد الثنائيات الغنائية التي قدمتها، بل وتفوقت على الراحلة، ليلى مراد، الفنانة التي ذاع صيتها في غناء الديالوغات الناجحة والمشهورة، ولكن قبلهما عرف الدويتو سينمائيا، منذ أيام المطرب محمد عبد الوهاب عندما شاركته الفنانة راقية إبراهيم أغنيته الشهيرة «حكيم عيون»، في فيلم «رصاصة في القلب».

وكما كان نجوم الأسود والأبيض يحرصون على الغناء بمشاركة نجوم يتساوون معهم حجما وقيمة، كما فعل مثلا النجمان الكبيران فريد الأطرش وشادية اللذان اجتمعا في أغنية «يا سلام على حبي وحبك»، كذلك يحرص النجوم الحاليون عند خوض تجربة الدويتو، على اختيار فنانين لهم اسمهم ووزنهم في عالم الأغنية، لكي يشاركوهم التجربة. فالفنان فضل شاكر، الذي يعتبر الفنان الأكثر غزارة في لبنان في غناء الدويتو، خاض هذه التجربة مع أربع نجمات من الصف الأول، وكانت البداية مع الفنانة نوال الكويتية في أغنية «أحاول» التي حققت نجاحا باهرا، جعله يكررها مع النجمة شيرين عبد الوهاب في أغنية «عام جديد»، التي نجحت أيضا، أما التجربة الثالثة له، فكانت مع النجمة «يارا»، لكن عندما كان في بداية مشوارها الفني، ويومها قال فضل: «إن تجربة الدويتو لا تخيفني بقدر ما تخيفني الأغنية الجميلة، وهناك الكثيرون من الفنانين وغير الفنانين سألوني، لماذا تقدم دويتو مع يارا وعارضوني على هذه الخطوة، وقلت لهم إن صوتها من الأصوات الجميلة الواعدة ولو لم يكن كذلك، لما خضت التجربة معها، ولم أجامل الملحن طارق أبو جودة، باعتباره متبنيا صوت يارا، لأنني لا أجامل في الفن، وربما كنت أفعل ذلك في الماضي، لأنه لم تكن عندي الخبرة، أما اليوم فمكانتي لا تسمح لي بذلك. وأتمنى أن يضيف هذا العمل ليارا، ويجعلها من النجمات المشهورات، وأنا أتنبأ لها بمستقبل جميل في الفن».

أما التجربة الرابعة، له فكانت مع إليسا في أغنية «جوّا الروح»، التي توقع الجميع أن تشكل حدثا فنيا، لكن النتيجة كانت مخيّبة للآمال ومر العمل مرور الكرام، إذا لم نقل إنه فشلت فشلا ذريعا. يومها أوضحت إليسا أن فكرة هذا الدويتو ولدت «نتيجة الصداقة التي تربطها بالفنان فضل شاكر»، ولكن الأخير رفض تصوير العمل بطريقة الفيديو، وهذا ما أعلنته إليسا بنفسها، عندما أكدت أن فضل لا يجيب على اتصالاتها الهاتفية لكي يتم الاتفاق معه على موعد للتصوير، مع الإشارة إلى أن انطلاقة إليسا إلى عالم الشهرة يقف وراءها دويتو «بتغيب بتروح»، وذلك عندما اختارها الفنان راغب علامة لتشاركه غناءها.

إلى ذلك، يجد بعض الفنانين في غناء الدويتو، استراتيجية ذكية تساعد في رفع رصيدهم الذي تهاوى أو تراجع، فالفنانة مادونا وبعد غياب استمر سنوات، رأت في الدويتو مشروعا غنائيا يعيدها إلى الساحة، ولذلك غنت الشاب مع بشير «ملا جيل» وألحقته بدويتو ثان معه، عندما أعادت تجديد أغنيتها: «وله يا صعيدي».

إلى جانب الغناء مع «أبناء البلد»، يرتئي بعض الفنانين الغناء إلى جانب فنانين من جنسيات عربية مختلفة، لأنهم يرون أنهم بذلك يكسبون جمهور الفنان الآخر في بلده، فبالإضافة إلى الفنان فضل شاكر، الذي «نوّع» في اختيار جنسيات النجمات اللواتي شاركنه الغناء، التقت ديانا حداد مع الفنان محمد العزبي في أغنية «جرح الحبيب»، وصورت بعده مع الشاب خالد الدويتو الغنائي «ماس ولولي» ويقال إن التكلفة الإنتاجية لهذا العمل بلغت 200 ألف دولار ما بين أجر الشاب خالد وتكاليف تسجيل الأغنية وتصويرها، أما الفنانة أمل حجازي فاختارت الشاب مامي ليشاركها أغنية «عينك»، بينما اجتمعت يارا، بعدما أصبحت نجمة ورقما صعبا على الساحة الفنية، مع راشد الماجد في دويتو «الموعد الضائع»، في حين أن هشام الحاج اختار الفنانة المصرية أمينة وغنى معها أغنية «بلدنا»، وهما يحضران حاليا لدويتو جديد لم يفصح هشام عنه بل اكتفى بالقول: «هو قريب من خلطة (بلدنا)، بل أجمل، ولولا ذلك لما كنت قبلت به. أنا فتحت الباب أمام أمينة لدخول لبنان وهي أيضا فتحت أمامي الباب لدخول مصر، وهذا يؤكد أنها بادلتني عطاء النجومية».

إلى ذلك، انتظر الجميع وبفارع الصبر عملا كان من المفترض أن يجمع بين نجوى كرم ومحمد عبده، وفنان العرب تحدثت أكثر من مرة، عندما قال: «التعاون قائم بيني وبين اللبنانية نجوى كرم.. وإنني أدرس هذه الفكرة، وستكون ضمن مشاريعي الفنية المقبلة»، إلا أن العمل لم ير النور، لأن عبده تراجع عن موقفه، عندما اكتشف أن نجوى كرم نفسها هي من تولى كتابة كلام الدويتو. ولكن الطموح الكبير وحلم تحقيق النجومية العالمية، دفع بعدد من الفنانين إلى تنفيذ دويتوهات مع نجوم عالميين، فالنجمة إليسا غنت مع النجم العالمي كريس دو بورغ أغنية «ليالي لبنانية»، أما ميسليا، وبعد أن خاضت التجربة العالمية مرتين، الأولى مع أيكون في أغنية «يلّي ناسيني»، والثانية مع دكتور ألبان في أغنية «حبيبي»، تستعد لتجربة ثالثة مع النجم العالمي ريكي مارتن.

ولكن اللافت أن بعض الفنانين، وبهدف جذب الأنظار إليهم، يعمدون بين الفينة والأخرى، إلى التحدث عن مشاريع دويتوهات تجمعهم بنجوم عالميين، كما هو حال الفنانة مي حريري التي ذكرت في أكثر من مناسبة، أنها اتفقت مع النجم الأميركي ليوناريش لتسجيل وتصوير دويتو جديد ومختلف باللغتين العربية والإنجليزية، دون أن تنسى إبداء ثقتها الكاملة بأن العمل المرتقب سيكون قنبلة الموسم الغنائي.

وعلى الرغم من أن كل الفنانين، يحصرون تجربة الغنائي الثنائي في الألبومات والفيديو كليبات، فإن الفنانة دومينيك حوراني، التي اجتمعت مع علي الديك في أغنيتين هما «الناطور» و«جاي عبالي» نقلت تجربتها معه إلى المسرح، حيث تقول: «أنا أحب تجربتي مع علي الديك، وكذلك الناس لأننا منسجمان كثنائي فني كما في اللون الغنائي، مما شجع المتعهدين على طلبنا للغناء في حفلات مشتركة، وهذا نادرا ما يحصل. فالمتعهدون لا يقبلون بأي ثنائي للغناء في حفل مشترك، لأنهم يعرفون أنه سيصيب الناس بالملل، بل يفضلون (كوبل بطعم الملح والبهار)».

كما تعتبر دومينيك أن تجربتها مع علي الديك هي الأكثر نجاحا مقارنة بالتجارب المماثلة، وتطرقت إلى اجتماع محمد عبده وعبد المجيد عبد الله في عمل غنائي واحد، واستغربت كيف أنه يمكن لرجل أن يغني دويتو مع رجل آخر، أو حتى كيف يمكن أن يجتمع معه في حفل واحد، خاصة أن الناس يحضرون الحفلات من أجل مشاهدة العنصر النسائي.

وأوضحت: «أنا ضد أن يتشارك رجلان في دويتو غنائي، ولا أفهم القصد الذي يقف وراء هذا الفكرة».

وكما أن فنانين رجلين يمكن أن يتشاركا تجربة الدويتو، فثمة تجارب نسائية مماثلة في الإطار نفسه، حيث شاركت الفنانة صباح الفنانة رولا سعد الفنانة دويتو «يانا يانا»، بهدف دعهما والوقوف إلى جانبها، وأخيرا كررت رولا التجربة مع الفنان محمد اسكندر من خلا تجديد أغنيته «مين الشاغل بالك».

وكما يكون لشركات الإنتاج دور في ولادة الدويتوهات، عندما اختارت شركة «أرابيكا» الجمع بين وائل جسار وحنان في أغنية «يا روحي غيبي»، ورضا ورجاء المغربية في أغنية «مع بعض»، تكون الدويتوهات أحيانا سببا في انطلاق شائعات الحب بين «بطلي العمل»، حين تحدث الصحافة عن قصة حب وزواج بين رضا ورجاء، إلا أن رضا يؤكد أن الصحافيين هم من فبركوا الخبر، خاصة أن فكرة الكليب تدور حول عريسين يمضيان شهر العسل في تايلاند، مشيرا إلى أنه يروج لأعماله بصوته وأغنياته ولا وقت لديه للشائعات.