التكرار وضعف الجودة يفجران جدلا حول الأعمال المغربية في رمضان

حمى الاعتزال تطال الفنانين المغاربة

TT

لم ترُق الأعمال التلفزيونية المغربية المشاهد المغربي، حيث رأى أنها لم تقدم أي جديد أو حتى تساير التحولات الاجتماعية والسياسية التي يعرفها المغرب، فقد أصدر المشاهد المغربي الحكم على تلك الأعمال مبكرا وهجرها للدراما العربية.

طال الأعمال التلفزيونية المقدمة خلال شهر رمضان، في القناتين الأولى والثانية المغربيتين، الكثير من الانتقاد والجدل حول جودتها، ومدى قدرتها على تقديم خدمة فنية ترقى إلى تطلعات المشاهد المغربي، كما أنها خيبت آمال المشاهدين المغاربة، وأخفقت في تقديم أعمال جيدة، حسب ما عبر عنه الكثير من المشاهدين عبر المواقع الإلكترونية الاجتماعية والفنية.

وشن مجموعة من المشاهدين حملات عبر المواقع الاجتماعية ضد الأعمال التلفزيونية المقدمة في رمضان، تحت مسمى «مامفرجينش في هاد الشوهة»، و«حموضة التلفزيون المغربي في رمضان»، و«لسنا أغبياء!»، كما تم توقيع عريضة تحمل توقيع آلاف المشاهدين تندد بالبرمجة الخاصة برمضان، ووقفات صامتة امام مبنى القناتين بالرباط والدار البيضاء.

كما أصدرت الغرفة المغربية لمخرجي التلفزيون بيانا تحتج فيه على «رداءة الأعمال التلفزيونية الرمضانية»، وعلى «إقصاء المخرجين من داخل التلفزة الوطنية من الاشتغال في الأعمال التلفزيونية الرمضانية». فقد رأى منير، وهو أحد المؤيدين لتلك الصفحات الفيس بوكية، أن هذه الصفحات تعبر عن استياء المشاهد المغربي حول الأعمال المعروضة في شهر رمضان، والتي يصفها بالرداءة والارتجال والاستخفاف بالمشاهد وذكائه.

كما أن بعض المشاهدين المغاربة فضلوا أن يتوجهوا إلى الإذاعات بعد أن أخفق التلفزيون لسنوات متتالية في تقديم ما يرضيهم، فقد كانت الإذاعات هي ملاذهم، خصوصا أنها تميزت هذه السنة بتقديم أعمال متنوعة من سيتكوم، ومسلسلات، وبرامج حوارية، وأدبية، وثقافية، ودينية، ورياضية، وبرامج القرب، تنقل نبض الشارع.

فقد رأى منير أن السيتكوم والمسلسلات الفكاهية التي تقدمها القنوات المغربية تكرر نفس وجوه الممثلين وبنفس الرداءة، ويضيف منير أن التلفزيون المغربي أصبح خارج التغطية، حيث إنه لم يستفِد من كل أخطائه القاتلة التي ارتكبها في السنوات الماضية.

وفي هذا الصدد عبر المصطفى بنعلي رئيس «الجمعية المغربية لحقوق المشاهد» في تصريح سابق عن تذمره مما تعرضه القنوات التلفزيونية المغربية، وقال: «في السنة الماضية، رفعنا دعوى قضائية على القناة الثانية بسبب برنامج (طاكسي 36) وهذه السنة، تركناهم لله».

وأضاف بنعلي أن «ما يعرض هذه السنة في التلفزيون المغربي كارثة عظمى، فالرداءة نفسها، والوجوه نفسها تتكرر»، مشيرا إلى أن الأمر يجد مبرره في أن «التلفزيون يتعامل مع شركات الإنتاج نفسها كل سنة، ولا يفتح المجال لشركات أخرى منافسة».

كما يرى بنعلي أن «التلفزيون العمومي لا يمتلك سياسة على مستوى البرمجة، ولا يعكس التنوع الثقافي والحضاري للمجتمع المغربي، ولا يواكب الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يشهده البلد، ولا حتى سياسة الدولة التي تتأسس على قيم الحداثة والديمقراطية».

وقد نالت بعض المسلسلات مثل «مشي لخاطري»، و«صوت النسا»، و«صالون شهرزاد»، التي أظهرت ممثليها الشباب بشكل جيد ومختلف، استحسان الجمهور، رغم أنه تم التحفظ على «صالون شهرزاد» الذي لجأ إلى مخرج مصري (أمير رمسيس)، وذلك لوجود مخرجين مغاربة ذوي كفاءة، وأتى هذا التحفظ بهدف تشجيع الإنتاج الوطني، وخلق فرص للشغل للممثلين والمخرجين المغاربة.

كما مثل شهر رمضان فرصة لتوبة واعتزال فنانين مغاربة، كما أكد الكثير من الفنانين على نيتهم الاعتزال قريبا، فقد اقتصرت موجة الاعتزال على الميدان الغنائي، حيث انتشر مؤخرا مقطع فيديو على «يوتيوب» تبلغ مدته ثلاث دقائق، يتضمن هذا المقطع إعلان الفنان المغربي الشاب رزقي توبته، وقد طالب جمهوره بالتوقف عن سماع الأغنيات، وخصوصا ألبوماته، واصفا الموسيقى بـ«المستنقع». حديث المغني بدا غارقا في خطاب إسلاموي يحرم الغناء، كما دعا الجمهور إلى الاستماع إلى القرآن بدل الموسيقى.

الشاب رزقي، الذي تحول إلى نجم على المستوى المحلي بعد أغنية راي أصدرها خلال التسعينات عنوانها «أنا الغلطان»، بكلمات عادية جدا وموسيقى بسيطة، وانتشرت أغنيات رزقي الرومانسية، وبدت متوافقة مع مزاج الشباب المغربي حينها، فتحولت «أنا الغلطان» إلى إحدى أشهر الأغنيات التي أنتجتها موسيقى الراي المغربية، وتحوّل الشاب رزقي إلى نجم.

وقد كان للمغني الشعبي المعروف جدوان سابقة في الاعتزال، حيث قرر قبل سنوات قليلة اعتزال الغناء في الأعراس والسهرات الغنائية العمومية، وابتعد عن تنشيط ليالي الطرب في المناسبات السعيدة عند العائلات الثرية، حيث اختار جدوان أن يضع حدا لمسيرة ناهزت 20 عاما من الشهرة والمال والأضواء الباهرة.

وفاجأ اعتزال جدوان الكثير من زملائه الفنانين والمطربين الذين رفضوا فكرة اعتزاله، فطالبه بعضهم بأن يرجع عن قراره بدعوى أنه لا يزال شابا وفي قمة مجده وشهرته الفنية بالمغرب، ولديه جمهور عريض، خصوصا في صنف الغناء الشعبي، وبأن اعتزاله في سن مبكرة غير معتاد في البلاد.

وبعد الاعتزال، اختار جدوان طريق القرآن الكريم، وبات يؤذن في أحد المساجد القريبة من مقر سكنه، كما أضحى حريصا على تعلم قواعد القرآن الكريم وتجويده وحضور حلقات علم التجويد، بغية إتقان قراءة كتاب الله وترتيله ترتيلا حسنا وفق الضوابط والقواعد المتبعة.

ومن أكثر الفنانين الذين أدهشوا جمهورهم بقرار الاعتزال صاحب الحنجرة الذهبية عبد الهادي بلخياط مبدع أغنية «القمر الأحمر»، والذي أعلن منذ فترة اعتزاله أداء الأغاني العاطفية وأغاني الحب والعشق، لكنه بالمقابل أكد أنه سيتفرغ للإنشاد الديني والأغاني الروحية.

ويعتبر الفنان عبد الهادي زوقاري الإدريسي، الملقب ببلخياط، من بين أبرز نجوم الأغنية المغربية، فقد غادر مدينته فاس نحو الدار البيضاء من أجل الغناء، وقد نجح في الوصول إلى المستمع المغربي في فترة قصيرة بفضل موسيقاه الهادئة والجميلة وصوته المتميز.

في أواخر الثمانينات وبعد مسيرة فنية حافلة انسحب من الساحة الفنية ليصبح إماما بأحد مساجد الدار البيضاء لعدة سنوات متتالية، في هذه المدة ردد الكثير أغنية «قطار الحياة» التي مثلت آخر إبداعاته واعتبروه آخر مبدع مغربي على قيد الحياة. وفي سنة 2000 قرر بلخياط العودة للغناء، وأنتج ألبوم سنة 2001، كما قام بالكثير من الجولات الفنية في مختلف المدن المغربية.

بلخياط يعد من بين أشهر الأسماء الفنية بالمغرب التي حظيت بنصيب وافر من الاهتمام واستأثرت بحظ كبير من المتابعة، فقد برر بلخياط قرار اعتزاله بأن سنه المتقدمة (71 عاما) لم تعد تسمح له بالقفز أمام الجمهور ليترنم بأغاني الحب.

، وقد بلغ من السن ما يجعله ينتبه إلى أن المرء يحتاج في هذه المرحلة من عمره إلى زاد روحي يدفعه لمعرفة الله أكثر.

وتوالت أخبار اعتزال الفنانين المغاربة والتي برزت بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، فقد صرحت الفنانة المغربية لطيفة رأفت لجريدة «الشروق» الجزائرية بأن «غناءها يتعارض مع الشرع الإسلامي».

وأضافت أنه كلّما قدمت أغنية دينية انتابتها نوبة بكاء، قبل أن تستطرد قائلة: «إنني أدعو الله أن يعفو عني، ويعطيني الجرأة والشجاعة للتوقف عن الغناء مستقبلا».

ولم يكن هذا أول تصريح لرأفت بنيتها الاعتزال، فأثناء استضافتها في حلقة برنامج «نغمة واتاي» على القناة المغربية الأولى خلال شهر رمضان الماضي، قالت رأفت: «أدعو الله أن يتوب علي ويعفو عني من ميدان الغناء».

وحول نظرتها للاعتزال قالت رأفت: «أدعو الله أن يوفقني للاعتزال، فالاعتزال هو التزام مع الله»، مضيفة أن الاعتزال يجب أن يكون نهائيا وشاملا، ليس فيه هذا حرام وهذا حلال، لكن يبقى للناس آراؤهم في الموضوع.

كما كان للفنانة الشعبية نجاة اعتابو الحظ الأوفر في فكرة الاعتزال، حيث أعربت عن رغبتها في ذلك. وصرحت خلال حوارها مع مجلة «سيدتي» بأنها تفكر في الاعتزال «والتفرغ للعمل في المقاطع الدينية والموشحات»، وتعد اعتابو من المغنيات الشهيرات على الساحة الموسيقية الشعبية.

وقد كشفت مؤخرا المطربة الشعبية المغربية هند حنوي المعروفة فنيا بـ«زينة الداودية» أنها ستعتزل الفن قريبا، حيث قالت: «لا أستطيع الصمود أكثر، فقد بات الاعتزال أقرب إلى نفسي من أي وقت آخر».

وتقول «الداودية» إنها بدأت حياتها «بتجويد القرآن، وأريد أن أنهيها بالطريقة نفسها»، رغم أنها حاربت كثيرا من أجل الفن، وخاضت معارك شرسة مع عائلتها الملتزمة جدا، ثم مع زوجها الذي يرفض الغناء.

يذكر أن هند حنوني المعروفة بـ«زينة الداودية» من مواليد الدار البيضاء سنة 1977، وقد عرفت كأول امرأة تتقن فن العيطة، مما ساعدها في كسب جمهور كبير ومن مختلف الفئات الاجتماعية، حيث تعتبر من أبرز أصوات الغناء الشعبي في المغرب.