مغنو الـ«بلاي باك».. تقليل من قيمة الجمهور

شركات الإنتاج تستغني عن الفرق الموسيقية وتقدم الأغنية بأسلوب سيئ

هادي شرارة
TT

أفرزت الساحة الفنية في السنوات الأخيرة عددا من النجوم، ساعدتهم التقنيات الحديثة التي تستخدم في الاستوديوهات على التخلص من النشاز الموجود في أصواتهم، فأطلوا من خلال الفيديو كليب، على جمهور انشغل عن جمال أصواتهم بجمال أشكالهم المعدلة تجميليا، خاصة أنهم أبدعوا في اللعب على غرائز المشاهد، وهذا ليس بأمر مستغرب، على من يتقنون فن الإغواء وليس فن الغناء. وأيضا شركات الإنتاج المنتجة للبرامج التلفزيونية المهتمة بالمسرح الغنائي، التي تبيع برامجها للقنوات الخليجية بمبالغ مالية كبيرة للغاية، تفضل الاستعانة بالـ«بلاي باك» والاستغناء في أكثر الأحيان عن الفرق الموسيقية، وهي بذلك توفر مبالغ كبيرة وتقدم أسلوبا مشوها للفن الغنائي الخليجي والعربي.

ولأن الغناء على المسرح «يفضح» كما يقال، ولكي لا تكون فضيحة مطربي الأشكال بـ«جلاجل» - وفق المقولة المصرية - وجد هؤلاء في الغناء بطريقة «البلاي باك»، الوسيلة التي يدارون بها «فضيحتهم»، ولطالما وصلت أصداء انتقادات، من جماهير مهرجانات كبيرة لنجوم درجة أولى، بعدما أدركوا خديعة من كانوا يعتقدون أنهم مطربون حقيقيون، فتبين لهم أنهم ليسوا سوى نجوم مزيفين، صنعهم عصر «الصورة والصوت».

الغناء بطريقة الـ«بلاي باك» له أسبابه الفنية، التقنية والمادية، كما يؤكد المخرج والكاتب المسرحي روميو لحود، بعضها يتعلق بالصوت، يفرضه الغناء اليومي في الأعمال المسرحية الغنائية، الذي يتعب صوت الفنان ويحول دون أن يغني بشكل حي ومباشر، وبعضها الآخر بالكلفة المادية المرتفعة التي يتطلبها سفر الفرقة الموسيقية مع الفنان إلى الخارج، وهذه الفئة من المطربين لا بد من التماس الأعذار لها، أما الفنانون الذين يلجأون إلى الـ«بلاي باك»، بسبب انعدام الموهبة الصوتية، فلا يوجد عذر يبرر تصرفاتهم، وقد أصبحوا نجوما لأسباب لا علاقة لها بالصوت، وحتى لو كان البعض منهم يملك الكاريزما الكافية التي تؤمن الحضور الجماهيري لحفلاتهم، فهذا لا يكفي، لأن مجرد الغناء بهذه الطريقة هو أكبر دليل على ضعف أصواتهم، بل هم لا يملكون صوتا في الأساس، ولذلك يمكن القول إنهم نجوم شكل وليس نجوم صوت.

ولأن التدني في المستوى الفني لطالما كان موجودا، أجرى لحود مقارنة بين فن الأمس وفن اليوم، قائلا: «في الماضي كان هناك أيضا تدنّ في المستوى الفني، ولكن من نوع آخر، حيث كان قسم من الفنانين يعتمد على الوساطات والأصحاب للنجاح في اختبار الإذاعة، إلا أننا نجحنا في ضبط الوضع، وتمكن جيلنا من التأسيس لفن نظيف وذي قيمة، وأعتقد أنه خلال الفترة المقبلة، سيتغير الوضع السائد حاليا على الساحة الفنية، ولن يقبل الناس سوى بالفنان القريب للكمال، ليس شكلا فقط، بل في نوعية الأعمال التي يقدمها، لأن الكمال الكلي ليس موجودا. وأنا متفائل جدا من هذه الناحية، لأن الجيل الجديد يتعلم أصول الفن في المعاهد، بينما الجيل الفني الذي أنتمي إليه لم يكن فيه الكثير من الفنانين الذين يلمون بكتابة الموسيقى، ونجحنا بإقناع المنتجين بضرورة اختيار الأعمال الجيدة والفنانين الجيدين لإرضاء الجمهور»، أما الملحن نور الملاح فيعتبر أن الـ«بلاي باك» هو الأسلوب الذي يلجأ إليه الفنانون الذين لا علاقة لهم بالغناء.. «إنها التكنولوجيا الحديثة التي يستعين بها من يعتمدون على أشكالهم فقط، وحتى الجوائز التي يفوزون بها مزيفة، وهم يحصلون عليها من جهات تربطهم بها مصالح مادية مشتركة. كل الجوائز لم يعد لها قيمة، حتى العالمية منها، ويؤكد الملاح أن الفنانة إليسا من أكثر الفنانات التي تهتم بـ«البلاي باك».

وبما أن للجمهور دورا في الترويج لموضة فناني الـ«بلاي باك» باعتبارهم العنصر المتلقي، يؤكد الملاح: «مصر وعظمتها لا يتعدى عدد المطربين الحقيقيين فيها 6 فنانين أو 7 فنانين. الفن رسالة، والله خص بموهبة الصوت عددا معينا من الأشخاص، وفي كل جيل فني يمكن أن توجد موهبة واحدة أو موهبتان وليس أكثر. في الماضي، كان الفنان لا يملك المال، وعندما كان يُسأل عن رصيده كان يجيب: (الجمهور)، أما اليوم فأصبح الجمهور كله يغني وأصبحنا بحاجة (لاستئجار) مستمعين، لندرتهم. وهل استمرار نجومية هؤلاء الفنانين، مرتبط بالتطور التكنولوجي؟ يقول الملاح: «لا يوجد عندنا نجوم؛ يمكن أن يستمروا بصوتهم وبفنهم، بل هم يشبهون موضة (الهواتف الجوالة) التي تعيش شهرا أو شهرين ومن ثم تختفي، لتظهر بعدها موضة جديدة.. شركة (روتانا) توقفت عن الإنتاج الفني في لبنان، لأنها لم تحقق أي فائدة مادية من الكم الهائل من الفنانين الذين كانت تتعامل معهم، ولذلك أرسلتهم إلى بيوتهم».

الفنانة ميشلين خليفة، وافقت رأي الفنان روميو لحود، واعتبرت أن هناك إساءة في استعمال الـ«بلاي باك»، الذي يمكن اعتماده في المقابلات التلفزيونية عندما يكون الفنان من دون فرقة موسيقية، في الفيديو كليب وفي الأفلام.. «ولكن 70 في المائة من نجوم هذه الأيام مزيفون، استولوا على عروش لا حق لهم باعتلائها، وهم يفضحون عند الغناء في الحفلات، لأنهم لا يستقرون على مقام محدد، مما يؤكد أنهم لا يتمتعون بالثقافة الفنية وبالنضوج الصوتي. ما يميز الفنان الحقيقي عن الفنان الوهمي، هو أن الأول يغني بطريقة حيّة ويسيطر على الجمهور بإحساسه، أما الثاني الذي يعتمد على الـ(بلاي باك) فلا حياة في غنائه»، وهل تشعر ميشلين خليفة بالانزعاج من النجمات المزيفات لأنهن استولين على العرش؟ تقول: «أبدا! لا أحد يزعجني، بل حتى إنني أشاهدهن على التلفزيون، وإذا لفت نظري صوت ما أعبر عن إعجابي، ويمكن أن أبادر إلى الاتصال بصاحبته، لأننا في الوطن العربي، وخاصة في لبنان، نعاني من ندرة في الأصوات الجميلة، وتحديدا في العنصر النسائي».

الموزع الموسيقي هادي شرارة لم يتمكن من تقدير عدد نجوم الـ«بلاي باك»، إذ قال: «بصراحة أنا لا أتابعهم، وفي الأساس، لا يمكنني الاستماع إليهم، وإن كان عددهم كبيرا.. ويجب أن يغني الفنان بشكل حي وليس كما يسمعه في الـ(سي دي) أو عبر الإذاعة؛ فالـ«بلاي باك» أمر غير مستحب وفيه إهانة للجمهور، لأنه دفع فلوسه وأتى إلى الحفل لكي يحضر للفنان وهو يعتمد الغناء بطريقة (البلاي باك)، فالأفضل أن يسجل الحفل ويعرضه على التلفزيون أو أن يبيعه (دي في دي)، بدلا من إهانة الجمهور».

وعن المعاناة التي يعيشها أثناء التسجيل لبعض الأصوات في الاستوديو الخاص به، يقول: «هناك فنانون أعاني معهم كثيرا، وفي المقابل هناك (فنانون ملوك) في الاستوديو، مع أنهم لا يبدون كذلك على المسرح وبعضهم ليسوا نجوما. الغناء (لايف) ليس معيارا للغناء في لبنان، لأننا لا نتبع المعايير العالمية في هذا المجال، وعلى المسرح يمكن أن يلعب الحظ دوره مع الفنان، خاصة أن يمكن أن تحصل أحيانا مشكلات تقنية في الأجهزة الصوتية، قد تسبب نشازا أثناء الغناء، وأحيانا أخرى لا تكون الفرقة الموسيقية على درجة عالية من الاحترافية.

ولكن يجب التفريق بين نوع الصوت وطريقة الغناء أو ما يعرف بالأداء، فهناك أصوات غير جميلة ولكنها تؤدي بشكل جيد، وفي المقابل هناك أصوات تمتاز بخامة جيدة ولكن أداءها رديء جدا، ومن يريد التعامل معي يعرف أنني أحرص على (سقف) معين، وكل فنان يقيم نفسه بنفسه قبل أن يقصدني، لأنني أرفض (مضيعة الوقت)».

كما أوضح شرارة أن الجمهور يصاب بالصدمة من غناء بعض النجوم في الحفلات، لأنه يكون قد أعجب بأعمالهم «المجمّلة» في الـ«سي دي» أو عبر أثير الإذاعة.. «للأسف، النجوم الكبار يعيشون على أمجاد الماضي، ويعتقدون أن الجمهور يمكن أن يتقبلوا منهم أي شيء، ولكن هذا الأمر لا بد أن يلحق بهم الأذى لأنهم لن يستمروا طويلا، لأن نجومية أي فنان ترتبط بالأغنية الناجحة. قليلون جدا هم النجوم الذين يغنون (لايف)، مع أنني لا أحب كلمة نجم، ولا أرى أنها ترتبط بالصوت وحده، بل بمواصفات أخرى لا بد أن تتوفر في الفنان. ولكن الغناء (بلاي باك) تحول إلى موضة عند معظم الفنانين بسبب الفنان وحرص المتعهد على التوفير».