«قناصو العيدية».. يحصدون أعلى الإيرادات في السينما المصرية

خبراء يرونها مرحلة استراحة مؤقتة بعد ضغوط ثورة 25 يناير.. وآخرون كمقدمة لحقبة «أفلام مقاولات» جديدة

«شارع الهرم»
TT

أثار اعتلاء فيلم «شارع الهرم» لقائمة الإيرادات المصرية في الأسبوع الثاني لـ«موسم عيد الفطر» بدور العرض المصرية، حفيظة الخبراء من عودة ما أطلق عليه في ثمانينات القرن الماضي «حقبة أفلام المقاولات».

وتصدر «شارع الهرم» الإيرادات برقم قياسي محققا نحو 7.5 مليون جنيه (نحو 1.3 مليون دولار) في رابع أيام عرضه، مقابل إيرادات هزيلة لأربعة أفلام أخرى هي: «بيبو وبشير» و«أنا بضيع يا وديع»، و«يا أنا يا هو»، و«تك بوم تك».. وهو ما يعتبره البعض مقدمة سيئة لمستقبل صناعة السينما في مصر بعد ثورة 25 يناير، على عكس ما كان يتوقعه أغلب الخبراء من كون الثورة قد تكون دافعا لرقي هذه الصناعة.

وفي استطلاع أجرته «الشرق الأوسط» بين بعض من صناع السينما في مصر، اعتبر المنتج هشام سليمان أن ما حدث من خلال عرض هذه النوعية من الأفلام وتصدرها قائمة الإيرادات في أيام قليلة من بدء عرضها، ما هي إلا بداية مؤسفة لعودة أفلام المقاولات، والتي تعنى بصناعة فيلم بأقل التكلفة وفي وقت قصير، مشيرا إلى أن انسحاب شركات الإنتاج السينمائي الكبرى من السوق كانت السبب في إعطاء مساحة لعرض هذه النوعية من الأفلام.

ويوضح سليمان أن بعض المنتجين سوف يظلون ينتجون مثل تلك النوعية من الأفلام رغم حدوث الثورة، قائلا إن «الأزمة الحقيقية الآن هي عدم وجود أموال كافية لإنتاج أفلام جيدة، بسبب أجور الممثلين، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في أسعار علب الخام والتي وصلت إلى ألف جنيه لعلبة خام أربعة دقائق فقط. وأمام ذلك فيجب علينا كصناع أفلام عمل أفلام بوجوه جديدة، وأفكار مختلفة وكتاب جدد».

وأكد سليمان أن «ذوق الجمهور المصري كما هو، والثورة لم تغيره.. وبعد خمسة سنوات سوف نجد الفيلم الكوميدي والاستعراضي في دور العرض السينمائية، لأن الجمهور هو شعب مهموم بطبعه، ويحتاج دوما للسينما كأداة للتسلية والترفيه».

ويحمل المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي مسؤولية تردي مستوى الأفلام للجمهور في المقام الأول، معللا ذلك بأن الجمهور هو من يدفع أمواله في أفلام خاوية ليس بها أي مضمون.. ومؤكدا على ذلك بتكرار نفس الأوضاع في العام السابق حين عرض فيلم «أولاد البلد» لنفس أبطال فيلم «شارع الهرم» (دينا وسعد الصغير) والمنتج (أحمد السبكي)، حيث اعتلى قائمة إيرادات الموسم. وأبدى فوزي تخوفه أيضا من عودة أفلام تقترب من مستوى أفلام المقاولات، قائلا إن ما يبدو حاليا هو أن هم المنتج الأول والأخير هو إجمالية الكسب فقط، بعيدا عن محتوى السلعة التي يقدمها للجمهور.

ويتوقع فوزي أن الجمهور سوف يصاب بالملل لو استمر يشاهد أفلاما من هذه النوعية، وأن ما يحدث حاليا هو «فترة انتقالية ومرحلة مؤقتة» وأن الجمهور بحث عن أفلام تدعو إلى البهجة والهدوء بعيدا عن العمق، بعد ما عاناه من ضغط عصبي طوال الثورة.

ومن جانبه، يرى المخرج إبراهيم البطوط أن تحقيق هذه الأفلام أعلى إيرادات هو أمر طبيعي، لأنه بمثابة امتداد لنفس موجة الأفلام التي بدأت منذ سنوات (قبل الثورة)، موضحا أنه يجب على صناع الأفلام والسينما في مصر العمل وتقديم أفضل ما عندهم من أفكار، وأن يستغلوا ما قاموا بتصويره أثناء الثورة وفي ميدان التحرير، وبالتالي سوف يجد الجمهور فيما بعد أفلام جيدة.

ويراهن البطوط على إيمانه بتغيير ذوق الجمهور خلال العشر سنوات المقبلة «نظرا لأن المجتمع انتهك لسنوات طويلة، والنتيجة كانت في انحدار وتدهور ذوقه». أما منيب شافعي، رئيس غرفة صناعة السينما في مصر، فيرى أن ما أسعده هو عودة الناس إلى دور العرض السينمائية، أيا كانت نوعية الأفلام المعروضة. وهو ما اعتبره مؤشرا جيدا بعد فترة طويلة من عدم الأمان وعدم الاستقرار، لأن الكثير ظل في حالة من الكبت والقهر والخوف منذ بدء الثورة.

بينما أكد الموزع السينمائي أنطوان زند على ضرورة أن يكون هناك توجيه من غرفة صناعة السينما ووزارة الثقافة لشكل الأفلام التي تعرض في دور السينما، ويرى أن هذه النوعية من الأفلام لن تستمر، ولكن هي مجرد مرحلة مؤقتة، لأن هذه الأفلام كان قد بدأ العمل بها وتصويرها قبل أشهر من بدء ثورة 25 يناير، وكان من المهم لدى المنتج والموزع عرضها في هذا التوقيت بعد أن أضاف لها بعض النكهات واللقطات المرتبطة بالثورة.

وألقت الناقد السينمائية ماجدة موريس، المسؤولية على أجهزة الدولة، قائلة إنها تخلت بشكل واضح وكبير عن دعم السينما في مصر، وهو الأمر الذي زاد من مساحة حالة العشوائية في الإنتاج، بحسب موريس، والتي ترى أن دور الدولة هام جدا في صياغة هذه الصناعة عبر عودة الإنتاج السينمائي الحكومي، حيث كانت صناعة السينما تعد مصدر الدخل المصري الثاني بعد القطن في الخمسينات من القرن الماضي.

واعتبرت موريس أن معظم المنتجين ورجال الأعمال، من المسيطرين على حركة الإنتاج السينمائي الآن في مصر، غير مؤهلين ثقافيا ولا سينمائيا لتبني ودعم السينما.. كما أدى غياب المنتج الفرد الذي يعشق العمل السينمائي، على غرار آسيا ورمسيس نجيب، إلى ظهور منتجين يتعاملون مع السينما كسلعة فقط بعيدا عن المحتوى. وهم من وصفتهم موريس بـ«قناصة العيدية»، الذين يغتنمون أموال الجمهور في موسم الأعياد، نظرا لعدم قدرتهم على الحصول على مثل تلك الأموال في غير تلك المواسم.